مؤسس "نحو وصرف": الصفحات الإلكترونية غلبت المناهج المملة

مؤسس "نحو وصرف": الصفحات الإلكترونية غلبت المناهج المملة

22 ابريل 2018
مؤسس صفحة "نحو وصرف" محمود عبدالرازق جمعة (العربي الجديد)
+ الخط -
انتشرت أخيراً صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تهتم باللغة العربية وقواعدها، وتعدّى جمهور تلك الصفحات مئات الآلاف، ما يؤكد تزايد الاهتمام باللغة وتعلم قواعدها الصحيحة. ومن أبرز تلك المبادرات مبادرة "نحو وصرف" التي يتحدث لنا مؤسسها، محمود عبدالرازق جمعة، عن أسباب نجاح تلك المبادرات.

هل عاد فعلًا الاهتمام بتعلم اللغة العربية؟
نعم، بنسبة ما، خاصة مقارنة بالسنوات الخمس أو العشر الماضية.

ولماذا زاد الاهتمام من وجهة نظرك؟
هناك سببان: الأول أن بعض محبي اللغة العربية وجدوا وسيلة سهلة لنشرها (وسائل التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الإلكترونية). والسبب الثاني أن من كان يجد صعوبة وتعقيدًا في التعليم الرسمي، وجد وسيلة سهلة لتلقِّي اللغة.

تقصد وسائل التواصل الاجتماعي والشرح المبسط؟
نعم، وإمكانية الاختيار وتنوع الوسائل، بعيدًا عن المنهج الواحد الممل، عبر شخص "دمه خفيف" يشرح لعشرات الآلاف في اللحظة نفسها، ووجود شخص مدرك دقائق اللغة واحتياجات الناس الحقيقية في اللغة، ولو لم يكونوا مدركين أنهم يحتاجون إليها. وأيضًا وجود شخص يركز على موضوعات محددة تكون هي المهمة في دراسة اللغة بعيدًا عن الحشو والموضوعات غير المهمة ولا المفيدة.

وما الفرق بين التعليم التقليدي والتعلُّم عبر الوسائط الإلكترونية؟
المعادلة المعكوسة التي حدثت بالنسبة إلى عدد طلاب العلم، بمعنى أنه في الفصول المدرسية عندما يزيد العدد يكون ذلك مؤثِّرًا سلبيًّا، ولكن في صفحات مواقع التواصل تكون زيادة العدد مؤثِّرًا إيجابيًّا. كما أن إمكانية التفاعل الشديد والمستمر على المعلومة الواحدة، يجعل المعلومة شديدة الوضوح. وأيضًا إمكانية الخلاف مع المعلّم، صاحب الصفحة، وحتى اتهامه بالجهل، وقد يكون ذلك حقيقيًّا. وهذا الخلاف بهذه الطريقة غير وارد في المدارس.

دعنا نعُد إلى سبب الاهتمام باللغة العربية أصلًا.
الحقيقة أن الحكاية "رايحة وجاية"، بمعنى أن السؤال الأدق هو: لماذا أصلًا عدم الاهتمام؟ عدم الاهتمام كما قلت، كان بسبب المناهج الجامدة والمملّة وغير المرتبطة بالواقع، والمدرسين غير المؤهَّلين. الآن أصبح لهذه الأسباب بدائل على الإنترنت، فعاد الاهتمام. وأضيف أن ما قوَّى تلك الأسباب أن معظم الوظائف تطلب لغةً أجنبيةً، فأصبح البحث عن قوة اللغة العربية قليلًا.



هل تعتقد أن للتغريب دورًا في تراجع اللغة العربية؟
مسألة التغريب أشبه بنظرية المؤامرة. لا يجوز أن تكون المناهج ضعيفة وغير مرتبطة بالواقع، وألا يكون العلم بالعربية شَرْطًا للوظائف الجيدة، ثم نقول "تغريب". الأزمة عندنا نحن وفي النظام التعليمي كله. وأعتقد أن التغريب حالة داخلية عند الأفراد، فلو كانت حقيقية بذلك المعنى وبالانتشار المتخيَّل لها، فلن تجد أي اهتمام باللغة العربية، ولا كانت أُطلِقَت لها صفحات. وصفحتي مثلًا "نحو وصرف" عمرها أقل من سنتين ونصف، وتضم تقريبًا 226 ألف شخص، وتوجد صفحات أخرى فيها مئات الآلاف، مثل صفحات "اكتب صحّ" و"صحّح لغتك" و"قواعد اللغة العربية"...، وهذا يؤكّد أن كثيرين يحبون اللغة العربية، ليسوا فقط مهتمّين بها.

وما الفئات التي تتابع الصفحة؟
في الفئات العمرية اختلاف كبير، فيوجد تلاميذ في الإعدادية، وأشخاص متقاعدون، وبالطبع الفئة الكبرى هي الشباب.

ألا تستغرب اهتمام الشباب باللغة العربية؟
ليس غريبًا؛ عندما تقضي عمرك تكره اللغة العربية وتراها شيئًا معقَّدًا، ثم تجد من يعرضها لك بسلاسة وإدهاش، فبالتأكيد ستهتمّ. مثلًا عندما تقضي عمرك تقول "جُرم سماوي" دون أن تربط بينه وبين "الجُرم" بمعنى الجريمة، ثم يأتي شخص فيشرح لك الأمر ويخبرك أن ما في السماء هو "جِرْم" بكسر الجيم، فبالتأكيد ستهتمّ. بالإضافة إلى وجود صفحات تصنع "كوميكس" لتعليم اللغة العربية، مثل صفحة "كبسولات لغوية" لمحمود موسى.

ألا ترى تناقضًا في أن حديثنا حول اللغة العربية، وأنت تستخدم ألفاظًا من العامية المصرية؟
لا أرى أي تناقض. إحنا مصريين قبل ما نكون عرب، لينا لغة اسمها اللغة المصرية، لغة ما فيهاش الثاء والذال والظاء والضاد مثلًا. لغة ليها قواعد مختلفة، ورثناها من غير ما نعرف. المصريون أكيد يعني كانوا بيتكلموا قبل دخول العرب مصر. ولا يعيبني أبدًا أني أستعمل لغتي الأم، قبل ما أستعمل اللغة العربية. واللغة المصرية القديمة معروفة، وكانت أعلى مراحل تطورها هي اللغة القبطية، وكانت في الماضي لغة منطوقة غير مكتوبة، عشان كدا بننطقها دلوقتي، وبنكتبها بالحروف العربية.

ولكن كلامنا في مصر "عربي".
لا، نحن أخذنا ألفاظًا كثيرة من العربية، لكن ننطقها بالقواعد المصرية. زي ما العربية فيها ألفاظ كتير من المصرية القديمة، وبتتنطق بالقواعد العربية، ودا شيء متبادَل بين كل اللغات. مثلًا كلمة "يَمّ" الواردة في القرآن هي كلمة مصرية، عشان كدا لم ترد إلا في قصة موسى. وكلمة "بطاقة" الواردة في كل المعاجم العربية، هي كلمة مصرية فقط. وما فيش في العربية الجذر "بطق"، وفي المعاجم العربية مكتوب أنها "كلمة مصرية".

وكلمة "ألشة" اللي بنهزّر بيها الوقتي، مستحيل تكون عربية، لأن ما فيش في العربية كلمة في جذرها اللام والشين ورا بعض. فالعامية المصرية لغة "لازقة في لساننا" شئنا أم أبينا، هي لغتنا الأم قبل العربية، حبها لا يقلل حبنا للعربية، ولا حب العربية يقلل حبنا لها.


المساهمون