"الأوبسرفاتور" الفرنسية: "خلافة" القوقاز تؤرق بوتين

"الأوبسرفاتور" الفرنسية: "خلافة" القوقاز تؤرق بوتين

29 نوفمبر 2016
غلاف المجلة لفيون (إريك فيفيربيرغ/فرانس برس)
+ الخط -
حمل عدد هذا الأسبوع (23 إلى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني) من مجلة "الأوبسرفاتور" الفرنسية في صفحاته مواضيع عديدة، يتقدّمها ملف خاص عن المرشح إلى الإليزيه، فرانسوا فيون، إضافةً إلى ملف عن دولة داغستان كنواة أساسية للمتشددين الذين يتدفقون إلى سورية والعراق. 
كما تناول العدد مسيرة المصور البريطاني دايفيد هاملتون الذي أقدم على الانتحار في شقته الباريسية مساء الجمعة الماضي، بعد اتهامه بالاسم باغتصاب شابات كان يعمل على تصويرهن في إطار عمله.

رجل اليمين... فيون الحقيقي
"فيون الحقيقي"، تحت هذا الاسم كتبت كارول بارجون مقالة تناولت فيها برنامج "رجل اليمين القوي" وشبهته بجون ميجر الذي وصل إلى 10 داوننغ ستريت عام 1990 (مركز رئاسة الحكومة البريطانية) خلفاً لمارغريت ثاتشر.

ورأت بارجون أنّ فيون يعدّ نموذجاً حقيقياً لـ"الثاتشرية"، وصاحب الرؤية الليبرالية في إدارة اقتصاد فرنسا. وقالت "بالرغم من أنّ فيون بقي لسنوات الابن الروحي للسياسي الديغولي فيليب سيغان، ومرافَقَته له في جلّ المحطات الصعبة، خاصة تصويته ضد معاهدة ماستريخت عام 1992، إلا أنّ فيون نحا أكثر نحو الليبرالية ولا يمكن أنّ نعدّه ديغولياً ذا نزعة اشتراكية كسيغان".

الاقتصادي الفرنسي باتريك أرتوس كان حاضرًا في هذا العدد، للحديث عن برنامج فيون الاقتصادي. ورأى أنّ خطته قد تلاقي نجاحاً على المدى البعيد، خصوصاً في ما يتعلّق بخفض ضرائب الشركات الصغيرة والمتوسطة. واعتبر أرتوس أنّ برنامج فيون أقرب إلى الريغانية منه إلى الثاتشيرية.
وفي الملف نفسه، تناولت سارة دانييل علاقة فيون المميزة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرى فيه فيون "درعاً للغرب المسيحي المحاصر وطوق نجاة لأقليات الشرق المذبوحة".
وقالت دانييل إنّ الإثنين متفقان على رؤية مشتركة للأزمة السورية، ولبشار الأسد. ونقلت الصحافية ما قاله فيون في المناظرة الأولى "عندما يسقط نظام الأسد، يعلم مسيحيو الشرق أنّ هنالك حلّين أمامهم: توظيب الحقائب ومغادرة البلاد أو الموت بسكاكين الإرهابيين".

داغستان التي تؤرق بوتين
تحقيق طويل عن القوقاز والخلافة الإسلامية في داغستان الواقعة في جنوب الجزء الأوروبي من روسيا على حدود أذربيجان وجورجيا والشيشان، أجرته مراسلة "الأوبسرفاتور" نتاشا تاتو، نقلت من خلاله "إسلاماً روسياً" تناحرياً، تتشتت فصائله وحركاته بين السلفية الجهادية الصاعدة والصوفية التي سيطرت لسنوات على مناطق شمال القوقاز.

وتستند الصحافية إلى مادة تاريخية ضخمة بدأت مع حركة المقاومة ضد روسيا القيصرية التي قادها الإمام شامل، القائد الداغستاني وأحد أبرز أئمة الحركة المريدية الصوفية (تشبه إلى حد ما النقشبندية في ممارساتها)، وصولاً إلى الصراع المفتوح الذي اندلع منتصف التسعينيات في داغستان بين السلفيين والصوفيين، والذي جاء بعد توحدهما ضد الإدارة الروحية المركزية عام 1989، مطالبين بليبرالية الحياة الدينية الدعوية في المجتمع الداغستاني.
الصراع الذي احتدم بعد تنحية المفتي غيكييف ومحاولة السلفيين القضاء على نفوذ الإسلام التقليدي أواسط التسعينيات زاده العامل الشيشاني وهزيمة الروس في الحرب الأولى ضراوة، فمع احتضان شامل باساييف السلفيين الداغستانيين وتدريبهم في معسكرات يشرف عليها الجهادي المعروف "خطاب"، سنتي 1996 و1997 عادت المناوشات بين الصوفيين والسلفيين تطفو على السطح رغم محاولات احتوائها في مؤتمر إسلامي دعا إليه مولدي أوغودوف في غروزني.

