هيئة الإعلام الجزائري... نهاية فوضى أم بداية ردع؟

هيئة الإعلام الجزائري... نهاية فوضى أم بداية ردع؟

24 يونيو 2016
40 قناة غير مرخصة في الجزائر (Getty)
+ الخط -
بعد أربع سنوات من الانتظار، أنهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حالة الفراغ القانوني بشأن المشهد التلفزيوني في الجزائر، وأقر ترسيم هيئة لضبط القنوات المستقلة، وسط تخمينات ومخاوف من الاستغلال السياسي لهذه الهيئة. 
لم يكن حفل تنصيب أول سلطة ضبط لقطاع السمعي البصري في الجزائر، يوم الاثنين الماضي، احتفاءً بميلاد هيئة ستتولى تنظيم الفوضى التي خلّفها تردد السلطة في إنشائها منذ صدور قانون الإعلام قبل أربع سنوات. وقانون السمعي البصري تحول إلى محاكمة مسبقة للقنوات المستقلة، من حيث التهديدات التي تضمنتها كلمة رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، والذي استغرق في التهديد بالتعامل الصارم مع القنوات المستقلة قائلاً "ستتم مواجهة ومعاقبة بحزم كل أفعال القذف والابتزاز ونداءات العنف والفتنة، والقانون سيطبق بكل صرامة في حال المساس بالذاكرة الجماعية أو المرجعية الدينية أو الهوية الوطنية أو توازن المجتمع الجزائري، وأيضاً لحماية حقوق الصحافيين والفنانين الذين يعملون أو سيعملون في هذا المجال".
ليست المرة الأولى التي يُهدد فيها رئيس الحكومة القنوات ووسائل الإعلام المستقلة والمعارضة لتوجهات السلطة، لكن التهديدات الجديدة المتزامنة مع تنصيب هيئة ضبط السمعي البصري، التي يرأسها المدير العام السابق للتلفزيون، زواوي بن حمادي، وتضم تسعة أعضاء بينهم وزير العدل السابق الغوثي مكامشة، وبعضوية صحافي واحد فقط هو لطفي شريط، من التلفزيون الحكومي، تعطي مؤشرًا واضحًا على أن الحكومة بصدد تنصيب "ذراع ضارب" في شكل هيئة قانونية، تعيد ترتيب المشهد السمعي البصري وفقا لتوجهات السلطة، أكثر من أنها بصدد تنصيب هيئة معتدلة تشرف على تنظيم القطاع. ذلك أنها تأتي في ظل مناخ متأزم ومتوتر بين الحكومة وقنوات ووسائل إعلام مستقلة، أبرزها الأزمة مع صحيفة وقناة الخبر، بعد قرار الحكومة تجميد خطة إنقاذ للمؤسسة المحاصرة من قبل السلطة منذ عام 1998، بعد شراء رجل أعمال معارض للمؤسسة الإعلامية الكبرى، إضافة إلى أزمات متواصلة مع قنوات مستقلة، انتهى بعضها إلى غلق هذه القنوات، كقناة "الأطلس" التي أغلقت قبل سنتين، وقناة "الوطن" المقربة من إخوان الجزائر والتي أغلقت قبل أشهر.
رئيس الهيئة، بن حمادي، حاول أن يتجاوز تهديدات رئيس الحكومة، ويرسل إشارات إيجابية إلى الشركاء ومسؤولي القنوات المستقلة، حين قال "سلطة ضبط السمعي البصري لا يوجد لها لا خصوم ولا أعداء، وهي تنوي العمل مع وسائل الإعلام كشركاء لها، وسننظر لكل مؤسسة إعلامية على أنها شريك نعمل معه ونتقدم معه". وبرأي بن حمادي، فإنّ أول ما ستقوم به الهيئة هو إجراء تقييم ميداني للواقع الحالي، قبل البدء في وضع الإصلاحات اللازمة. وعزا بن حمادي الفوضى التي يشهدها مجال القنوات المستقلة، "لكون القطاع يعد حلقة جديدة في الحياة الديمقراطية".
ويعي بعض أعضاء الهيئة الجديدة حجم المهمة المنتظرة، ليس بسبب صعوبات العمل في مجال رخو كقطاع الإعلام وفي ظل حالة من التدافع السياسي بين السلطة والمعارضة، لكن أيضا بسبب الفوضى الكبيرة التي خلّفها تردد السلطة منذ سنوات في ضبط القطاع. فالمشهد الإعلامي في الجزائر يعج بأكثر من 50 قناة تلفزيونية، تملك خمس قنوات ترخيصًا بالعمل في الجزائر كمكاتب لقنوات أجنبية معتمدة في الخارج، فيما تعمل باقي القنوات بشكل غير قانوني منذ سنوات، وسيكون على الهيئة استلام طلبات ترخيص بالبث لكل هذه القنوات والتصريح لها بذلك أو رفضها، لكن الوضع قد يكون مختلفا بالنسبة للقنوات التي سبق للسلطات الجزائرية أن أغلقتها مثل قناة "الوطن" و"الأطلس".
لكن صحافيين مستقلين يشككون في إمكانية أن تكون الهيئة بعيدة عن أداء دور سياسي لصالح السلطة في مجال ضبط وردع القنوات المستقلة. ويعتقد الخبير في مجال الإعلام الهادي كلكلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كل أسماء هيئة السمعي البصري موالية للسلطة، ولا يمكن أن تخرج عن منطقها السياسي. وقال "قراءة فاحصة في هوية أعضاء الهيئة، ستكشف مستقبل السمعي البصري"، مضيفاً "للأسف الشديد، فإن غياب ميثاق لأخلاقيات الممارسة وغياب قانون إعلام فعال وهشاشة قانون العقوبات الجزائري في ظل هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فإن من الصعب الحديث عن تنظيم للقطاع".
ويشير كلكلي إلى أن تداخل العوامل السياسية والمال في مجال الإعلام يحوله إلى مجال حيوي للتدافع السياسي عشية الاستحقاقات الانتخابية، قائلا "دخول غرباء على مهنة الإعلام والاستثمار في مجال السمعي البصري من رجال أعمال ومقاولين وغيرهم من أصحاب المال المشبوه، يطرح عدة تساؤلات حول مستقبل الإعلام الثقيل، الذي أصبح رهينة السياسة والمال. وممارسة مهنة الصحافة أصبحت مقيدة بجملة من الأطر التي يرسمها مُلّاك القنوات غير تلك الأطر القانونية الرسمية".
ويرى الإعلامي رابح رافعي، الذي يعمل في قناة مستقلة، أنّ من "الواضح أن الهيئة مهمتها تحضير المشهد الإعلامي المقبل لتمرير مشروع الرئيس المفترض للجزائر ما بعد بوتفليقة. هناك غموض بشان الأسماء المشكلة للهيئة، وهناك معطى آخر يؤكد أن المطلوب من هذه الهيئة سياسي أكثر منه تنظيمي، وهو معدل عمر الأعضاء جد مرتفع، ما يعني أن السلطة لا تبحث عن دور حيوي لهذه لهيئة التي ستكون، وفق هذا المسار، جزءًا من الأدوات الرسمية ليس إلا".

المساهمون