صحافيو مصر في انتظار الحرية أو قطار العفو

صحافيو مصر في انتظار الحرية أو قطار العفو

26 ديسمبر 2016
(العربي الجديد)
+ الخط -
لا تزال الصحافية المصرية أمنية مجدي تُحصي الأيام التي تمر على سجن زوجها الصحافي المعتقل، عمر عبد المقصود، ليتحول حسابها الشخصي على موقع "فيسبوك"، لما يشبه عداداً تصاعدياً مقروناً بصور وذكريات ودعوات.

أمضى عمر أكثر من عامين في الحبس الاحتياطي، برفقة أخويه أنس وإبراهيم، بعد القبض عليهم من منزلهم فجر 14 إبريل/ نيسان 2014، واتهامه بحرق سيارات بمدينة ميت غمر.
في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، صنعت أمنية لزوجها قالب حلوى من الورق بمناسبة يوم مولده، ليحتفلا به في أول زيارة له في سجن جمصة شديد الحراسة الذي يقبع به منذ إعادة محاكمته هو وشقيقاه، بعد أن أصدرت المحكمة حكماً سابقاً بالمؤبد في القضية ذاتها.

عمر رقمٌ في كشوف المعتقلين، واسم في قوائم الصحافيين داخل السجون، وحكاية واحدة ضمن عشرات الحكايات التي تروي وقائع عصر ما بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013.
تتعدد تقديرات المنظمات الحقوقية والنقابية حول الصحافيين داخل السجون المصرية. فالبعض يعتمد في منهجية حصره على الصحافيين النقابيين فقط (ممن يحملون بطاقة نقابة الصحافيين)، والبعض الآخر يعتمد في حصره على التعامل مع الصحافي باعتباره كل من يمارس عملاً صحافياً. وآخرون يحصرون تقديراتهم على الصحافيين المعتقلين على خلفية قضايا نشر فقط.

ويؤكد نقيب الصحافيين المصريين، يحيى قلاش، أن النقابة ترسل للجهات المعنية كشفاً يضم 14 صحافياً نقابياً، و13 صحافياً غير نقابي، في محاولة لأن يشملهم العفو الرئاسي الذي وعد به الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر الشباب الذي عُقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وهؤلاء الـ27 محبوسون في قضايا متنوعة، منهم حوالي 20 صحافيا سُجنوا في قضايا تتعلق بالمهنة بخلاف صدور أحكام غيابية وأوّلية بالحبس في مواجهة 7 صحافيين.
ويرتفع العدد كثيراً بحسب تقديرات المرصد العربي لحرية الإعلام، الذي وثّق حبس 97 صحافياً وإعلامياً في السجون وأماكن الاحتجاز الرسمية.
واحتلت مصر المركز 159 (من أصل 173 دولة) عالمياً في تقرير المؤشر العالمي لحرية الصحافة والإعلام لعام 2016.

وأكد التقرير الصادر عن المؤشر العالمي، في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن الصحافيين المصريين يجدون أنفسهم أمام نظام يقمع الأصوات الناقدة تحت ذريعة الاستقرار والأمن القومي.
وبحسب المؤشر، فإنه "على الرغم من الوضع الإعلامي الذي يشهد رواجاً كبيراً، إلا أن وسائل الإعلام في البلاد أصبحت مرآة لمجتمع يئن تحت وطأة الاستقطاب بين مؤيدي السيسي ومعارضيه، حيث تخضع الصحافة لسيطرة نظام استبدادي يحكمها بيد من حديد".
وذكر التقرير أن مصر في نهاية عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، كانت تحتل حينها المرتبة 127.

واعتبر التقرير مصر "من أكبر السجون بالنسبة للصحافيين على الصعيد العالمي"، حيث لا يزال أكثر من 20 إعلامياً قيد الاعتقال بذرائع زائفة.
ولفت إلى أن الحكومة المصرية كانت قد تبنّت في آب/ أغسطس الماضي قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب يستهدف الصحافيين مباشرة من خلال المادة 33 التي تُلزم وسائل الإعلام باعتماد الرواية الرسمية في تغطيتها "للهجمات الإرهابية"، تحت طائلة الحكم على الصحافيين بدفع غرامة تفوق راتب سنة كاملة.

يقول مؤسس مرصد "صحفيون ضد التعذيب"، أشرف عباس، إنهم رصدوا 15 صحافياً داخل السجون، صدرت ضد 4 منهم أحكام قضائية بالحبس، فيما لا يزال 11 صحافياً قيد الحبس الاحتياطي، من بينهم 5 صحافيين تخطّوا الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون بعامين.
وتنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المصري لتحديد مدة الحبس الاحتياطي على أنّه "لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ثلاثة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أُعلم بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، ويجب على النيابة العامة في هذه الحالة أن تعرض أمر الحبس خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 151 من هذا القانون لإعمال مقتضى هذه الأحكام، وإلا وجب الإفراج عن المتهم".



إلا أن الرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، أصدر قراراً بالقانون رقم 83 لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، ونص التعديل في مادته الأولى على أن تستبدل الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية الفقرة الآتية "ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد دون التقييد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة"، وبذلك تكون حررت محكمتا النقض والجنايات من قيود مدة الحبس الاحتياطي.
ويضيف عباس "أغلب الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام يتم القبض عليهم أثناء تغطيتهم الفعاليات، وتوجّه إليهم تهم أبرزها (التظاهر، والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، وإحداث فوضى)، على الرغم من التأكيد على تغطيتهم للأحداث، وأنهم ليسوا طرفاً في صراع أو نزاع أو طرفاً في المعادلة السياسية من الأساس، وإنما هو يقوم بدوره في تغطية الأحداث ونقل الصورة بمهنية".

ويؤكد عباس تصاعد أهمية دور المنظمات الحقوقية في ظل تزايد هذا "القمع"، على حد قوله، من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات التي تطاول الصحافيين ورصدها وتقديم حلول تسعى لتحسين الوضع داخل الوسط الصحافي.

كما أن الجانب الحقوقي معني أيضاً بـ"تقديم الدعم والمساعدات القانونية للصحافيين، والمطالبة بالحريات الصحافية حتى في أحلك الأوقات، مع مراعاة المهنية وداخل إطار الحرص على مصلحة الوطن"، على حد قوله. لكنه يرى أن "كلاً من جهود نقابة الصحافيين والجهود الحقوقية لا يمكنها أن تحل أزمات الصحافيين، ولا أن تضمن حريتهم بمفردها، وإنما يتطلب أن تستجيب السلطات للمطالب بالكفّ عن قمع الحريات، والكف عن الترصد الأمني ضد الصحافيين".


المساهمون