شركات التكنولوجيا تقتحم المجال الطبي

شركات التكنولوجيا تقتحم المجال الطبي

25 سبتمبر 2017
الذكاء الاصطناعي يدخل بقوة في مجال البحوث الطبية (Getty)
+ الخط -
تستطيع شركات التكنولوجيا العملاقة أن تحشد وتدير مجموعات ضخمة من المرضى. ويعزى ذلك إلى التطور السريع للتكنولوجيات الرقمية حيث أصبحت الأدمغة اصطناعية من السيليكون تنافس أدمغة الأطباء

ويتأسس الذكاء الاصطناعي الطبي من استغلال البيانات الحيوية المتحصل عليها من مجموعات ضخمة من المرضى، والتعلم الآلي منها وتخزينها ضمن قاعدة بيانات.

ومن بين شركات التكنولوجيا العملاقة التي اقتحمت مجال البحث الطبي الصناعي واقترحت حلولا صحية، شركة غوغل، حيث أسست بعد هيكلتها، شركةً تابعة لمجموعتها ألفابت (Alphabet) أطلق عليها اسم Verily، وهي شركة تنشط في مجال تقاطع بين التكنولوجيا وعلوم تحليل البيانات والرعاية الصحية. وتكمن مهام الشركة في استغلال البيانات الطبية المتحصل عليها من سكان العالم والاستفادة منها لتحسين وتسهيل حياتهم واقتراح حلول صحية ذكية.

كما تسعى شركة verily إلى تطوير أدوات لجمع وتنظيم البيانات الصحية، ومن ثم إنشاء طرق إدخال ومنصات لرسم رؤية مستمدة من دراسة تلك البيانات واستخدامها في إدارة الرعاية الطبية الشاملة.

وقد برهنت غوغل والشركة التابعة لها فيريلي Verily أنه باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن إجراء تقييم شامل للقلب والأوعية الدموية، انطلاقاً من مجرد صورة بسيطة عن قاع عين الشخص المريض. وما يجدر ذكره، أن هذا الإنجاز تطلب كميات ضخمة من البيانات، حيث عملت غوغل من قبل، على عينة تضم أكثر من 300.000 مريض، وهو ما يعتبر رقماً ضخماً جداً، مقارنة بالأبحاث السريرية التي يجريها أساتذة الطب في المصحات العلاجية، والتي عادة تقتصر على عشرات أو مئات، وفي حالات استثنائية بضعة آلاف من المرضى.

وفي نفس السياق، تسعى غوغل-فيريلي إلى تطوير منتجاتها في عدة جوانب، ومنها مشروع تتبع أكثر من 10.000 متطوع من خلال تزويد أجسامهم بأجهزة متصلة لمراقبة مؤشرات صحتهم عن بعد، وذلك طيلة 4 سنوات متواصلة. وخلال هذه المدة، سيتم وضع أجهزة استشعار داخل فرشهم، وأخذ عينات منتظمة من إفرازاتهم، وإجراء تحاليل جينية لفك شفراتهم، مما يساعد على تحديد العلامات المبكرة لظهور بعض الأمراض وتحديد عوامل الخطر غير المكتشفة بعد.

ويعتقد أن البيانات التي سوف يتحصلون عليها، ستكون ثرية ودقيقة وموثوقة، بحيث توفر للذكاء الاصطناعي الطبي قاعدة بيانات ذات أهمية كبيرة تفوق أهمية تلك التي يتم نشرها في المجلات العلمية.

كما أعلنت غوغل-فيريلي عن إطلاق أوندو Onduo، وهو مشروع مشترك تم إنشاؤه من خلال التعاون بين سانوفي وفريلي. وتتمثل مهمة أوندو في مساعدة الأشخاص المصابين بمرض السكري على التكييف الكامل لعيشهم بصحة، من خلال تطوير حلول شاملة تجمع بين استخدام الأجهزة والبرامج والأدوية والرعاية المهنية المتخصصة لتسهيل إدارة المرض بذكاء.
وبالتوازي مع ذلك، أبرمت فيريلي مع إحدى شركات Nikon تدعى Optos تحالفا استراتيجيا في ميدان التعلم الآلي في مجال تصوير شبكية العين.

