بيروت مدينتنا

بيروت مدينتنا

07 مايو 2016
(Getty)
+ الخط -

أطلّت السلطة السياسية علينا من جديد بلائحة تمثيلية لانتخابات بيروت البلدية لتسألنا، على الطريقة الشوفينية المعتمدة في أحزاب اليمين، "من أنتم؟". تقول بصريح العبارة: "أنتم الوافدون ونحن أهل المدينة".

أرادت السلطة بكافة مكوّناتها أن تضعنا أمام خيارات لم تكن في الحسبان. لقد عهدنا السلطة تنقضّ علينا بالضرب والاعتقال خلال اعتراضنا الذي سجّلناه في الأشهر الماضية، وتمنعنا من استخدام الأملاك العامة كالشواطئ وحرش بيروت والواجهة البحرية الشمالية... إلخ. لكن ما لم نعتده هو أن تسألنا من نحن، أن تشكِّك بهويتنا المجتمعية.

كانت السلطة على الدوام تشق اعتراضنا بمجموعات رديفة لها، إما مجموعات مدنية يُراد بها باطلاً أو مجموعات مليشياوية تُرهب بها حراكنا أو مجموعات أمنية ترمينا بالرصاص الحي. بيد أنها اليوم تواجهنا بالنسب والحسب. يتنطح فريق عمل "لائحة البيارتة" (الذي فيه الكثير من الوافدين بحسب تعبير الفريق نفسه) بملكية بيروت التي غلّف مفتاحها بعلبة مخصصة للهدايا ومنحه لرمز المخابرات السورية في لبنان. بعد كل هذا تسألنا، نحن البيارتة أهل العاصمة، من أنتم؟

لطالما سألتم من نحن. نحن من أتاحت لهم المدينة فرص التعلُّم والعمل، نحن جيل حربكم وسلمكم الهشّ، جيل توخّى الحذر وشهد عملية إعادة الإعمار وبيع العاصمة في سوق المضاربة المالية. نحن أبناء من ناضل في ساحات وسط بيروت قبل أن تُصبح العمارة وناسها وذكرياتهم أسهماً مالية. نحن من انتظر شجر الصنوبر لينمو من جديد في حرج مقفل في وجه أبناء محيطه.

نحن من انتظر الحرب لتنتهي كي نعبر خطوط التماس باتجاه مناطق "الأعداء" الذين اخترتوهم بالأمس. نحن من كان يلهو في تجاويف صخر الدالية وعلى شاطئ الرملة البيضاء قبل أن تسلبوها منّا. نحن أولئك الأطفال في الصور الفورية نحمل "عرنوس الذرة" حيث لا يظهر الشريط الشائك خلفنا، شريطٌ يحول بيننا وبين صخرة الروشة، ذلك الذي خصخصتم به واجهة المدينة البحرية. نحن الأطفال الذين رسموا في صغرهم مدينتهم بمنارة مخطًطة بالأسود والأبيض قبل أن تحاصورها بعماراتكم الزجاجية الشاهقة وتستبدلوها بمنارة معدنية باهتة لا تعرفنا.

لا تنتهي الـ "نحن" هذه، نحن من تحاصرنا روائح النفايات بعد أن كرّستم المدخل الشمالي للعاصمة مكباً للنفايات وكذلك المدخل الجنوبي. أتذكرون حين نزلنا إلى شوارع عاصمتنا معترضين على سلطتكم مجتمعة محمّلينكم مسؤولية تردّي أوضاعنا المعيشية والصحّية جراء فسادكم؟ هؤلاء نحن، أولاد الأمهات اللواتي كنَّ يزيّنَّ شرفاتهنّ بأحواض الزرّيعة قبل أن تصدروا التراخيص العشوائية لبناء هذا المارد الإسمنتي. نحن من كان يجد في كل حي من طريق الجديدة ملاذاً للعب كرة القدم، ويحلم في الوصول إلى صفوف الأندية البيروتية كالنجمة والأنصار اللذين أفسدتموهما.

نحن أيضاً من أردتم تحويل حدائقهم وملاعبهم إلى مواقف سيّارات. نحن أولاد المناطق الشعبية التي وزّعتم عليها السلاح لتقف في وجه من كان لكم عدواً متربصاً عند خطوط تماس كنتم قد رسمتوها بدمائنا والآن تجولونا عليها لتكلّفوها بانتخاب من صنعتوه بالوهم عدوّهم. نحن نحاول أن نلملم ما تبقى من المدينة التي قسّمتوها إلى أحياء فقيرة ذات طابع تراثي وإلى أحياء بعمارات حديدية وزجاجية شاهقة لا تراعي شروط العيش برمته.

نحن من راقب عبثكم هذا، فأردتم أن تسلبوا مالنا الضريبي لتراقبونا بكاميرات على حساب كل المشاريع الإنمائية التي تحسّن شروط العيش في العاصمة. نحن من تسطّروا بحقهم مخالفات السير دون تأمين الحد الأدنى من نظام سير يلحظ السلامة العامة على طرقات العاصمة وغيرها. نحن الذين ما زلنا نواظب على محاولة إيصال صوتنا إلى تجربة جديدة تعبّر عن هواجسنا وطموحاتنا عبر طرائق حلول توافق احتياجاتنا الفعلية للعيش في المدينة. فنحن يا مدّعي الأهلية البيروتية من حرمتوهم حق التجربة والفشل والمراكمة في معالجة أمورهم الحياتية في هذه المدينة تحت وطأة وصاية شعار مناطقي فئوي يُصادر أهليتنا كسكان مدن.

هل عرفتم من نحن ومن أنتم؟

المساهمون