التقت ناتاشا تاتو بعباس، الرجل الستيني المتدين الذي فقد ابنه (24 عاماً) في سورية بعد انضمامه إلى تنظيم "داعش" عام 2013. يلقي عباس بالمسؤولية التامة على السلطات المحلية لداغستان في "انتحار" ولده "جهادياً"، ويقول "تلقيت رسالة عبر واتساب ذات يوم: محمد شهيدا. لم يصعقني الخبر، كان محمد تحت الرقابة بسبب حوزته سلاحاً غير شرعي، وكان ملزما بزيارة يومية لمركز التحقيق، وسبحان الله بقدرة قادر، حصل على جواز سفر وغادر إلى تركيا ومنها للالتحاق بداعش، طريق كل الجهاديين الذين غادروا بلدتنا".

وردا على سؤالها عن أعداد "الجهاديين" الذي غادروا مدينة خاسافيورت، ثاني أكبر مدن الإقليم الداغستاني، يقول عباس "بالطبع هنالك مبالغة بالرقم الذي أورده بوتين والسلطات الروسية عن 7000 مقاتل التحقوا بتنظيم داعش، لكنّ ما هو أكيد أنّ السلطات هنا تلقي بهؤلاء نحو حتفهم، فهي تريد التخلّص من كل السلفيين الذين عبّروا مرارًا عن رغبتهم في إقامة الخلافة. ومحمد، نجلي، واحد من 14 شخصا غادروا المدينة خلال سنتين".
باكسو، الذي يعمل في صالون للحلاقة في خاسافيورت، يروي قصة عبد الرحيم، الشاب الرياضي الذي كان كادرًا شيوعيًا في الثمانينيات وتحوّل منتصف التسعينيات إلى إسلامي متطرف يعيش في جبال آسيا الوسطى وله تجربة عسكرية في حرب الشيشان الثانية. ويقول "لقد غسلوا دماغه، لا يريد سماع أحد، لم نره منذ أشهر وتعتقد زوجته أنه متواجد على أطراف مدينة حلب مع تنظيم الدولة الإسلامية".

تتابع ناتشا: "نحو العاصمة محج قلعة أو مخاتشكالا، تصادفك صبايا يلبسن (ميني جوب)، وهو أمر لافت ونادر في آن، ويصبح الأمر مغايرًا عندما نصل إلى نوفوساسيتيلي، حيث الحجاب يعد فرضًا وتطبّق قوانين عشائرية تصل إلى حد الجلد والرجم. لكنّ عقوبة قطع الأيدي لا تطبق حتى في حال الزنا والسرقة".
في مقابلة مع عمدة المدينة، أخياد أبسلاير، يتحدث الرجل عن تطور تراجيدي ألغى كل ممكنات الحياة المدنية في البلدة لصالح حكم الشريعة: "الخمر والتدخين ممنوعان هنا، تعدد الزوجات يعد أمرًا طبيعيًا، السرقة والزنا تقابل بالرجم والجلد. 15 سنة حوّلت المدينة لخلافة صغيرة كنموذج للخلافة الكبيرة التي تريدها بعض التيارات السلفية".

تنتقل تاتو في تحقيقها للحديث عن العنف اليومي الذي تشهده بعض مدن الإقليم، حيث عشرات الكوموندوس الانتحاريين يستهدفون مراكز الشرطة ورجال الأمن. وتروي كيف يموّل السلفيون "الجهاديون" معسكراتهم وحملاتهم عبر فرض ضرائب على أصحاب المحلات، وقالت: "في سنة 2012 تلقى أحد أصحاب المحلات في خاسافيورت رسالة موقعة من أمير القوقاز يطلب فيها مبلغ 15 مليون روبل. في اليوم التالي قتلوا ابنه وأثناء الجنازة احتلوا المحل".
وتتساءل الصحافية في التحقيق عن جدوى الحرب المفتوحة التي أعلنها الكرملين ضد إسلاميي داغستان عبر سلطات الإقليم المحلية وشرطتها. وتنقل عن لسان الشيخ السلفي عبد الرحمان خدجي، الذي يحظى باحترام كبير في البلاد، قوله "روسيا تحوّل شبابنا إلى إرهابيين، مداهمات في المساجد واعتقالات في صالات الرياضة ورقابة لكل من يريد العمل في المجال الدعوي.. إلى متى؟".
ويستطرد الباحث في شؤون القوقاز دنيس سوكولوف: "يخاف الكرملين من الإسلام ولا يعرف التعامل معه. تجريم كل سلفيي داغستان لا يحل المشكلة أبدا، سيدفع الأمر براديكاليي التيار السلفي لمغادرة البلاد إلى سورية و(أراضي الخلافة) الواسعة".




المساهمون