وسيتم التعاون على إيجاد التكنولوجيا والحلول لتحسين فحص اعتلال الشبكية لمرضى السكري من قبل أطباء علاج السكري أو غيرهم، والمساعدة في الكشف عن الحالات، وتحسين فاعلية تحويلهم إلى أخصائي عيون في الوقت المناسب.

كما سوف يتم توفير تطبيقات إلكترونية لهؤلاء الأطباء المتخصصين في العيون لمساعدتهم وتسهيل تشخيص المرض عليهم عند بداية ظهوره.

ومن جانب آخر، أحدث إعلان مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، ثورة في مجال الأبحاث الطبية، وذلك من خلال تعهده باستخدام أدوات مبتكرة من شأنها أن تقضي في بضع سنوات على منهجية الأبحاث الطبية القديمة، والتي تعتمد على مجموعات صغيرة من المرضى، ومن ذلك: 157 حالة سرطان الرئة، 117 حالة مرض ليمفاوي، و324 حالة انتفاخ الرئة و79 مريضا بالذئبة، بمجموعات هائلة أخرى، مع قدرة شركته الرقمية العملاقة على تعبئة عدد كبير من المرضى عبر العالم.

مع 3 مليارات متابع لفيسبوك، واتساب، ماسينجر، وإنستاغرام، قد يستطيع مارك زوكربيرغ توظيف مجموعة تتكون من عدة ملايين من المرضى في يوم واحد، ورصدهم عبر هواتفهم الذكية المجهزة بأجهزة استشعار.

أما شركة أمازون، عملاق البيع عبر الإنترنت، فقد أطلقت من جانبها مشروع 1492، الذي يسجل دخولها مجال البحث الطبي، والذي يعد بإحداث هزة تكنولوجيا قوية لدى الأطباء.
إن مجموعة الشركات العملاقة GAFA (غوغل وآبل والفيسبوك، والأمازون)، بإعلانها دخول مجال البحث الطبي، ووضعها حجر الأساس لإجراء البحوث الطبية صناعياً على نطاق واسع، سوف تغيّر تدريجياً مناهج البحث الأكاديمي للأطباء.

ونعيش حالياً عصر تحول الطب من حرفة ينظمها عدد محدود من المهنيين الذين يديرون كميات صغيرة جداً من البيانات وأعدادا بسيطة من المرضى، إلى صناعة طبية عالمية بين أيادي مجموعة شركات GAFA.

فهل سوف تعاني المستشفيات الجامعية في المستقبل خطر الموت الحتمي؟ للعلم، إن كلفة الرعاية الصحية أصبحت أعلى مما كانت عليه في العيادات، والتي كان يقبل بها المجتمع لأنها تنتج بحوثاً طبية.

وإذا تم ابتكار الحلول الصحية من قبل شركات التكنولوجيا العملاقة، عن طريق حشد ملايين المرضى، فإن المستشفيات الجامعية سوف تعاني العزلة رغم وضعها الاجتماعي العام، وسوف يصبح مصيرها مشابهاً لمصير شركة كوداك لأفلام التصوير. ورغم ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي لن يزيل الأطباء، غير أنه سوف يستغني عن دورهم رويداً رويداً.

وقد أوضحت غوغل بالفعل، أن عدد 300.000 مريض لإجراء الأبحاث غير كاف في عصر الذكاء الاصطناعي، هذا الأمر يعني أن المعركة العالمية للذكاء الاصطناعي الطبي قد بدأت بالفعل، مما يستدعي دق ناقوس الخطر لدى أطباء المستقبل للتأقلم مع الوضع الجديد التي سوف تفرضه عليهم الشركات الرقمية الكبرى.



المساهمون