بعد سابقة قضائية... هل تنتصر الحكومة السودانية على الإشاعات؟

بعد سابقة قضائية... هل تنتصر الحكومة السودانية على الإشاعات؟

10 يناير 2018
الحكم يعدّ سابقة قضائية في السودان (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
في حالة هي الأولى من نوعها في السودان، أصدرت محكمة سودانية، أمس الثلاثاء، حكماً بسجن رجل خمسيني مدة شهرين، ومصادرة هاتفه الجوال، وتغريمه 50 ألف جنيه (نحو 8 آلاف دولار أميركي)، على خلفية نشره معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي بالقبض على متهمين، ذكر أنهم من إقليم دارفور تورطوا في قضية مقتل امرأة سودانية.

وكانت السودانية أديبة فاروق اختفت في منتصف يوليو/تموز الماضي، وسط أحاديث عن تعرضها للاختطاف من عصابة الاتجار بالبشر وبيع الأعضاء، وتناقلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن حالات أخرى مماثلة، ما خلق ذعراً واسعاً وجدلاً سياسياً وإعلامياً.

وبعد انتشار هذه الأخبار، عقدت الشرطة السودانية مؤتمرات صحافية عدة وأصدرت بيانات، فندت فيها الشائعات، واعتبرتها تهديداً للأمن الاجتماعي، وهددت بإلقاء القبض على مروجي الشائعات هذه وتقديمهم للمحاكمة.

وبعد العثور على جثمان فاروق طافياً على نهر النيل، وإظهار نتائج التشريح الطبي وجود مؤشرات لجريمة قتل، بدأت الشرطة بالبحث عن الجاني. لكن أحد أقرباء القتيلة نشر مقطعاً صوتياً مسجلاً، أعلن فيه عن القبض على المتهمين من إقليم دارفور مطالباً أهل القتيلة بالثأر.

وحصد المقطع الصوتي أكثر من 66 ألف متابعة على "فيسبوك"، وتم تداوله بشكل واسع على تطبيق "واتساب" ووسائط أخرى، ما دفع "جهاز الأمن والمخابرات الوطني" السوداني إلى ملاحقة المصدر، وحرّك إجراءات قانونية ضده بزعم تضليل الرأي العام وتحريض ذوي المجني عليها لأخذ الثأر.

كما رأى الأمن أن المقطع يجرد أبناء دارفور من حقوقهم الإنسانية والأخلاقية والدينية، كما نفت الشرطة ما جاء في المقطع عن إلقاء القبض على المتهمين أصلاً.

واعتاد المتهمون، في مثل هذه الحالات، على إنكار التهمة بزعم تعرض حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي للقرصنة، إلا أن المتهم اعترف بتسجيل المقطع الصوتي وبثه، وأكد أمام القاضي أنه فعل ذلك بحسن نية، بحسبان أنها قضية رأي عام، ونفى وجود دوافع عنصرية تجاه أبناء دارفور.


وجاء في حيثيات الحكم الذي سيتحول إلى سابقة قضائية يُستند إليها أن المتهم خالف نصوصاً قانونية تتعلق بنشر أخبار كاذبة لم يتحقق من صحتها، والإخلال بالسلامة العامة، وإثارة الكراهية والفتنة بين القبائل والطوائف، إضافة إلى انتقاصه من هيبة الدولة.

ورغم إصرار القاضي على التشدد في العقوبة، إلا أن هيئة الدفاع عن المتهم طلبت من المحكمة تخفيف العقوبة، مراعاة لظروف المتهم الذي يعول أسرته الصغيرة المكونة من 6 أطفال ووالدته وشقيقاته الست، فكانت استجابة المحكمة لهذه الأسباب.

وفي سياق متصل، أفادت إحصاءات رسمية أن عدد قضايا الجرائم المعلوماتية أمام المحاكم، خلال 2017، وصل إلى نحو 10 قضايا، لكن هنالك نحو ألف حالة بقيت في النيابة المختصة، ولم تصل إلى المحكمة. وتعد بلاغات نشر الأخبار الكاذبة وتشويه السمعة والابتزاز والتهديد الأبرز، والأكثر من حيث العدد، يُضاف إليها جرائم الاحتيال المادي وانتهاك الخصوصيّة.


نتيجة لذلك، سنّت الحكومة السودانية قانونا جديدا للاتصالات، أجازه البرلمان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يقضي بالسجن لمدة لا تتجاوز 5 سنوات أو الغرامة (أو العقوبتين معاً)، على كل من يثبت تداوله أخباراً مختلقة، مع جواز مصادرة المواد والأجهزة المستخدمة في الجريمة بأمر المحكمة.

وتتداول الحكومة في تعديلات أخرى في قانون آخر هو قانون المعلوماتية، وتجعل تلك التعديلات من مجرد اطلاع الزوج أو الزوجة على هاتف الآخر من دون إذن جريمة يعاقب عليها الشريك بعقوبة السجن مدة عام.

كما حددت التعديلات الجديدة في مشروع القانون عقوبة السجن 7 سنوات لجرائم معلوماتية أخرى، مثل الابتزاز أو التهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المحامي والناشط السياسي، ساطع الحاج الذي مثل الدفاع عن المتهم في القضية رفض التعليق لـ"العربي الجديد" على حكم السجن والغرامة والمصادرة ضد موكله.

ساطع، وبعيداً عن الحكم، اعتبر أن العقوبات والتشدد فيها بصورة عامة لن تحد من انتشار الشائعات وجرائم معلوماتية أخرى، في ظل وجود بيئة حاضنة وخصبة أنتجتها الضغوط الاقتصادية والمعيشية والسياسية والتضييق على الحريات العامة وغياب الشفافية ونشر المعلومات الحقيقية.

في المقابل، رأى الخبير في مجالات جرائم المعلوماتية، عبدالمنعم عبدالحافظ، أن المجتمع يؤمن بأن التشدد في الأحكام، في جرائم المعلوماتية، يؤدي إلى تدني مستوى هذه الجرائم.

وأضاف عبدالحافظ الذي عمل سابقاً وكيلاً لنيابة جرائم المعلوماتية أن حجم الجرائم الموجود ينبغي عدم التقليل منه أو التبرير له خاصة إذا علمنا أن الأفعال تنتهك في الغالب خصوصية الأسر السودانية، وذلك في حديثه لـ"العربي الجديد".

وفي السياق نفسه، رأى مدير تحرير صحيفة "الصحافة"، محمد حامد جمعة، أن الحكم الذي صدر أمس والعقوبات الأخرى المحتملة الواردة في قانوني الاتصالات وجرائم المعلوماتية يمكن أن تحُد من نشر الشائعات والتخفيف بشكل عام من جرائم المعلوماتية، منبهاً إلى أن الحكم الصادر في حق المتهم سيشيع من الآن وصاعداً ثقافة اللجوء للقانون وعدم صمت من يتعرضون لتلك الجرائم.

واتفق جمعة مع المحامي ساطع الحاج، حول ضرورة انتهاج كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية منهج الشفافية ونشر المعلومات الحقيقية عبر وسائط التواصل الاجتماعي نفسها، ما يغلق الباب أمام أي توقعات أو تكهنات أخرى في المواضيع المثيرة للجدل بين العامّة.