وسائل التواصل في شمال أوروبا: اكتساح يميني

وسائل التواصل في شمال أوروبا: اكتساح يميني

05 أكتوبر 2018
اللاجئون هدف لسجالات التشدد على مواقع التواصل (ناصر السهلي)
+ الخط -
تشير دراسات متخصصة في دول شمال أوروبا، وتشمل السويد والدنمارك وألمانيا، إلى أن اليمين المتشدد، بمختلف أحزابه القومية الناقدة لسياسات الهجرة، بات الأنشط بين الأحزاب القائمة، وتسبق حتى تلك ذات التاريخ العريق في مجال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب مزيد من التفاعل يفوق أحياناً بقية الأحزاب مجتمعة.

آخر الدراسات في هذا الخصوص، عُرضت نتائجها في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، أجرتها مؤسسة تحليل لتوجهات المواطنين في تفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "فيسبوك". وتشير في كوبنهاغن إلى اتساع قدرة حزب الشعب اليميني المتطرف بجذب نحو 1.2 مليون تفاعل في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 5.5 ملايين.

ووفقاً لمكتب مؤسسة تحليل المعلومات، نيكستورك (NEXTWORK)، المختص بتحليل البيانات والأرقام وتقديم الاستشارات، فإن دراسته التي ركزت على الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار الماضي، وتحليل فترة ما قبل الانتخابات السويدية في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن أحزاب التطرف شمالاً؛ "حزب الشعب الدنماركي" و"البرجوازية الجديدة" و"ديمقراطيي السويد" و"البديل لأجل السويد" و"البديل لأجل ألمانيا"، تتفوق في نسبة التفاعل مع منشوراتها على فيسبوك على مجموع الأحزاب التقليدية، وهي باتت تهيمن على النقاش داخل المجتمعات.

على سبيل المثال، تشير نتائج التحليلات التي عُرضت من قبل المؤسسة، بالتعاون مع يومية "إنفارماسيون" بكوبنهاغن إلى أن حزب الشعب الدنماركي بات يتفوق في نشاطيته بوسائل التواصل على كل الأحزاب القائمة، ويتجاوزها بنحو نصف مليون تفاعل (بواقع 1.2 مليون تفاعل مع منشوراته). فيما لم يستطع حزب تاريخي عريق في يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) تحقيق أكثر من 530 تفاعلاً خلال ذات الفترة التي رصدتها الدراسة.



وتشير منهجية القياس التي اعتمدتها المؤسسة لتفاعل المجتمع مع اليمين المتشدد أنه بات قادراً على تسويق كل منشوراته باعتبارها مسلَّماً بها، ولم يستطع أحد منافسة هذا اليمين المتشدد سوى "حزب الشعب الاشتراكي الدنماركي" (يسار) في مستوى التفاعل المجتمعي مع منشوراته.

ومن بين الأمثلة الكثيرة التي يعرّج عليها القائمون على الدراسة التحليلية، قيام مسؤول المجموعة البرلمانية في حزب الشعب المتطرف، بيتر سكوروب، بنشر منشور يقول "إنه شيء مثير للاشمئزاز قيام طالب لجوء بطعن حارس سجن في وجهه باستخدام سكين (طالب اللجوء كان محتجزًا على خلفية جريمة)، وهذه التصرفات يجب أن تؤدي إلى طرد فوري له، إذا كنت تتفق فشارك المنشور واضغط إعجاب".

بتلك المنهجية، يقوم الحزب المتشدد بضخ منشوراته التي تصل إلى أكبر نسبة، وتصبح مثار حديث وجدل في المجتمع، من دون معرفة التفاصيل، ويتحول منشور يحظى بآلاف المشاركات إلى فرصة لتعبير المواطنين عن الغضب والرأي المعمم على المهاجرين. وبشكل "واع ومقصود يذهب حزب الشعب لرفع أعداد المتفاعلين مع منشوراته، ولو كانت تثير جدلاً واختلافات واستقطابات كبيرة"، بحسب ما تشير الدراسة، التي تمضي لتوضح حول التفاعل مع الأحزاب البرلمانية أن متوسط ما حصل عليه كل منشور يبلغ 213 تفاعلاً. فيما حلّ حزب الشعب الاشتراكي ثانياً كأفضل حاصلٍ على تفاعل مع منشوراته بمتوسط 129 تفاعلاً، وفي المرتبة الأخيرة حل "حزب المحافظين"، وهو حزب تاريخي يسبق تأسيس اليمين المتشدد بأكثر من 120 سنة.

وكمؤشر على ما تعتبره الدراسة "توجهاً أكثر نحو تشدد الأجنحة"، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين، فإن حزباً متطرفاً جديداً، ولم يدخل البرلمان بعد، "البرجوازية الجديدة"، من خلال مواقف زعيمته المتشددة، بيرنيلا فيرموند، حصل على 117 تفاعلاً في المتوسط متجاوزاً كل الأحزاب التقليدية القائمة في اليمين.



