مواقع التواصل... هل تحولت إلى فخّ لإعلاميين لبنانيين؟

مواقع التواصل... هل تحولت إلى فخّ لإعلاميين لبنانيين؟

03 اغسطس 2016
فصلت أوكتافيا نصر من CNN بسبب تغريدة (فرانس برس)
+ الخط -
في وقت غدت فيه مواقع التواصل الاجتماعي نافذة لعدد كبير من الناشطين للإدلاء بآرائهم الشخصية من دون قيد أو شرط، تتجه المؤسسات الإعلامية العالمية والعربية الى إغلاق هذه النافذة ووضع شروط صارمة على موظفيها، خاصة مذيعيها ومراسليها للحد من الحرية المطلقة التي تتيحها هذه المواقع، معتبرة أنهم يمثلون صورتها ومصداقيتها، وأي حملة تُشن عليهم في ما يخص الأخبار الكاذبة التي ينشرونها أو العنصرية أو التشهير تؤثر على سمعة المؤسسة ونسبة مشاهديها أو قراءتها.
هذا الأمر بدأ عام 2010، عندما قررت شبكة "سي.إن.إن" الأميركية فصل الإعلامية أوكتافيا نصر، وهي أحد أبرز محرري شؤون الشرق الأوسط في الشبكة لـ20 عاماً، بعدما نشرت رسالة على حسابها الخاص على موقع "تويتر" عبرت فيها عن احترامها لرجل الدين اللبناني، محمد حسين فضل الله، بعد وفاته، وهو الذي تصفه الولايات المتحدة بأنه "إرهابي"، قائلة: "يحزنني سماع نبأ وفاة السيد محمد حسين فضل الله أحد العمالقة الذين أكن لهم احتراماً كبيراً".
منذ ذلك الحين، بدأت وسائل الإعلام تراقب وتشدد على ما يكتبه الموظفون لديها على حساباتهم، وكل فترة نشهد على مواقع التواصل الاجتماعي سجالات وحملات على إعلاميين ومراسلين عالميين وعرب، نتيجة تغريدات أو منشورات تعتبر نافرة أو عنصرية أو "غير محايدة"، ينتهي الأمر إما بطردهم من عملهم أو بسحب ما نشروه.


وعن الحرية على مواقع التواصل الاجتماعي تقول الإعلامية اللبنانية، أوكتافيا نصر، في حديث لـ"العربي الجديد": "الإعلامي أو الموظف في شركة أو مؤسسة لا يستطيع أن يفصل بين حياته الشخصية والمهنية، وأي شيء يقوم به يمكن أن يؤثر على حياته، لذلك يجب أن يفكر أيّ منا قبل أخذ المواقف أو التعبير عن الرأي أو الاشتراك بمظاهرات أو مشادات شخصية أو
عامة لأن كل ذلك ممكن أن ينعكس على مكان عمله و بالتالي يؤثر عليه سلباً".
مضيفة: "الحرية المطلقة أو الكاملة هي وهم، هناك مسؤولية تجاه الشركة أو المؤسسة أو العائلة أو القانون أو الحكومة أو الأمن.. هذه المسؤولية تحدد الحواجز التي تحيط بنا والخطوط الحمر التي تقيدنا".
وعن تشدد وسائل الإعلام مع المذيعيين والمراسلين في ما يخص آراءهم على صفحاتهم، تشرح: "الوسيلة الإعلامية هي مكان عمل كأي هيئة أو مؤسسة لديها قوانينها الداخلية ومواثيق يلتزمها الموظفون، ووسائل الإعلام تعتبر موظفيها وصحافييها ومراسليها مندوبين عن المؤسسة أو سفراءها، بالتالي تعنى بما يكتبون على صفحاتهم بالأخص ما قد يؤثر سلباً أو إيجاباً عليها".
أما عن الكتب التوجيهية التي أصبحت تعطيها المؤسسات الإعلامية للمواضيع التي يجب أن يتجنبها المراسل أو المذيع على مواقع التواصل تقول: "من البديهي أن يكون لكل مؤسسة إعلامية كتاب توجيه مهني واضح، صريح، شفاف ومتوفر لجميع الموظفين، وعلى ضوئه يتم التداول في جميع المواقف التي ممكن أن يواجهها الصحافي وطرق معالجتها والتعامل معها".
وعن تأثرها بتجربة الـ "سي.إن.إن" وتفاعلها على مواقع التواصل الاجتماعي تختم: "هذه التجربة علمتني أهمية الدفاع عن حرية رأيي وحرية زملائي الصحافيين حول العالم، فالتجربة دفعتني للمحاربة من أجل صون مساحتي الشخصية ورأيي واسمي ضد أي اعتداء فردي أو جماعي كالذي حصل بعد إشادتي بالعلامة محمد حسين فضل الله. فالذي حصل وقتها أن مجموعة يمينية منظمة اعترضت على كلامي وشنَّت حملة ضروساً ضدي وطالبت بإقالتي. وهكذا شبكة CNN فصلتني استجابة للحملة وأبعدت نفسها عني معتبرة أن ما كتبته على حسابي على تويتر لا يمثل المؤسسة".


