ترسانة موسكو الإعلامية لا تتسع لأكثر من رأي

ترسانة موسكو الإعلامية لا تتسع لأكثر من رأي

29 مايو 2016
كل الشاشات لبوتين (Getty)
+ الخط -
أعلن ديميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي أن "منظمة غربية تطلق على نفسها اسم الاتحاد الدولي للتحقيقات الصحافية، تجهّز عبر أدواتها في الغرب وداخل روسيا لشن حملة إعلامية ملفّقة عن الرئيس فلاديمير بوتين وعائلته وأصدقاء طفولته". وأردف بيسكوف أن روسيا تمتلك ترسانة من الوسائل الإعلامية لحماية "شرف وكرامة الرئيس من الاتهامات الكاذبة". 

وبالفعل، فقد قامت موسكو في نهاية العام 2014 بتأسيس جهاز إعلامي جديد، يعمل فيه مئات الصحافيين، وتتلخص مهمته بـ"تخليص العالم" مما تعتبره موسكو "دعاية غربية عدائية"، وأطلقت عليه اسم "سبوتنك"، نسبة للقمر الصناعي الذي أطلقته روسيا عام 1957، وفي ذلك رمزية لأجواء الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي. وتهدف "سبوتنك" إلى مواجهة وسائل الإعلام الغربية، ونشر وجهة نظر روسيا، مقابل الدعاية الإعلامية الأجنبية. وقال المدير العام لوكالة أنباء "روسيا اليوم"، دميتري كيسيلوف، أثناء عرض المشروع الجديد في موسكو، إن منظومة "سبوتنك" تهدف إلى إقامة مجمعات إعلامية في 120 مدينة في 34 بلداً، تبُثّ بثلاثين لغة، وتقدم تصوراً متنوعاً يعكس تعدد الثقافات والألوان الحضارية.

ورغم نفي روسيا عودتها للأساليب السوفييتية السابقة في الدعاية، إلا أن كبار رجال الإعلام الروس لا يخفون في أحاديثهم الخاصة بأنهم يشنون حرباً دعائية على غرار أيام الحرب الباردة. ويقول ديميتري كيسيليوف، المحاور التلفزيوني الذي يرأس وكالة "روسيا سيجودنيا" الإعلامية التي أطلقها بوتين في العام 2014، لتحسين صورة بلاده في الخارج: "نحن ضد الدعاية العدائية التي يقتات عليها العالم، سنقدم تفسيرا بديلا للعالم، هناك حاجة إلى ذلك".
ويُضيف كيسيليوف إن جهاز "سبوتنك" أسس مكاتب في 30 مدينة حول العالم منها واشنطن، لندن، برلين، باريس، ريو دي جانيرو، وعواصم عدد من الجمهوريات السوفييتية السابقة، لبث خدمات إخبارية باستخدام محطة إذاعية وموقع على الإنترنت وتطبيقات على الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي . وعلى غرار "راديو موسكو"، في الحقبة السوفييتية، الذي كان يبث بلغات أجنبية عدة، يبث "سبوتنك" خدماته إلى 34 دولة بثلاثين لغة. إلى جانب ذلك، تعمل هيئات البث الروسية الناطقة باللغات الأجنبية، مثل شبكة "روسيا اليوم"، ووسائل الإعلام الإلكترونية الأخرى، على نشر وجهات النظر الروسية، من أجل كسب الدعم لسياسات موسكو الخارجية.



وفي محاولة لفهم "استراتيجية بوتين لنشر سياسته التوسعية بالعالم"، قالت مجلة "فورين بوليسي" في إبريل/ نيسان الماضي، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسخّر استراتيجية جديدة لتحقيق أطماعه التوسعية، يوظف فيها الدراجات النارية، والمليشيات، والقنوات التلفزيونية الخاضعة للدولة.

واعتبر تقرير نشرته "الغارديان"، يوم الأربعاء الماضي، أن الضغوط التي تمارسها سلطات موسكو على وسائل الإعلام الروسية المستقلة لا تقتصر على "آر بي سي" ، فمنذ إعادة انتخاب بوتين في عام 2011 واجهت العديد من وسائل الإعلام الخاصة المزيد من القيود والمضايقات وعمليات الإغلاق، من قبيل الضغط على مجموعة "اكسيل شبرنغر" الإعلامية الألمانية العملاقة لبيع حصتها في الطبعة الروسية من مجلة "فوربس" ومؤسسات إعلامية أخرى في روسيا، بموجب قانون جديد يفرض قيودا على ملكية الأجانب في الشركات الإعلامية الروسية. كما تعرضت قناة "تي في 2"، وهي واحدة من أقدم الشبكات التلفزيونية المستقلة في روسيا، إلى تهديد مفاجئ بالإغلاق في عام 2014، بسبب سياستها التحريرية المستقلة.

وشهدت مؤسسات مثل خدمة "روسكايا بلانيتا" الإخبارية، و تلفزيون "آر إي إن"، وموقع "غراني ـ روسيا"، وموقع "لينتا ـ روسيا"، و"موقع غازيتا ـ روسيا"، و"دار كوميرسانت للنشر" موجات إقالات أو استقالات لصحافيين ومحررين ومعدي ومقدمي برامج بسبب المضايقات التي تفرضها أجهزة الرقابة الرسمية. ولخص المذيع الروسي الشهير، فلاديمير بوزنير، واقع الإعلام الروسي، بالقول إنه "صحافيون بلا صحافة"، و"أداة للتأثير والدعاية الحكومية"، وأن عدد وسائل الإعلام المستقلة تراجع بشكل ملحوظ بعد سيطرة شبه كاملة من الدولة على وسائل الإعلام، سواء بشكل مباشر أو من خلال شركات ومستثمرين موالين للدولة.

المساهمون