ديلي ميل بعقلية النظام: شباب سورية يحب الحياة

ديلي ميل بعقلية النظام: شباب سورية يحب الحياة

05 اغسطس 2016
طفلتان لاجئتان في تركيا (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
رغم أن "الديلي ميل" في تقريرها عن الساحل السوري، أظهرت التناقض الذي تعيشه سورية، بين شباب وصبايا في الساحل يرقصون ويمرحون في حفل على الشاطئ، تحت أشعة الشمس، وبين حرب طاحنة ومأساوية تقتل المئات كل يوم في مكان آخر، إلا أن بعض الاقتباسات من المقال أصبحت شعاراً رائجاً لدى الصفحات الموالية، وحتى بعض الجرائد الرسمية.
عقلية النظام تنجذب إلى هذا المعيار الذي ورد في التقرير، على لسان شاب وفتاة تحدثا مع صحافي الديلي ميل: "نحن نُحب الحياة" أو شعار آخر "نريد عودة الفرح إلى سورية"، أو الأكثر قسوة "بدنا نعيش". هذه المعيارية رائجة، النظام يكتفي باستذكار سورية ومجتمعها بحريته الفارغة، بيومياته التي تبتعد عن السياسية وتتجه نحو الإسفاف واللاغائية. نحو شباب يمضي وقته دون أي حاملٍ أخلاقي أو سياسي. تاركاً لعائلة النظام وأعوانه الحرية الكاملة في قيادة شؤون البلاد، دون أي مفعول للهيمنة الاجتماعية أو القبول الشعبي. فالنظام لم يتمسك
برؤية سياسية أو ديمقراطية للدفاع عن وجوده بل اكتفى منذ بداية الثورة، بالتمسك بمقولات ذات محمول سطحي، كالأمان الاجتماعي، كأن تعود الفتاة بعد منتصف الليل إلى بيتها دون أن يمسها أحد، أو أن الحفلات الفنية منتشرة في ربوع سورية، أو عدم وجود الالتماس طائفي بين السكان بشكل مباشر. أو عدم وجود منازعات سياسية تؤثر على الأمن جراء الاستقرار السياسي المُستمر منذ أربعين عاماً.
المكان الذي غطتهُ الديلي ميل هو منطقة تبعد عن مدينة اللاذقية حوالي الثلاثين كم شمال اللاذقية، يعد من أكثر المناطق التي يرتادها الشباب من الساحل للاصطياف، سمح فيه النظام لمرتاديه بتدخين الأعشاب المخدرة، وبسكن المكان بشكل مختلط بين الجنسين دون رقابة أو تحفظ. هنا يحفظ النظام ماء الوجه للشباب المُعولم، غير المسيس بالمرة، والذي لا يُشكل عبئاً سياسياً على النظام بالمرة، في أن يكون حراً في منطقة شاطئية واسعة، ودرجات السماح بالحرية في ذلك المكان تعطي للنظام أفضلية لتفضيل النظام سياسياً واجتماعياً على مناطق المعارضة، التي يصفها هذا الشباب بأنها مناطق الإرهابيين.
هذا ما جعل صفحات النظام أكثر شغفاً في تبني أجزاء من التقرير. فبحسبهم، مناطق النظام يرتادها الشباب "بفرح عارم"، والحفلات على الشاطئ، والأمل في نهاية الحرب، خلافاً لـ"ثقافة الموت التي يُشيعها الإرهابيون في المناطق الأخرى".
التناقض المُر الذي كتبت عنه الصحيفة غير رائج، النظام يُفضل "صورة الفرح" التي أشاعها التقرير ليراهن على طبقته السياسية المؤيدة، التي ترى الحرب حرب ثقافة يومية، وحرب انتماء للحضارة السلوكية اليومية الفارغة، وحضارة الموت والحرب والإرهاب التي هي للمعارضة. هذا أيضاً لم يلقَ استحساناً من جمهور النظام، حيث الأبناء "يموتون للدفاع عن النظام والبعض يملكون وقتاً للرقص والفرح". فهوجمت صفحة أخبار اللاذقية التي يزيد عدد متابعيها عن المئتي ألف لتغطيتها لما ورد في التقرير.
قنوات النظام الإعلامية ترتبك هنا، بين الدفع بالثقافة المرجوة على سطحيتها وبساطتها، وبين الألم الكبير وثقافة الموت التي طغت على الموالاة عموماً، جراء فقد الآلاف من الشبان دفعاً في حرب قادها النظام. وشباك النظام الإعلامية تميل للتمسك بثقافة الشاطئ كنوع من الاكتفاء المستقبلي في تأمين ما يحتاجه الكل ليكون سعيداً تحت دائرة النظام. أما حقوق الإنسان والحريات ومطلب العدالة، فهي حرية لا يُريدها النظام ولا يعممها. من هنا يتمسك النظام بصور الشباب على الشاطئ بكامل فرحهم، فهذا أفضل من وعي عميق وتأملي للحرب، يجعل طبقة الشباب في صراع ٍ معه. هذه الحرية المسموحة في سورية لا أكثر. مناطق النظام الأقرب في الساحل تكتفي بهذه الحرية، أما من يطلب أكثر من ذلك فسيكون إرهابياً. اما كلمة "بدنا نعيش"، فهي الفضلى للنظام: الخبز والملح، ونسيان السياسة.. ومن بعدها ليفعل الشباب كل شيء.



المساهمون