حرب السيسي على الصحافيين تدخل مرحلة "تكسير العظام"

حرب السيسي على الصحافيين تدخل مرحلة "تكسير العظام"

04 اغسطس 2017
انتهاكات بالجملة ضد صحافيي مصر (العربي الجديد)
+ الخط -
محمد فوزي، شاب عشريني يخطو أولى خطواته في عالم الصحافة، أو كما يطلقون عليها "مهنة البحث عن المتاعب". كان محررًا فنيًا في صحيفة "عين" المهتمة بأخبار الفن، والتي تم دمجها مؤخراً في الكيان الإعلامي الذي يمتلكه رجل الأعمال المقرّب من السلطة في مصر، أحمد أبو هشيمة، لكنه الآن بلا عمل بعد أن تم طرده من مكان عمله بجرّة قلم. 
عمِل محمد في الجريدة التي يشرف عليها رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، خالد صلاح، في 20 يونيو/حزيران الماضي، وكما يقول فإنّ مديريه والمشرفين على عمله كانوا يشيدون بأدائه في العمل.

بقي في عمله حتى أُبلغ بأنه تم الاستغناء عنه بعد "وشاية من أحد زملائه"، أرسل صورًا إلى الإدارة من حساب محمد الخاص على "فيسبوك" تحتوي على تعليقات توضح أنه كان عضوًا في حملة دعم المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، حمدين صباحي، وأن له آراء سياسية معارضة.

ما حدث مع الصحافي محمد فوزي حدث أيضًا مع بعض زملائه في صحيفة "اليوم السابع" المملوكة أيضًا لأبو هشيمة لأسباب مشابهة، وهم: ماهر عبد الواحد (صحافي)، وعبد الرحمن مقلد (صحافي وشاعر)، ومدحت صفوت (ناقد فني وصحافي).

وكما يؤكد مقلد، فإن خالد صلاح قال لهم نصًا إن "الرئيس السيسي اشترى اليوم السابع، والرئيس طلب منّي فصْل المحررين اللي بينتقدوا الدولة وخصوصًا اللي وقّعوا على بيان نقابة الصحافيين بأن تيران وصنافير مصريتان".

وحسب شهود عيان من داخل "اليوم السابع"، فإن صلاح استدعى الأمن لطردهم من مقر الجريدة التي يعملون بها منذ ما يقرب من عشر سنوات.

وأمس الخميس، أصدر الصحافيون المفصولون من صحيفة "اليوم السابع"، بياناً للرأي العام والشعب المصري والقيادة السياسية، والجمعية العمومية لنقابة الصحافيين ونواب البرلمان وأعضاء الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية وكافة المهتمين بقضايا الرأي والعاملين بمجال الإعلام والقضايا العمالية وجموع المثقفين والأدباء المصريين والعرب.

وقال الصحافيون في بيانهم "نحن صحافيو جريدة "اليوم السابع" ـ المفصولين ـ من العمل تعسفياً، لمجرد الإدلاء بآرائنا، وممارسة حقنا في التعبير، في إطار الدستور والقانون. وباسم رئيس الجمهورية تم التنكيل بنا، وتشريد أسرنا، بادعاء رئيس التحرير خالد صلاح، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو المالك الجديد للصحيفة، وأنه لا يريدنا في صحيفته، رأينا من الضروري إطلاع الرأي العام على التفاصيل الكاملة لمذبحة الصحافيين الأخيرة غير المسبوقة في تاريخ مهنة الرأي".

وأضاف البيان "يوم الأربعاء، 26 يوليو/تموز 2017، استدعى رئيس التحرير 4 صحافيين بالجريدة، هم: عبد الرحمن مقلد، وماهر عبد الواحد، ومدحت صفوت، وسمر سلامة، أعضاء بنقابة الصحافيين، ومعينون بالجريدة منذ ما يقرب من 10 سنوات، ومعروفون بالكفاءة في العمل، إلى اجتماع بمكتبه، وطلب دخول كل واحد منا بمفرده لمقابلته، وبدأ حديثه بأن الظروف في مصر اختلفت، وظروف المؤسسة اختلفت، وهناك مالك جديد للصحيفة، هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، والنظام الحاكم، وإن الإدارة الجديدة طلبت منه فصلنا، وهو الآن أمام "دبابة"، على حد قوله، وإنه بديلاً عن الفصل، يطلب منّا التوقيع على إجازة بدون مرتب لمدة عام".



