هيكل والثورة والشباب...حكاية "القمر والكباب"

هيكل والثورة والشباب...حكاية "القمر والكباب"

18 فبراير 2016
(العربي الجديد)
+ الخط -
ظالمة هي تلك النظرة السطحية التي تختزل محمد حسنين هيكل، في مجرد شعارات من نوعية "الذاكرة الحديدية" و"مدرسة الإرشاد والتوجيه" فلو كان مجرد راوٍ، لما تحققت نبوءاته. وظالم هو ذاك الانطباع المستتر في وجدان جيل الشباب عن علاقة الصحافي أو الكاتب بالرؤساء والملوك والأنظمة الحاكمة؛ فلو كان هيكل ظاهرة، لماتت بموت الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

إلا أن تلك الفرضيات قد تبدو منطقية في تفسير علاقة هيكل بالشباب في مصر، التي انحصرت في ما بين نظرتهم له باعتباره "مضللاً للرأي العام ومكرّساً لفلسفة الحكم الأبوي، شاهداً على العصر وحاكماً عليه بمنظوره الخاص، والكاتب المقرب للأنظمة الحاكمة المصرية والعربية". ونظرته لهم التي عبّر عنها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، بقوله "الشباب المصري يشبه الذي جاهد وحارب للصعود إلى القمر؛ وعندما وصل؛ سألوه؛ ماذا تريد؟ فطلب كيلو كباب".

الفراغ الذي ملأ علاقة هيكل بالشباب، وبثورة يناير أيضا، يرجع إلى تشبيه هيكل، الوضع السياسي لمصر، عقب الثورة بـ" البحر الذي جفّت مياهه"، يومها حذّر وقال: "من يقفز في حوض جفّت مياهه يقفز على صخر أو على طين، إما أن يغوص أو ينكسر... الثورات قد تجيء مفاجأة، لكن صنع المستقبل لا ينبغي أن يحدث بالانقضاض ولا بالقفز، فمقتضى الثورة أن تتعجّل لتفاجِئ، لكن صنع المستقبل لا يمكن أن يتم بطريقة الانفجار".

ظل هيكل في مملكته العالية، يطلق من خلالها تحليلاته ودعمه للأنظمة الحاكمة، من خلال وسائل الإعلام الداعمة بالضرورة لتلك الأنظمة. تحدث عن الماضي وأطلاله، وعن شخوص وزمان لم يعد لهم مكان إلا في ذاكرته وصفحات كتبه، بعيدا عن الشباب، فلم يهتم يوما بمخاطبتهم أو تفهم نفسيتهم واستيعاب أحلامهم وآلامهم، على الرغم من حرصه أو حرص المقربين له، على وجود صفحات خاصة به على مواقع التواصل.

ومن مملكته العالية، حذر هيكل من تزايد انضمام الشباب العربي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، باعتباره "الملاذ الأخير للتعبير"، بل إنه حذر أيضا من حدوث تغيرات بالوطن العربي، قائلا: "الخريطة العربية سوف تتغير، دول جديدة قد تنشأ. الصراع سوف يكون حول الثروات الطبيعية".

هذه التحذيرات لم ينقلها هيكل، للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وهو الداعم القوي له منذ توليه الحكم، رغم تأكيده على أنه "لا يمكن تبرير القمع عن طريق رواية السلم الأهلي. يجب أن يتمتع الشعب بالحرية الكاملة في إبداء الرأي والتظاهر والممارسة السياسية"، حيث إنه كان قد أصدر تلك الأحكام سابقا، على الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، يوم نشر سلسلة مقالات بعنوان "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان" سرد فيها كواليس من حكم مبارك، الممتد من 1981 وحتى اندلاع الثورة.

فهيكل الذي اعتزل الكتابة عام 2003، بمقال له بعنوان "استئذان في الانصراف"، عاد للكتابة عن مبارك باعتباره "البقرة الضاحكة"، وما أثار العديد من الانقادات المصرية والعربية، ضده.
أما اليوم، وعلى عتبات موته، فقد مات الزمان والمكان والشخوص في الأحداث التي لم يروِها، وهو الشاهد على العصر. ومات التوهج والبريق وحالة الذكاء الاجتماعي التي لازمته طوال حياته الصحفية والفكرية والسياسية.

اقرأ أيضاً: جنازة هيكل:حضور نجل الراحل الهارب ورجال أعمال وإعلاميين

المساهمون