أحداث بنقردان التونسية:صور "الإرهابيين" تنتشر.. ومهنية الإعلام محط تساؤل

أحداث بنقردان التونسية:صور "الإرهابيين" تنتشر.. ومهنية الإعلام محط تساؤل

07 مارس 2016
إحدى الصور التي انتشرت على "فيسبوك" التونسيين
+ الخط -
استفاق الشعب التونسي صباح اليوم الإثنين، على خبر تنفيذ مجموعات إرهابية مسلحة لهجمات مختلفة على مراكز أمن وثكنات عسكرية بمنطقة بنقردان بالجنوب التونسي. الأخبار التي انتشرت منذ الساعة الخامسة صباحا تلتها لاحقًا صور لجثث الإرهابيين الذين تم قتلهم وقد أثارت صورة "سيلفي" لعدد من عناصر الجيش التونسي رفقة عدد من جثث المسلحين جدلا واسعا بين معجبين بالصورة ورافضين لها.

وللمرة الثانية على التوالي كانت مدينة بنقردان التابعة لمحافظة مدنين المجاورة لدولة ليبيا هدفا لهجمات إرهابية مسلحة راح ضحيتها مواطنون وأمنيون وجنود تونسيون. هذه الهجمات رافقتها متابعة مباشرة من مواطنين موجودين على ساحة المعركة ومتابعة افتراضية من كل التونسيين الناشطين على المواقع الاجتماعية. وقد تحولت الفضاءات الافتراضية إلى وسائل نقل مباشر للأحداث عبر صور وفيديوهات وأخبار عاجلة وتدوينات تدعو الأمن والجيش إلى الصمود وتحث المواطنين على الحذر.

ونشرت المواقع الإلكترونية للإذاعات الخاصة صور القتلى في المدينة خلال نقل الأحداث، أما آراء التونسيين فانقسمت مرة جديدة حول ما يبث على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أمواج الإذاعات الرسمية والخاصة، في حين لا تغطي القنوات التلفزيونية الأحداث مكتفية بشريط أخبار أسفل شاشاتها.

وكانت رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي قد نبهت التونسيين في تصريحات إعلامية سابقة إلى ضرورة احترام الحرمة الجسدية لقتلى هذه العملية والمقبوض عليهم، نظرًا لعدم فصل القضاء في التهم الموجهة إليهم، إلا أن عددا مهما من التونسيين ومن بينهم أفراد من الجيش ضربوا بعرض الحائط هذه التوصيات، وأصروا على نشر صور الجثث الملقاة وصور الإرهابيين الذين تم القبض عليهم أحياء. هذا في حين دعت صفحة إحدى الفرق الأمنية إلى عدم نشر صورة السيلفي التي التقطها ونشرها بعض أفراد الجيش، حفاظا على حياتهم وحماية لهم من سيناريوهات انتقام الإرهابيين التي يمكن أن تطاولهم.

الممثلة السينمائية والحقوقية سوسن المعالج، كانت من بين المستنكرين لنشر صور جثث الإرهابيين، وتوجهت بخطابها إلى أفراد الجيش التونسي فكتبت "جنودنا البواسل، فخر تونس يا حماة الدِّيَار وما تبقّى من عِزَّة تونس: لا تنزلقوا في لعبة التّشفّي والتنكيل! أنتم السّند الأخير الحافظ للسّيادة والكرامة الوطنيّة، لا ترقصوا بها على الجثث رجاء، هذه الْجثّة مما أنجبت تونس، وما كانت تفعله لا يستحقّ منكم الانحدار إلى أساليب الإرهاب الدّعائيّة القذرة، ارفعوا رؤوسكم وافخروا لكم منّا كلّ المجد والعزّ، لا تروّعونا رجاء، لا تنشروا صور الجثث، انشروا لنا صور آبائكم و أمّهاتكم، كي نشكر من كان سببا في وجود أسود على الجبهة، أو زوجاتكم أو من تحبّون لنتواصل بالحبّ وبالطّاقة الإيجابيّة معا، لا بالرّقص على الجثث".


