السيسي على "فرانس 24": مقابلة تليق بهذا الرئيس

السيسي على "فرانس 24": مقابلة تليق بهذا الرئيس

24 أكتوبر 2017
من المقابلة (صفحة ميشال الكيك على فيسبوك)
+ الخط -
بابتسامة رافقته طيلة الحلقة، أجرى الإعلامي اللبناني ميشال الكيك مقابلة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على قناة "فرانس 24" الناطقة باللغة العربية، على هامش زيارة السيسي إلى باريس. الابتسامة التي بدأت خجولة وانتهت في نهاية المقابلة بما يشبه الضحكة، تختصر أجواء المقابلة التي يفترض أنها موجّهة إلى الرأي العام العالمي وليس المصريّ فقط. 

امتلك الكيك فرصة ذهبية ليطرح على السيسي أسئلة لن نسمعها على الفضائيات المصرية المحلية، المدارة والمحكومة بأغلبها من المخابرات. وامتلك الكيك أيضاً، فرصة نادرة ليحرج "الرئيس القوي"، محتفظاً بالمعايير المهنية التي يفرضها العمل في فضائية غربية.
لكن الإعلامي اللبناني المخضرم اختار طريقاً آخر. طيلة 26 دقيقة تقريباً، استمعنا إلى مجموعة من الأسئلة الفضفاضة والمكرّرة. أسئلة فضفاضة قابلتها أجوبة مبهمة للرئيس السيسي، الذي لم يقل جملة مفيدة واحدة. أجوبة غير مفهومة، في البداية، تطوّرت لتصبح كذباً، ثمّ كذباً وقحاً، في وقت بقيت الابتسامة ثابتة لا تتزعزع على وجه ميشال الكيك.

البداية من حديث الإرهاب "الترندي trendy" والذي يبدو أكثر ما يهمّ الغرب، "لازم كلنا نتوحّد مع بعض في مواجهة هذا التحدي عشان نتغلّب عليه، هو تحدّي خطير وبيحتاج جهد مشترك وإرادة حقيقية". خطاب التنمية البشرية هذا، استمرّ لمدة 6 دقائق تقريباً، من دون تقديم أي تفسير واضح للخطة المصرية الأمنية والعسكرية لمحاربة الإرهاب.

وبعد الحديث عن "النجاح في سورية والعراق" (من دون توضيح أركان النجاح هذا)، بدا ميشال الكيك متردداً في فتح ملفّ العلاقات مع قطر: "يعني ممم كانت لكم بعض المآخ(ذ).. الاتهامات لدول معيّنة. هل تبدو هي ربما، لا لا لا نشك تحديداً، هل تكون متهمة في ذلك، قطعتم العلاقات تحديداً مع قطر، حتى أكون صريحاً". يقول السيسي مجدداً كلاماً مبهماً عن دعم الإرهاب بالسلاح والإعلام والمقاتلين...

ليعود الكيك ويسأله عن اتهام قطر بدعم الإخوان، لم يجد السيسي ما يقوله سوى "احنا طلبنا 14 مطلب.. فيهم جزء من الموضوع". يقول له الكيك طبعاً. يكرّر السيسي قوله: "14 مطلب محتاجين إنو هما يتجاوبوا معانا فيهم". "14" يقول الكيك. ومن سوء حظّ السيسي ومعه الإعلامي اللبناني، أنّ أحداً من فريق الإعداد لم يهمس لهما أن قائمة المطالب التي قدمتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى قطر تضمّ 13 مطلباً وليس 14.

