مآسي صحافيي اليمن مستمرة

مآسي صحافيي اليمن مستمرة

27 نوفمبر 2016
يتعرض صحافيو اليمن للتهديد والملاحقة (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
لم يُكمل المصور الصحافي أواب الزبيري فيلماً ظلّ يعده لأسابيع عن "مبتوري الأطراف". فقد كانت بضع عبوات فجرها الحوثيون في أحد منازل مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) قد أخذت حياته تماماً. 

في حي "العسكري"، شرقي المدينة، الذي يشهد قتالاً عنيفاً بين الجيش ومسلحي الحوثيين المسنودين بقوات الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، قتل المصور أواب، بانفجار عبوات متفجرة زرعها الحوثيون في أحد المنازل.

يقول المصور عزام الزبيري، وهو شقيق أواب: "وصلنا إلى الحي لتوثيق الانتهاكات، انفصلنا لثوانٍ أثناء التقاطنا الصور لبعض المشاهد والدمار، وقبل لحظات من بحثي عنه لالتقاط صورة له في هذا الحي، حدث الانفجار في المنزل".
وأضاف بصوت يملؤه الحزن: "ظللت أبحث عنه، وأصرخ بأعلى صوتي، أين أواب أين أواب، ولم أصدق روايات أنه خرج من المنزل. وبعد دقائق، عثرنا عليه بين الأنقاض".
ولم يكن أواب الذي كان يعمل لحساب "شبكة تعز الإخبارية" على "فيسبوك"، أول الإعلاميين الذي سقطوا بنيران مليشيا الحوثيين في المدينة، فقد سبقه مصور تلفزيون اليمن الحكومي، أحمد الشيباني، في السادس عشر من فبراير/ شباط الماضي، والمصور محمد اليمني في مارس/ آذار من العام الجاري.


ويتعرض الصحافيون في تعز، لمخاطر خلال تغطيتهم للمعارك. ونجا مراسل تلفزيون "بلقيس" فواز الحمادي من الموت بعد سقوط قذيفة هاون أطلقتها قوات الحوثيين على المكان الذي كان يتواجد فيه في بلدة الصلو بريف المدينة.

ومنذ سيطرة الحوثيين بمساندة قوات موالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول من العام 2014، تعرض الصحافيون والمؤسسات الإعلامية لسلسلة من الانتهاكات وإغلاق لمقراتها واحتلالها، فضلاً عن اختطاف عدد منهم.

مقتل 15 صحافياً خلال عامين
تفيد آخر إحصائية حقوقية عن مقتل 15 صحافياً يمنياً خلال عامي 2015 – 2016، فيما أصيب أكثر من 41 آخرين معظمهم بنيران مليشيا الحوثيين وآخرين توزعوا بين مسلحين مجهولين وقوات حكومية وغارات لطيران التحالف العربي.
وقال تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (غير حكومي)، إن سبعة عشر صحافياً مختطفون لدى المسلحين الحوثيين في العاصمة صنعاء، فيما لا يزال الصحافي محمد المقري بقبضة تنظيم "القاعدة" في محافظة حضرموت (شرقي البلاد).
وأضاف التقرير أن الصحافيين المختطفين لدى الحوثيين يتعرضون للتعذيب المستمر، مشيراً إلى أنه رصد 53 حالة انتهاك ضد الصحافيين وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي خلال الربع الثالث من العام الجاري.


وأشار مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إلى أن الانتهاكات توزعت بين حالات قتل واختطاف وإصابة وتهديد ومحاولة قتل وتفجير واقتحام ونهب منازل ومؤسسات إعلامية واعتداء بالضرب، إلى جانب حجب واختراق محطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية.
وقال التقرير إن صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين وصالح، احتلت المرتبة الأولى بعدد الانتهاكات المرتكبة بعدد 24 حالة، تلتها محافظة تعز بعدد 9 حالات انتهاك، ثم محافظة حجة بعدد 7 حالات، ثم محافظة عدن بعدد 3 حالات.
وحسب التقرير، فقد احتل شهر أغسطس/ آب المرتبة الأولى في عدد الانتهاكات ضد الإعلاميين ونشطاء التواصل الاجتماعي بعدد 24 حالة، تلاه شهر سبتمبر/ أيلول بعدد 19 حالة انتهاك، ثم شهر يوليو/ تموز بعدد 10 حالات انتهاك.

وقالت أم الحارث عمران، زوجة الصحافي المختطف عبدالخالق عمران: "منذ أن تم تعذيبه في سجن هبرة قبل أكثر من ستة أشهر وهو يعاني من ألم في العمود الفقري".
وأضافت على حسابها في "فيسبوك": "لديه أمر بنقله إلى المستشفى وما زال يعاني ويتألم. أين الضمير؟ أين حقوق الإنسان؟".