كذلك تعرضت الإعلامية، ديانا مقلد، لعدد من الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة منشوراتها التي لم تعجب فئات حزبية أو دينية. وعن الحرية على مواقع التواصل الاجتماعي
تقول في حديث لـ "العربي الجديد": "تميل وسائل الإعلام الدولية المختلفة لاعتبار أن الإعلامي سواء أكان مراسلاً أم مذيعاً هو في النهاية يمثل وسيلة الإعلام التي يعمل بها وبالتالي فإن المؤسسة ستتحمل تبعات ما يقول". مضيفة: "مع تزايد الالتباسات التي يواجه بها إعلاميون وصحافيون بسبب ما يقولونه على مواقع التواصل بات عدد من المؤسسات يتشدد حيال هؤلاء ويطلب منهم مباشرة عدم التعليق بشكل نافر أو بشكل يعرض مصداقية المؤسسة الإعلامية أو سياستها التحريرية للاهتزاز".
أما عن تجارب الإعلاميين والمؤسسات مع التواصل الاجتماعي فتشرح: "المشكلة تتضاعف لدى وسائل الإعلام العربية التي تملك في غالبها أجندات سياسية بحسب الأنظمة أو الجهة الممولة، وبالتالي هناك انحياز وموقف سياسي واضح تابع للمؤسسة والجهة التي تمولها وهنا يجد الإعلامي نفسه أمام ثلاثة خيارات: إما الذوبان الكامل، حيث يصبح لساناً دعائياً أو الانكفاء عن التفاعل، وبهذا يكون سلبياً بالمطلق أو يقارب المسألة بحذر بحيث يعلي السقف ويحاول المجاهرة بمواقف لا تتناسب مع سياسات القناة، لكن من دون شخصنة أو إثارة مبتذلة".
وعن هامش الحرية لدى المؤسسات الإعلامية تقول مقلد: "حتماً على الإعلامي أن لا يسبب أذية لمؤسسته أو يخل بالأمانة المهنية بمعنى إفشاء أسرار أو نشر أكاذيب وغيرها وحتماً عليه احترام الخصوصية التحريرية بما لا يتضارب مع المعايير المهنية والأخلاقية. أنا شخصياً لا أؤمن بالتماثل التام مع المؤسسة في التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأنا مع إبقاء هامش من الاستقلال في الرأي من دون أن يتحول ذلك إلى تهجم شخصي أو بهدف الشهرة والإثارة. وعن الكتب التوجيهية تضيف: "كما هو معروف فإن وسائل الإعلام الدولية المحترمة تملك دليلاً صحافياً يوزع على العاملين لديها بشأن اللغة التحريرية المعتمدة وبشأن المصطلحات الإشكالية وكيفية تناولها، وبات ضمن هذا الدليل قسم خاص بوسائل التواصل الاجتماعي وكيفية إدراج التعليق عليه، وهذا الدليل يجري تطويره باستمرار وبحسب التغيرات المحيطة بنا. مثلاً قرأت في دليل الـ"بي بي سي" بخصوص التعليق على مواقع التواصل وعدا عن المعايير الصحافية التقليدية هي حث الصحافيين على عدم التعامل بخفة أو "بغباء" كما ورد في العبارة التي أدرجت في تعليقاتهم".
وعن تأثرها بالحملات وتفاعلها على مواقع التواصل الاجتماعي تختم: "مررت بعدة تجارب بحيث كان يتسبب تعليق لي بإشكالات وبهجوم من جماهير محددة.. حصل أكثر من مرة مع
مؤيدين لحزب الله ومع مؤيدين للقوات اللبنانية ومع مؤيدين لتيار المستقبل، أخيراً، وحتى من ضمن ناشطي المعارضة السورية في مرحلة من المراحل.. عدا عن اشتباكات عدة من هنا وهناك جراء تعليقات أقولها بشأن مصر والسيسي أو تركيا أو قضايا المرأة و الحريات.. لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لي شخصياً نافذة تفاعل ونقاش لم تكن متاحة من قبل، وهذه النافذة ممتعة وغنية حيناً لكنها شائكة ومؤذية في أحيان أخرى، لكن حتماً أنا انتبه أكثر للمعايير بمعنى ألّا استعمل عبارات شخصية مهينة وأكون على ثقة من معلومات أقولها وأن أعتذر إن أخطأت في معلومة نشرتها.. بالمجمل مساحة السوشال ميديا باتت مهمة جداً بالنسبة لي، ولكن في المقابل فهي تحمل مخاطر الانزلاق كما أنني في المقابل أتمنى أن تتوسع دوائر المواضيع التي نستطيع نقاشها".


