لبنان: "السيف في الزنزانة"... مصير "متجاوزي الخطوط الحمر"

لبنان: "السيف في الزنزانة"... مصير "متجاوزي الخطوط الحمر"

17 يوليو 2017
(رسم سمر الحلبي)
+ الخط -
صُبغت الحياة العامة في لبنان باللون الأحمر نسبةً لكلّ "الخطوط الحمراء" التي ترسمها أحزاب السلطة، للناشطين والصحافيين، تحت طائلة الاستدعاءات. حلقة الحصار تلك، يُكملها مناصرو الأحزاب، ضد الآراء التي تسير "بعكس الشائع". 

وتردّت حالة الحريّات العامة في لبنان بشكلٍ كبير خلال السنوات الماضية، فازداد عدد الاستدعاءات والتوقيفات لناشطين وصحافيين عبّروا عن آرائهم من خلال وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. وهو واقع يكاد يتحول إلى أمر عادي في بلد لطالما تفاخر بكونه "نافذة الحرية بين البلدان العربية". وساهمت الأحزاب الأكثر تمثيلاً شعبياً في تحويل جماهيرها إلى أداة "لرجم" أصحاب الآراء "المُخالفة"، وتحويل القضاء إلى سلطة جبرية تلاحق الناشطين لإزالة "ستاتوس" على موقع فيسبوك أو تغريدة على "تويتر". ولا تقتصر الملاحقة على الآراء الخلافية التي تطاول إقامة اللاجئين السوريين في لبنان مثلاً، أو الموقف من انتهاك القوى الأمنية لحقوق الإنسان بشكل ممنهج، بل أصبح المُعترضون على خطة "التيار الوطني الحر" للكهرباء عرضةً للمساءلة، وبات طرح أسئلة عن أداء وزير الداخلية والبلديات أمراً يستدعي السجن والتوقيع على تعهدات مكتوبة بعدم التعرض تحت طائلة "العودة إلى الزنزانة".

​أمام هذا الواقع، لم تعد الأحزاب أو الشخصيات السياسية تكتفي بالادعاء على شخص واحد فقط بل أصبحت الاستدعاءات جماعية (بلغ عدد الادعاءات التي تقدم بها وزير الطاقة سيزار أبي خليل ضد ناشطين 400)، وأصبحت حسابات الناشطين عرضة لرقابة حزبية يقوم بها مناضرون تعرضوا أنفسهم للقمع قبل مشاركتهم في السلطة.


والأمثلة عديدة من ناشطي "التيار الوطني الحر" الذين تعرضوا لحملة بطش من قبل كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية خلال فترة الاحتلال السوري للبنان، وأبرز حملاتها تمت في أغسطس/آب عام 2001. وناشطي "تيار المستقبل" الذين تحولت وزارة الداخلية والبلديات في عهد وزراء التيار من أداة قمعية استخدمها النظام السوري لإخفاء معالم جريمة اغتيال مؤسس التيار ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، إلى خط أول في الدفاع عن رأسها وعن الكثير من ممارسات ضباطها وعناصرها التي تصفها تقارير حقوقية محلية ودولية بالعنيفة، خصوصاً خلال الحراك الشعبي والمدني الذي واكب أزمة النفايات الأخيرة في لبنان، والمُرجح تكررها مطلع العام المُقبل.

ومع وجود جيوش إلكترونية كاملة موالية لأحزاب السلطة، يُشكل ترهيب الناشطين واتهامهم بالخيانة عبر مواقع التواصل مُقدمة للاستدعاء الرسمي من "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية" التابع لقوى الأمن الداخلي الذي يوجه دعوات أسبوعية لناشطين وصحافيين لمراجعهتم بشأن منشور مُعين يتضمن "إساءة" لأحد السياسيين ومحاولة ضغط لإزالة المنشور.​

وتُظهر إحصاءات مركز عيون سمير قصير للحريات الإعلامية "سكايز" استدعاء المزيد من الناشطين والصحافيين منذ بداية العام الحالي، وأبرز هذه الاستدعاءات: إصدار المحامي العام التمييزي بلاغ بحث وتحرٍّ بحق الإعلامية ماريا معلوف، في أبريل/نيسان الماضي، على خلفية الإخبار المقدّم ضدّها بسبب تغريدة كتبتها على حسابها على تويتر تساءلت فيها "لماذا لا تقوم إسرائيل بشن غارة لاغتيال الامين العام لحزب الله حسن نصرالله". واحتجاز "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية" للشاب العاطل عن العمل أحمد أمهز، بسبب منشور على فيسبوك "يمّس بالرؤساء الثلاثة"، بداية شهر شباط/فبراير الماضي. مع الإشارة إلى أن أمهز أوقف لمدة يومين، ولم يُطلق سراحه إلا بعد دفع كفالة مالية تكفلت جمعيات حقوقية بدفعها وبلغت 330 دولاراً أميركياً.

كما تستمر محكمة المطبوعات في متابعة قضية الصحافي مهند حاج علي، على خلفية الدعوى المقدمة من رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، ضد حاج علي، بتهمة "القدح والذم وإثارة النعرات" بعد نشر مقال بعنوان "هذه رسالة قدامى القوات اللبنانية إلى سمير جعجع: ترسانة من الجرائم". كما استدعي الشاب ألكسي ابراهيم في فبراير/شباط على خلفية منشور على فيسبوك، والشاب حسن سعد الذي أخلي سبيله مقابل كفالة مالية بعد "انتقاد مرجعيات سياسية" و"تحقير رئيس الجمهورية" على نفس الموقع.

كما تم توقيف الناشطين خضر أنور وفاطمة حطيط على خلفية كتابة شعارات معارضة لفرنسا وأخرى تدعو للإفراج عن اللبناني جورج إبراهيم عبد الله على حائط مقر السفارة الفرنسية في بيروت.

كما حاز خبر توقيف الصحافي فداء عيتاني، قبل أيام على تغطية واسعة بعد نشره "ستاتوس" عبر فيه عن التضامن مع اللاجئين السوريين في وجه السلطات السياسية اللبنانية. وهو ما استدعى، تبعاً لحالة القمع المُمنهج، ادعاء وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية، جبران باسيل، على عيتاني، والذي قضى ليلة واحدة في نظارة قصر العدل. وللمفارقة فقد تم الإبقاء على عيتاني محتجزاً رغم استصدار حكم قضائي بحكم المنشور بسبب وجود حكم آخر صادر بحقه على خلفية مادة نشرها في صحيفة "الأخبار" خلال عمله فيها. وتم الافراج عنه بعد دفع الغرامة المالية المتوجبة على المدير المسؤول في الصحيفة.

وعلى ما يبدو فإن "وضعية السيف" (النوم على الجنب في الزنزانة بسبب ضيق المساحة وكثرة الموقوفين)، ستكون مصير من يحاول التعبير عن رأيه في لبنان. وهي الوضعية التي استخدمها الصحافي فداء عيتاني للنوم في الزنزانة التي سأله الموقوفون فيها عن "مصير الصحافة في لبنان إذا أصبح الصحافيون زملاء زنزانة".




المساهمون