ويرى خبير تحليل البيانات والاتصالات السياسية في مؤسسة الاستشارات والقياس، نيكستورك، توماس البرتكتسن، أن هذه الأرقام والتفاعل مع رسائل اليمين المتشدد تشير إلى توجهات الناخبين في البلد "وتوضح عمق الانقسام المجتمعي الذي تستفيد منه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي".

ومن ناحيته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوبنهاغن، ميكال بوسيتا، أن نتائج التفاعل على وسائل التواصل تشير إلى أن "جناح الأطراف لديه تمثيل كبير على فيسبوك، مقارنة بحصة بعض أحزابه في الانتخابات". ويرى بوسيتا أيضاً أن البحث يظهر أن "المنشور السلبي، والحامل للكراهية يجذب الكثير من التفاعل الاجتماعي. فالعدوانية في التعبير تجذب 4 أضعاف ما تجذبه غيرها، لأنها بالتأكيد ستجر الناس إلى التعليق، رفضاً أو قبولاً، فيما المؤيدون بالتأكيد سيعيدون نشرها باعتبارها منشورات تعبر عما في بالهم".

وفي ذات السياق، تشير مؤسسة تحليل الأرقام والاتجاهات "نيكستورك"، إلى أن الواقع في ألمانيا والسويد لا يختلف عما هو عليه في الدنمارك لناحية انتشار وازدهار النشاط الرقمي لليمين المتطرف. فقد سجّلت أرقام المؤسسة أنه في الشهور المؤدية لانتخابات ألمانيا، خريف العام الماضي، استطاع الحزب المتطرف "البديل لأجل ألمانيا" أن يحصد 30 في المائة من مجمل التفاعل على فيسبوك حول المنشورات ومجمل الأنشطة السياسية الرقمية، متجاوزًا ما حصل عليه الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، الذي حل ثانياً بنسبة 20 في المائة من جذب نشاط وتفاعل الألمان معه على فيسبوك، فيما الأحزاب البرلمانية (الاتحادية) الأخرى لم تحظَ سوى بـ 5 إلى 15 في المائة من التفاعلات على وسائل التواصل، وفقاً لأرقام المؤسسة البحثية.

وفي السويد، التي أنهت انتخاباتها البرلمانية والمحلية بتقدم لليمين المتطرف وتراجع للتقليدي ويسار الوسط في صفوف السويديين، ذهبت صحيفة "سفنسكا داغبلاديت" إلى القول إن حزبين متطرفين "ديمقراطيي السويد (SD) والبديل لأجل السويد (AfS) استطاعا أن يزيحا منافسيهم عن الطريق في مجال التفاعل مع ما يطرحان على وسائل التواصل". وبالرغم من أن "البديل" في السويد لم يستطع حتى تحقيق نسبة 4 في المائة لدخول البرلمان إلا أنه استطاع أن يخلق تفاعلاً معه على فيسبوك بما يفوق التفاعل مع أكبر أحزاب البلد، الاجتماعي الديمقراطي. "ديمقراطيو السويد" المتشدد حقق نسبة 47 في المائة من مجمل التفاعلات على مواقع التواصل قبل 4 أسابيع من الانتخابات، أي منذ أغسطس/آب حتى 9 سبتمبر/ايلول. وتشير أيضاً دراسات سويدية، مثل "ازينسايت"، أن "نشاط ديمقراطيي السويد على فيسبوك، تجاوز أكبر أحزاب يمين الوسط، الاعتدال، وبتفاعل كبير".

وتذهب أستاذة العلوم السياسية في جامعة لوند السويدية، آناماريا سيغتسين، والباحثة تحديدًا في "التواصل السياسي على وسائل التواصل" إلى القول إنّ "حجم المناقشات على فيسبوك بالنسبة للمتشددين أكبر بكثير لأنه يجري إبعادهم عن وسائل التعبير التقليدية (وسائل الإعلام) التي تتجنبهم، وهو أمر ساعدهم عبر خوارزميات معينة على إحداث اختراق كبير بين أفراد المجتمع السويدي". وترى هذه الباحثة أن "الفرز في الدنمارك، على وسائل التواصل، أكبر بكثير من السويد لأسباب تتعلق بقدرة اليمين المتطرف في الدنمارك على ولوج وسائل الإعلام التقليدية حيث لا يجري حظرهم أو تجنبهم، على عكس ما يجري في السويد".

وكان برنامج وثائقي بريطاني بعنوان "فيسبوك خلف الأبواب المغلقة" (أنتجته القناة الرابعة البريطانية وعرضته القناة الثانية الدنماركية، دي ار2) أشار من خلال صحافي متخفّ إلى أن "فيسبوك يقوم عن قصد بترك محتوى العنف والعنصرية والكراهية التي تنشرها منظمات وأحزاب متطرفة وهو ما يتعارض مع سياسة فيسبوك". ورفض مسؤول الشبكة في كوبنهاغن بيتر مونستر الإجابة على أسئلة متعلقة بالموضوع، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه "لا نسمح لمحتويات عنصرية أو تصريحات مؤيدة للإرهاب، تاركين النقاش حراً بنفس الوقت، وخصوصاً للأحزاب السياسية في الطريق نحو الانتخابات".


المساهمون