إغلاق القناة الأولى: السوريون يودعون ماضيهم

إغلاق القناة الأولى: السوريون يودعون ماضيهم

09 يناير 2017
اعتبرت محطة "تلاقي" بديلاً عن القناة الأولى (فرانس برس)
+ الخط -
قبل أيام قليلة، تناقل السوريون على صفحات التواصل الاجتماعي خبراً أصدرته شبكة "داماس بوست"، يؤكّد نية الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إغلاق القناة الأولى. وكان للخبر وقع الصدمة، فلم يكن أحد يتوقّع إغلاق القناة التلفزيونية الأقدم في تاريخ سورية، وخامس أقدم قناة تلفزيونية في الوطن العربي، بعدما مضى 57 عاماً على تأسيسها، وبعد مسيرة طويلة، تأرجحت بين التألق والانكسار.

وافتُتحت القناة الأولى من التلفزيون السوري سنة 1960، بالتزامن مع تأسيس التلفزيون المصري، في زمن الوحدة العربية، وحكم جمال عبد الناصر، وكان التلفزيون السوري في السنين الأولى يبثّ إرساله قرابة الساعة ونصف الساعة يومياً، واستطاع في الستينيات أن يكتسب مكانة شعبية كبيرة، من خلال السهرات التلفزيونية الحية التي كان يحييها. وتضمن البرنامج اليومي للتلفزيون السوري، منذ انطلاقته، نشرة إخبارية. وتطور برنامج القناة بشكل سريع، فزادت ساعات البث بشكل تدريجي حتى وصلت مع نهاية الستينيات إلى ست ساعات، تتضمّن نشرتي أخبار وبرامج متنوعة، كما عُرضت على شاشة القناة السورية الأولى في الستينيات، الفعاليات الرياضية الكبرى، فنُقلت مباريات كأس العالم 1966، والتي أقيمت في إنكلترا، على قناة سورية الأرضية، كما نقلت مباريات الملاكمة، لا سيما مباريات محمد علي كلاي؛ وزادت العروض الرياضية من شعبية التلفزيون، لتعيش القناة عصر الازدهار الأكبر في فترة حكم الأتاسي.

وبعد أن تقلد حافظ الأسد الحكم، اختلفت منهجية القناة، فازدادت ساعات البث لتصل إلى عشر ساعات، وعمل الأسد على تسييس برنامج التلفزيون، فأُضيفت نشرة أخبار، ليتضمن برنامج القناة ثلاث نشرات يومياً، كذلك أُضيف العديد من البرامج السياسية والتربوية، وافتقدت القناة تدريجياً للبرامج والسهرات الفنية الحية، واستعيض عنها بحفلات مسجلة ومكررة، كما أن الفقرة الرياضية تحوّلت من عرض الفعاليات الكبرى في العالم إلى عرض مباريات الفروسية التي كان بطلها باسل الأسد، وساهمت تلك التغييرات في انخفاض شعبية القناة، خصوصاً بعد أن غزت القنوات الفضائية منازل السوريين. ولم يختلف حال القناة في أيام بشار الأسد كثيراً، سوى أنه لم يول أي اهتمام بالقناة الرسمية الأولى، واستعاض عنها بقنوات خاصة تبنت فكره السياسي.


وعلى الرغم من أن تاريخ التلفزيون السوري كان يواصل انحداره، إلا أن السوريين كانت تربطهم دائماً علاقة حنين ببرامج القناة الأولى، ربما لأنها تذكرهم بالطفولة، وذلك ما دفع بعض الناشطين على الإنترنت لتأسيس صفحات على "فيسبوك" وأقنية على "يوتيوب" لتعيد بث برامج ولحظات من ذاكرة التلفزيون السوري، مثل صفحة "أرشيف التلفزيون السوري"، وتناولت هذه الصفحات ذاكرة التلفزيون بسخرية يشوبها الحنين.

وفي سنة 2012، أُشيع للمرة الأولى خبر يؤكّد نية النظام السوري إغلاق القناة الرسمية الأولى؛ وتزامن ذلك مع الإعلان عن افتتاح قناة تلفزيونية جديدة، وهي قناة "تلاقي"، والتي كان من المقرر لها أن تكون ملاذاً للعاملين في التلفزيون السوري بعد تسريحهم من عملهم، ولكن إغلاق القناة الأولى تأخّر خمس سنين، إلى ما بعد افتتاح قناة "تلاقي" سنة 2012، وإغلاقها في أيلول/سبتمبر 2016، لينضم عمّا قريب العاملون المسرحون من القناة الأولى إلى رفاقهم المسرحين من قناة "تلاقي" من دون أن يقدم النظام لهم أية حلول.

وبسبب تاريخ القناة الطويل ودورها المهمّش، تباينت ردود أفعال الناشطين السوريين على "فيسبوك"، فمنهم من اعتبر إغلاق القناة دليلاً على أن النظام السوري لم يعد مسيطراً على البلاد، والتي أصبحت بحوزة روسيا وإيران وحزب الله، مستشهدين على ذلك بتزامن قرار إغلاق القناة الأولى مع تهيئة الشروط لنقل قناة "المنار" اللبنانية، التابعة لحزب الله، إلى التردد الأرضي.

وفي المقابل سخر بعض من قرار إغلاق القناة، فمنهم من صرّح باعتقاده أن القناة مغلقة منذ زمن طويل، وآخرون استغلوا الخبر للتذكير بأزمة الكهرباء في سورية، وأكدوا أنهم لا يحتاجون للقناة ولا حتى للتلفزيون، فما فائدة التلفزيون السوري في ظل غياب الكهرباء.

ولكن آخرين لم يهتموا بآثار القرار على تاريخ سورية وذاكرة الشعب، بقدر اهتمامهم بأوضاع الصحافيين السوريين، والعاملين في التلفزيون، فقرار إغلاق القناة الأولى سيتسبب بفقدان الآلاف وظائفهم، كما أن تزامنه مع إغلاق إذاعة صوت الشعب ودراسة قرار دمج صحيفتي "الثورة" و"تشرين" يؤكد أن الصحافيين داخل سورية سيعيشون أزمة غير مسبوقة، فالنظام السوري لم يعد بحاجة للصحافيين الذين خدموه حتى في زمن ما بعد الثورة.



المساهمون