"فيسبوك" يذعن للحكومتين الإسرائيلية والأميركية: رقابة وحذف حسابات

"فيسبوك" يذعن للحكومتين الإسرائيلية والأميركية: رقابة وحذف حسابات

02 يناير 2018
استمرار المحتوى التحريضي العبري (جاستن ساليفان/Getty)
+ الخط -
كشف تحقيق لموقع "ذا انترسبت" أنّ موقع "فيسبوك" يقوم بحذف الحسابات بناءً على طلبات من الحكومتين الأميركية والإسرائيلية.

وأشار الموقع، في تحقيقه الذي نشر قبل أيام، إلى اجتماع مسؤولي "فيسبوك" مع الحكومة الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول من العام 2016، لتحديد حسابات الفلسطينيين التي ينبغي حذفها باعتبارها "مُحرّضة". والاجتماعات التي دعت إليها وترأستها إحدى أكثر المسؤولين الإسرائيليين تطرفاً واستبداداً بالسلطة، والمؤيدة للإستيطان، وزيرة العدل، آيليت شاكيد، جاءت بعدما هدّدت إسرائيل فيسبوك بأنّ فشله في التعاون مع السلطات الإسرائيلية وطلبات الحذف قد يؤدي إلى سنّ قوانين تُجبر الموقع على فعل ذلك، أو أن يكون عرضةً للغرامات أو الحجب.

وبحسب كاتب المقال، غلين غرينوالد، "أصبحت نتائج ذلك الاجتماع واضحةً وموثّقة الآن. فمنذ ذلك الحين، يفرض (فيسبوك) رقابةً على حسابات الناشطين الفلسطينيين الذين يحتجّون على الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لبلادهم منذ عقود، بتوجيه وطلب من مسؤولين إسرائيليين. وتفاخر مسؤولون إسرائيليون علناً بمدى خضوع فيسبوك عندما يتعلق الأمر بتنفيذ أوامر الرقابة الإسرائيلية".

بعد وقتٍ قصيرٍ من انتشار أخبار في وقت سابقٍ من الشهر الماضي، عن الاتفاق بين الحكومة الإسرائيلية وفيسبوك، قالت وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، إن تل أبيب قدمت 158 طلباً للشبكة الاجتماعية العملاقة على مدار الأشهر الأربعة السابقة لحذف محتوى وصفته بـ"المحرّض". وقالت شاكيد إن فيسبوك استجاب لـ95 بالمئة من تلك الطلبات.

ومن الصعب المبالغة في حجم خضوع "فيسبوك" للأوامر الإسرائيلية. في ديسمبر/كانون الأول 2016، قالت "نيويورك تايمز" الأميركيّة إنّ "الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تراقب فيسبوك وترسل إلى الشركة منشورات تعتبرها محرضة، واستجاب فيسبوك بحذف معظمها".

وأشار "ذا إنترسبت" إلى أنّ "ما يجعل تلك الرقابة تبدو موافقاً عليها، هو أنّ 96 بالمئة من الفلسطينيين قالوا إنّ استخدامهم الأساسي لفيسبوك كان لمتابعة الأخبار". وذلك يعني أنّ المسؤولين الإسرائيليين يملكون سيطرةً غير مقيّدة على منصة تواصل مهمّة للفلسطينيين.

وفي الأسابيع التالية للاجتماعات بين المسؤولين الإسرائيليين و"فيسبوك"، ذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أنّ "مركز المعلومات الوطني الفلسطيني رصد أن 10 على الأقل من حسابات مديري صفحتيه العربية والإنكليزية في فيسبوك، والتي يتابعها حوالى مليوني شخص، تم إيقافها. 7 من تلك الحسابات أوقفت نهائياً، كنتيجة لإجراءات جديدة نُفذت على أثر اجتماع مسؤولي فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية". وفي مارس/آذار 2017، أغلق "فيسبوك" صفحة حركة "فتح" التي يتابعها ملايين المستخدمين لفترة قصيرة، بسبب صورة نشرتها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يحمل فيها بندقية.

وفصَّلَ تقرير أصدره المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية عام 2016 كم كانت رقابة فيسبوك واسعةً وشاملةً. وشملت الصفحات والحسابات الشخصية التي تم حظرها: شبكة فلسطين للحوار، غزة الآن، شبكة قدس الإخبارية، وكالة شهاب للأنباء، راديو بيت لحم 2000، راديو أورينت، صفحة مش هيك، ورام الله الإخباري، وحساب الصحافي حذيفة جاموس من قرية أبوديس، والناشط قاسم بدير، والناشط محمد غنام، والصحافي كامل جبيل، وحسابات مديري صفحة القدس، وحسابات مديري صفحة وكالة شهاب للأنباء، والناشط عبدالقادر الطيطي، والناشط الشاب حسين شاجح، ورماح مبارك، مدير وكالة شهاب (أُعيد تنشيط الحساب)، وأحمد عبدالعال (أُعيد تنشيط الحساب)، والصحافي محمد زعانين (ما زال محذوفاً)، والصحافي عامر أبوعرفة (ما زال محذوفاً)، والمراسل الصحافي عبدالرحمن الكحلوت (ما زال محذوفاً)".