الصحافي اللبناني إيلي الحج الذي أنهت "إذاعة الشرق" العقد معه بعد أن كتب منشوراً على "فيسبوك" اعتبره البعض مسيئاً للقرآن، له برأي مخلتف، وقال في حديث مع "العربي الجديد"
إن "الحساب الشخصي للصحافي أو الإعلامي يعبر فيه عن آرائه وأفكاره ومواقفه الخاصة، فهو أشبه بكتاب مطبوع باسم مؤلفه يتعلق به حصرًا، ولا علاقة بالمؤسسة وأي مؤسسة ما لم يسئ إليها بتشهير أو تشويه، وفي حالتي ليس في العقد بيني وبين "إذاعة الشرق" الذي ألغته قيادة "تيار المستقبل" ما يقيد حريتي في التعبير عن أفكاري الخاصة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي إطلاقا".
وعن الخطوط الحمراء التي يجب أخذها بعين الاعتبار إن كان الشخص يعمل بمؤسسة إعلامية، يشرح: "الخطوط الحمراء هي أخلاقية وعامة وهي نوع من رقابة ذاتية، فلا يمكن لموظف في مؤسسة إعلامية أن يؤذي مصالحها وسياساتها عمدا وفي العمق ويبقى فيها ولسنا في هذه الحال، أما عندما تكثر هذه الخطوط الحمراء الذاتية وتتوسع استنسابيا، أو عندما يقرر أصحاب المؤسسة تدبيرا بوقف عمل موظف أو متعاقد، فجأة ومن دون لفت نظر أو إشارة فنكون أمام قضية يفترض أن يحلها القضاء ليدفع المخطئ ثمن خطأه".
وعن تأثره بالتجربة الأخيرة وتفاعله على مواقع التواصل الاجتماعي يختم بالقول: "نعم أثرت، فأنا لم أتنبه إلى وجود جو معين يتيح لبعض العاملين التحدث باسم رئيس هذا التيار والقول إن "سعد الحريري يقبل أو لا يقبل" بهذه المسألة أو تلك، ثم يتبين لي أنه قابل أو غير قادر حيال هذا الوضع غير الطبيعي".



المساهمون