اختطاف صحافيين ومطاردة آخرين
اختطفت مليشيا الحوثيين الصحافي في موقع "المصدر أونلاين"، يوسف عجلان، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من أمام منزله في صنعاء، ونقلته من سجن البحث الجنائي إلى سجن يتبع منطقة الثورة في حي نقم في المدينة.

ويرفع اختطاف عجلان عدد الصحافيين المختطفين لدى الحوثيين إلى ستة عشر صحافياً، ويقبعون داخل سجون حكومية من دون علم أسرهم بمصيرهم.
وقال بيان صادر عن موقع المصدر أونلاين إن يوسف عجلان، المحرر السابق في الموقع، قد أوقف عمله عقب اقتحام الحوثيين لمكتب الموقع في مارس/ آذار من العام الماضي، وتوقف تماماً عن ممارسة العمل الصحافي عندما رأى أن البيئة "باتت غير مناسبة للاستمرار".
وأضاف: "ذلك لم يشفع له عند المليشيات التي باتت تتوجس من كل مواطن يمني لا يدين لها بالولاء الكامل، وبناءً على طلب أقاربه الذين ظلوا يحاولون طيلة الفترة الماضية إقناع قادة الجماعة بالإفراج عنه، إلا أن كل تلك المساعي، ورغم مرور شهر على واقعة الاختطاف، لم تثمر سوى بوعود مطاطية ولم يتم الإفراج عنه".
وطالب البيان النقابات والمنظمات المعنية بحرية الصحافة والحريات العامة، إلى التضامن مع الصحافي عجلان، وكافة الزملاء الصحافيين المختطفين والمغيبين في سجون الانقلابيين في صنعاء والضغط من أجل الإفراج عنهم.

ولا يزال الصحافي يحيى عبدالرقيب الجبيحي مختطفاً لدى مليشيا الحوثيين منذ الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد اقتحام منزله في العاصمة صنعاء.
ولا يعرف بعد مصير الجبيحي، فيما يرفض الحوثيون الإفصاح عن أي معلومات حتى لأسرته عن صحة الصحافي أو المكان الذي اقتادوه إليه.

من جانبها، نددت نقابة الصحافيين اليمنيين باختطاف عجلان والجبيحي وطالبت بسرعة الإفراج عنهما، محملةً الحوثيين كامل المسؤولية عن سلامتهما.
وأشارت النقابة إلى أن عدداً من الصحافيين تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية، مجددة مطالبتها بالإفراج عن جميع الصحافيين المختطفين.

وفي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، ميليشيا الحوثيين ضمن لائحة سوداء لثلاثة وثلاثين من الرؤساء والمليشيات من صيادي الصحافة في العالم.
وقالت المنظمة التي تتخذ من باريس مقراً لها، إن هذه الانتهاكات أصبحت لا تعد ولا تعصى منذ سيطرة الحوثيين على البلاد، واستيلائهم على مباني القنوات التلفزيونية، واعتقالهم للعديد من الصحافيين.
وتابعت: "تشهد السجون حالات تعذيب كثيرة، بحسب العديد من الشهادات، أما حالات الاختطاف والاختفاء فقد أصبحت لا تعد ولا تحصى"، مشيرةً إلى خطاب زعيم الحوثيين "الصريح" بحربه المفتوحة على الإعلاميين.


ووصف عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، الوضع الصحافي في اليمن بـ"أسوأ مراحله على الإطلاق في مجال الحريات وحتى في الانتهاكات المتعددة والكثيرة".
وقال الأسيدي لـ"العربي الجديد": "إن الصحافيين المختطفين يتعرضون للتعذيب بشكل مستمر، بل إن بعضهم أصبحت حالتهم الصحية سيئة جداً وبعضهم أصيب جراء عمليات التعذيب".
وأضاف: "حالتا الصحافيين وحيد الصوفي ومحمد المقري أخطر حالتين تتعرض لهما الصحافة، إذ تم اختطاف الصوفي منذ عام وتسعة أشهر من وسط العاصمة صنعاء وتم اقتياده إلى جهة مجهولة، فيما لم نستطع الحصول على أي معلومة تمكننا من معرفة مصير الزميل المقري الذي اختطفه تنظيم القاعده الإرهابي في مدين المكلا، بحضرموت".
وتابع: "الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في اليمن لا تسقط بالتقادم أبداً لأنها من جرائم الحرب ومن الجرائم ضد الإنسانية".

وفي أحدث الانتهاكات، يتعرض الصحافي مروان كامل لملاحقة من قبل مسلحين حوثيين في العاصمة صنعاء على خلفية كتاباته الساخرة ضدهم.
وقال في منشور له في "فيسبوك" إن سيارات على متنها أعداد من المسلحين الحوثيين وصلوا لمنزل أحد أقربائه للبحث عنه والمطالبة بتسليمه.



المساهمون