أما الناشطة الحقوقية فاطمة الغريبي، فكان لها رأي مخالف، حيث اعتبرت أن في نشر هذه الصور أخذا بثأر الراعي الصغير الذي قام الإرهابيون بقطع رأسه ونشر فيديو ذبحه، فكتبت على صفحتها على "فيسبوك": "القضية هنا ليست أن نكون "مع أم ضد". هي فرحة انتقام البواسل على أعداء وخونة تونس، وهي إطاحة بجرذان وكلاب غادرة. ألم ينكل الدواعش بجثث إخواننا الأبرياء في سورية والعراق وليبيا؟ ألم يبعثوا برأس الراعي الصغير في كيس لأمه في تونس؟ ألم يفرحوا بقطع الرؤوس؟ ألم يعبثوا بطفولة بريئة وأمهات لا حول لهن ولا قوة؟ ألم ينشروا لنا صور ومقاطع فيديو مرعبة لبث الخوف والهلع؟ ألم يقتلوا غدرا رجالا شرفاء ذنبهم الدفاع على حرمة وطنهم؟ ألم يهجر بسببهم الملايين أوطانهم؟ ألم يمت الآلاف بردا وحرا وجوعا؟ لم يسلم منهم بشر أينما حلوا؟ هم أعداؤنا وأعداء الوطن"، ولتكن إجابتي "نعم أنا مع... ومع المزيد من الصور".


وهذا وقد عمل جل الصحافيين التونسيين على التذكير، عبر صفحاتهم على "فيسبوك" بضرورة التزام وسائل الإعلام التونسي بالمهنية، وعدم نشر أي صور خاصة بالإرهابيين أو بأفراد الجيش والأمن التونسيين، مؤكدين أن أداء وسائل الإعلام يجب أن يختلف عما تبثه وسائل الاتصال الاجتماعي ويرتقي من أجل صحافة محايدة ونزيهة.

المدوّنة لينا بن مهنى شاركت صورة لمجموعة من الأطفال يحملون علم تونس، وهو مرتفع مقابل شخص آخر، يحمل علم "داعش" وقد كتب بالإنجليزية "نعم نستطيع".

أما المدون والإعلامي أمان الله المنصوري نشر تدوينة أثارت غضب الكثير من التونسيين، حيث كتب "شاهد عيان: مقاتلو داعش يقتحمون وسط بنقردان بسيارات رباعية الدفع تحمل أعلام التنظيم ويطلبون من التجار مزاولة أعمالهم بصفة عادية". والتدوينة أثارت ردود فعل سلبية من التونسيين الذين اتهموا المدون بالسقوط في فخ الاستراتيجية الاتصالية للإرهابيين.

قسم آخر من التونسيين اعتبر تغطية الإذاعات الخاصة للأحداث غير مهنية وتدعو إلى الرعب وهو ما يرغب فيه الإرهابيون، حيث كتب الإعلامي كمال الحجلاوي "انتبهوا المعركة اتصالية وبعض المواقع الإلكترونية تنشر أخبارا كاذبة لصالح الدواعش، فالحرب إعلامية بالأساس".

الروائي التونسي أنيس العبيدى كتب على صفحته "شخصيا أطالب بمحاكمة المشرفين على موقع الحصاد بمقتضى قانون الإرهاب لنشره أخبارا زائفة من شأنها الإخلال بالأمن"، وهو رأي شاركه فيه الإعلامي التونسي عامر بوعزة الذي كتب تدوينة جاء فيها: "الموقع الذي نشر خبر سيطرة داعش على بنقردان ينبغي أن يكون محلّ تتبعات عاجلة تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب". وقد شاركهما الرأي عدد كبير من التونسيين الذين رأوا أن عدة أخطاء شابت تغطية موقع "الحصاد" للأحداث في بنقردان وقد يؤدي ذلك إلى تقديم خدمة لصالح الإرهابيين.

في المقابل، أصدرت وزارتا الداخلية والدفاع في الحكومة التونسية بلاغا دعتا فيه "وسائل الإعلام إلى التروي في نقل المعلومة وانتظار بلاغات المصادر الرسمية، التي سترد تباعا، وذلك حفاظا على حسن سير العملية".

ويعيد جدل مواقع التواصل في تونس طرح تساؤلات عن الأسلوب الأكثر مهنية لتغطية الأحداث الإرهابية، وهو ما تعمل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) ومركز تونس لحرية الصحافة على تعميمه من خلال إصداراتهم حول المسألة، بالإضافة إلى الدورات التدريبية التي يتلقاها الصحافيون في هذا المجال.


اقرأ أيضاً: لم يعدم...الإشاعات تلف مصير الهاكر الجزائري حمزة بن دلاج