لكنّها بيروت

لكنّها بيروت

14 سبتمبر 2016
بيروت حبّ ولعنة (تيم جيرارد باركر)
+ الخط -
كأن لا هواء في المدينة. تحاول بصعوبة أن تأخذ نفساً ولو خفيفاً كي تبقى على قيد الحياة أو كي تتأكد أنك ما زلت تتنفس. كل شيء في هذا البلد يحاصرك. كل شيء. نفايات، أقساط، ديون، بطالة، سيارات، أبنية، موت كثير... كل شيء يحاصرك. وأنت لا تفعل شيئاً. لا شيء بالأساس يمكن أن تفعله.

لكنها بيروت. تقولها بينك وبين نفسك، فتبتسم. هذه الكلمة وحدها كفيلة أن تجعلك تبتسم. بيروت التي نحب. بيروت التي نلعنها في اليوم عشرات المرات. لكنها بيروت. هذه المدينة التي حلمنا في شوارعها، كلٌّ على طريقته، والتي فيها وبها خاب أملنا عشرات بل مئات المرات. هي بيروت التي ما زلنا حتى اليوم نغني لها بفرح على الرغم من كل وجعنا منها.

بيروت مدينتنا، عائلتنا، أصدقاؤنا، أطفالنا، أحلامنا. هي يومياتنا بكل ما فيها. تفاصيلنا الصغيرة التي نصنع منها حياتنا. كأن تسلك يومياً ذلك الطريق الذي يطل على مبنى الأمم المتحدة في وسط بيروت. أن تنظر يميناً إلى تلك الحديقة الصغيرة الخضراء. أن تحفظ تلك الحفرة الصغيرة على طريق عملك. أن تهرب من زحمة السير على الطريق البحرية الى زواريب عين المريسة والحمرا. أن تمشي شارع الحمرا من أوله الى آخره ويراودك الإحساس الأول ذاته في أول مرة اكتشفت الشارع. أن تمرّ في وسط البلد وتتذكر كيف كان في يوم من الأيام وتبتسم لتلك الذكريات. أن تمر بالقرب من تمثال الشهداء وسط بيروت وبعدها تقترب إلى جريدة النهار، حيث تمثال سمير قصير. أن تشعر بالحب من أول الشارع الى آخره. أن تعرف أطيب فرن في رأس النبع وأفضل مكان لتأكل "راس نيفا" على البربير. أن تعرف أين أفضل فوّال في أحيائها. أن تعتاد مقاهيها فيصبح المقهى ورواده جزءاً منك. أن تعرف أفضل بقعة لترى البحر منها. أن تعرف عنها كثيراً. أن تتآلف حتى مع زحمتها وجنونها. ومع هذا كله تفكر يومياً بالهجرة. برمي كل هذا والرحيل. لكنها بيروت.

أن تشرح لأولادك، لماذا تحب هذه المدينة، ولماذا بقيت فيها على الرغم من كل شيء، فلا تجد جواباً مقنعاً سوى أن تقول: "لكنها بيروت".



المساهمون