وللمستخدمين الإسرائيليين الحرية كاملةً في نشر أي شيء يريدونه عن الفلسطينيين. وتُعد دعوات الإسرائيليين إلى قتل الفلسطينيين شيئاً مألوفاً على فيسبوك، وتبقى منشورةً من دون أية عوائق، بحسب "ذا إنترسبت".

وذكرت قناة "الجزيرة" العام الماضي، أن "خطاباً تحريضياً نُشر باللغة العبرية، لفت انتباهاً أقل من جانب السلطات الإسرائيلية وفيسبوك". وكشفت إحدى الدراسات أن 122 ألف مستخدم دعوا بشكلٍ مباشرٍ إلى العنف باستخدام كلمات مثل "قتل" أو "اقتل" أو "احرق"، وكان العرب هم المتلقون الأوائل لهذه التعليقات. ومع ذلك، لم يبذل فيسبوك أي مجهود يُذكر لفرض رقابة على أي من هذه التعليقات.

وبحسب "ذا إنترسبت"، رغم أن بعض الدعوات الأكثر تحريضاً وصراحةً إلى القتل تُحذف أحياناً، يستمر فيسبوك في السماح بأكثر الدعوات تطرفاً للتحريض ضد الفلسطينيين. واعتاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، استخدام الشبكات الاجتماعية لنشر تحريض واضح على العنف ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام. وعلى النقيض من قمع فيسبوك للفلسطينيين، لا يمكن تصور فكرة أن فيسبوك قد يستخدم قوته الرقابية ضد نتنياهو أو أي من المسؤولين الآخرين الذين يدعون إلى العنف ويحرضون على الهجوم على الفلسطينيين.

ويبدو أن فيسبوك أصبح يعترف صراحةً بنيَّته الامتثال لأوامر الرقابة من الحكومة الأميركية. فقد حذفت الشركة الأسبوع الماضي حسابي فيسبوك وإنستاغرام الخاصين برئيس جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، الذي يتابعه 4 ملايين مستخدمٍ على هذين الحسابين.

لكنَّ أياً من ذلك لا يخفف مدى إزعاج وخطورة منطق فيسبوك في حذف حساباته. وقال متحدث باسم فيسبوك لصحيفة نيويورك تايمز، إن الشركة حذفت هذه الحسابات، ليس لأن قديروف قاتل وطاغية، بل إن حساباته عُطلت لأنه كان قد أُضيف للتو إلى قائمة عقوبات الولايات المتحدة، وأن الشركة كانت مُلزمة قانوناً بالاستجابة.

ومثلما تشير "نيويورك تايمز"، يبدو هذا المنطق ملتبساً. إذ تظل حسابات آخرين موجودين بقائمة العقوبات ذاتها، مثل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، نشطة على فيسبوك وإنستاغرام. معنى هذا واضح، وهو أن الحكومة الأميركية، التي تعني إدارة ترامب في الوقت الحالي، تملك قوة أحادية مطلقة لحذف حساب أي شخص تريد من فيسبوك وإنستاغرام، من خلال إدراجه ببساطة في قائمة عقوبات.

وسأل الكاتب "هل تُطبق سياسة فيسبوك لحظر الأشخاص المعاقبين من منصتها على كل الحكومات؟ بكل وضوحٍ لا. فمن المعروف أنه إذا قررت إيران فرض عقوبات على السيناتور الأميركي تشاك شومر بسبب تأييده سياسة ترامب للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، فإن فيسبوك لن يحذف حسابات زعيم أقلية الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ أبداً، مثلما لن يحذف فيسبوك حسابات المسؤولين الإسرائيليين الذين يحرضون على العنف ضد الفلسطينيين أو عوقبوا بواسطة مسؤولين فلسطينيين. هل يجرؤ فيسبوك على فرض رقابة على السياسيين أو الصحافيين الأميركيين الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية في الدعوة إلى العنف ضد أعداء الولايات المتحدة؟ سؤال ليس في حاجة إلى إجابةٍ".

وتابع "ذا إنترسبت" أنّه "كما هو الحال دائماً مع الرقابة، هناك مبدأ واحد فقط يقود كل هذا وهو: السلطة. سيخضع فيسبوك ويمتثل لمطالب الرقابة من الحكومات والمسؤولين الذين يملكون سلطة عليه حقاً، في حين سيتجاهل هؤلاء الذين لا يملكونها. ولذلك يصبح أعداء الحكومتين الأميركية والإسرائيلية المُعلن عنهم، مُعرضين لإجراءات الرقابة بواسطة فيسبوك، في حين أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين (وحلفاءهم الأكثر طغياناً وقمعاً) غير معرضين لذلك".

واختتم الكاتب المقال قائلاً إنّه "من الصعب تصديق أن وجهة النظر المثالية لأي شخص عن الإنترنت تتضمن استحقاقاً من سلطة الحكومة الأميركية والحكومة الإسرائيلية وقوى العالم الأخرى في تحديد من هم المسموح لهم بالحديث ومن يجب قمعهم. لكن ذلك هو ما يحدث بالضبط، باسم مناشدة شركات الإنترنت لحمايتنا".

المساهمون