"العربي الجديد" علمت من مصادر قريبة الصلة برئاسة الجمهورية في مصر أن الأجهزة الأمنية أعدت قوائم بأسماء صحافيين معارضين وطلبت من ملاك الصحف التي يعملون بها أن يتم فصلهم تدريجيًا، كما علمت "العربي الجديد" أنه بالفعل تمّ فصْل بعض الصحافيين الذين دافعوا عن "مصرية تيران وصنافير" على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، من موقع "مبتدا" المملوك للمخابرات الحربية والذي يشرف عليه مدير مكتب عبد الفتاح السيسي، اللواء عباس كامل، كما تم فصل مجموعة أخرى من صحيفة وموقع "التحرير"، المملوكة لرجل الأعمال أكمل قرطام، النائب البرلماني، وعضو تكتل "دعم مصر" الذي تشكّل بمعرفة المخابرات داخل مجلس النواب.

وأكّدت المصادر أنّ هناك خطّة لدى الأجهزة الأمنية للتخلّص تدريجيًا من الصحافيين المعارضين ومطاردتهم في المواقع التي يعملون بها، لكنها ستكون خطة طويلة الأمد.
ووجّه عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق، الصحافي هشام يونس، رسالة إلى رئيس الجمهورية، قال فيها إن خالد صلاح يمارس ضغوطًا على 10 من الصحافيين لإجبارهم على التوقيع على إجازات لمدة عام بدون مرتب، لأنهم وافقوا على بيان حول "تيران وصنافير" كان يجمع التوقيعات عليه بعض الزملاء في نقابة الصحافيين.
وأضاف أن "الجريدة مملوكة (ظاهريًّا على الأقل) لرجل الأعمال "المعجزة" أحمد أبو هشيمة، بينما قال رئيس تحريرها خالد صلاح لأحد الزملاء وهو يحاوره: "الجرنال ده بتاع عبدالفتاح السيسي وهو مش عايزكم فيه".

وأكّد أن المثير "أن نصف الزملاء المستهدفين بالتصفية الوظيفية يُعرَفون بين زملائهم بأنهم "سيساوية"، لكن صلاح الذي وقف يومًا في مجلس شورى الإخوان يلقي إليهم بخدماته، يستغل اسم رئيس الجمهورية ويتحدث باسمه، ويدّعي أن الموضوع كبير".

وفي السياق، عُقد منذ أيام اجتماع في مقر نقابة الصحافيين بالقاهرة لبحث أزمة صحافيي "اليوم السابع"، دعا إليه بعض الأعضاء لدعم موقف زملائهم، واتفقوا على التوجه بشكوى إلى نقيب الصحافيين وإلى مكتب العمل. لكن رئيس تحرير "اليوم السابع" استبق الخطوة بساعات وكلف المستشار القانوني للجريدة بتقديم شكوى إلى نقابة الصحافيين يطالب فيها بإحالة الصحافيين المفصولين إلى لجنة التأديب، متهماً إياهم بـ"الإساءة إلى صحيفة اليوم السابع، والإضرار العمدي بسمعة المؤسسة، والتلاعب السياسي العمدي باسم رئيس الجمهورية". كما اتهم الصحافيين بـ"التآمر مع مؤسسة إعلامية تابعة لحزب الله اللبناني الممول من إيران (يقصد صحيفة الأخبار اللبنانية) وفبركة قصص إخبارية لصالح الصحيفة ضد اليوم السابع وضد مؤسسات الإعلام المصري".

ويأتي ذلك في الوقت الذي عبّر فيه صحافيون عن غضبهم مما اعتبروه هجمة غير مسبوقة على حرية النشر، وحربا لتكسير عظام كل من يختلف مع نظام عبد الفتاح السيسي ويخرج عن الإطار المحدد الذي رسمه السيسي لوسائل الإعلام، والذي أفصح عنه بشكل واضح في أحد خطاباته الأخيرة بـ"مؤتمر الشباب" الذي عُقد في مدينة الإسكندرية، عندما طالب الإعلاميين بخلق "حالة من الفوبيا" لدى الناس وتخويفهم.

وفي الإطار، قال الصحافي أنور الهواري، الذي رأس تحرير عدة صحف مصرية، "إن الآلة الإعلامية بدأت بتخوين كل من ينطق، حتى لاذ الجميع بالصمت، ولم تعد تجد أحدًا تخوّنه. ثم توجهت الدعوة علنًا للإعلام، لينتقل من التخوين إلى التخويف. تخويف من معنا، وتخويف من ضدنا. إنه مهرجان التخويف للجميع".

وأضاف الهواري "عندما يطلب رئيس الجمهورية من الإعلام تخويف الناس ليعيشوا في قلق وذعر، فإنه يرسخ قواعد ديكتاتورية لئيمة خبيثة غير مسبوقة في تاريخ الديكتاتوريات المصرية".




المساهمون