هل اقتنع ميشال الكيك بالجواب؟ يبدو الجواب غير مهمّ، أمام الجزء الأسوأ في الحلقة: ملفّ حقوق الإنسان في مصر.
"سيادة الرئيس في كل مرة تزورون فيها الدول الغربية تحديداً تُسألون عن حقوق الإنسان، عن الحريات العامة مصر، فبماذا تجيبون عندما ستُسألون من قبل الفرنسيين عن هذا الموضوع؟".
علامة استفهام مع ابتسامة، يقابلها الرئيس بدوره بابتسامة أعرض: "والله ده سؤال مهم جدا جدا وأنا دايماً حريص إن أنا أوضحه بالشكل اللي أنا هكلمكم فيه". فجأة تنخفض نبرة صوته: "أنا هتكلم على مصر، بلدي، إحنا ف مصر حريصين على إننا نحترم مواطنينا ونحافظ عليهم ونساعدهم، كحكام مسؤولين انتخبونا لكده. تصور حجم الإرهاب الذي نواجه في مصر. تصور ما حصل في دول أخرى".
يقول كلاماً مبهماً، يضيّع الجواب، ويضيّع أساس السؤال الفضفاض أصلاً. "اممم. نعم"، يقول ميشال الكيك. الجواب غير مقنع، ينتظر المشاهد تلقائياً أن يستطرد الإعلامي المخضرم أن يساله بالاسم عن آلاف المعتقلين، عن المختفين قسراً، عن التصفيات التي تتم تحت مسمّى مكافحة الإرهاب. لكن لم نسمع سوى سؤالاً فاتراً ورمادياً عن منظمات حقوق الإنسان التي تتحدث عن وجود آلاف المعتقلين السياسيين".
أجاب السيسي الجواب الذي يليق بصيغة السؤال "مفيش معتقل سياسي". ثمّ سلسلة عبارات غير متسقة من نوع "موقوف يعني اعتقال"... ثمّ يدعو المنظمات لزيارة مصر للاطلاع على أوضاع حقوق الإنسان. المنظمات نفسها التي أقفلت مراكزها في مصر، نتيجة لضغط السلطات هناك، إلى جانب إقفال مكاتب المنظمات الحقوقية المحلية أو التضييق عليها وعلى العاملين فيها.
لكن كل ذلك غير مهم بالنسبة لميشال الكيك الذي يتابع أسئلته: "هل تعتبر أن هناك حملة ممنهجة ضد مصر من قبل منظمات حقوق الإنسان؟"، ليأتي جواب الرئيس المصري أكثر اعتدالاً من السؤال: "أنا لا أريد أن أتّهم المنظمات دي بحاجة".
انتهت فقرة البروباغندا المباشرة في الحلقة، ليفتح ملفّ أوسع وهو الدور المصري في ليبيا، وسورية، ثمّ المصالحة الفلسطينية. يتحدّث السيسي عن دور مصر، ثمّ يذكّر بأن "مصر لا تتدخل في شأن أي دولة". ثمّ يعيد الحديث عن دور مصر في المصالحة في فلسطين. ثمّ عن دور دولته في ليبيا ودعم طرف معيّن ضد آخر... ومجدداً "مصر لا تتدخّل في شأن أي دولة شقيقة".
تنتهي المقابلة بحديث عن إمكانية المصالحة مع الإخوان. يبتسم ميشال الكيك. يبتسم السيسي. تتحول ابتسامات الإعجاب المبتادلة إلى ضحكتين وتنتهي المقابلة.

لميشال الكيك كل الحرية بالتعبير عن إعجابه بالرئيس المصري على صفحته الخاصة على "فيسبوك" (مفتوحة للعموم)، وله الحرية الكاملة بوصف إجاباته بالشفافة والواضحة على الصفحة نفسها. لكن أن يحوّل مقابلة مع رئيس نظام عسكري دكتاتوري، وفق التقارير الحقوقية ــ التي لا يحبها ميشال الكيك ــ إلى مناسبة لتبييض صورته، فإن في ذلك الكثير من الريبة وعلامات الاستفهام، خصوصاً أن حفلة البروباغندا المباشرة شاهدناها على قناة فرنسية رسمية يموّلها بشكل أساسي دافعو الضرائب الفرنسيين.