صحافيو موريتانيا في مواجهة تهم التجسس والابتزاز

صحافيو موريتانيا في مواجهة تهم التجسس والابتزاز

15 أكتوبر 2016
أزمات الصحافة تتلاحق (العربي الجديد)
+ الخط -
تعاني الصحافة في موريتانيا من الملاحقات القضائية والعقوبات الإدارية وضعف الموارد المالية وسيطرة القيم السائدة في المجتمع التي تكرس النظرة الدونية للصحافيين وتتهمهم باستغلال مواقعهم لابتزاز الناس والتشهير بهم والتجسس لصالح الجهات الأمنية.
وتؤثر هذه العوامل في تعاطي السلطة مع الصحافيين حيث لا تتوانى الدوائر الحكومية في منعهم من الحصول على الأخبار، والوصول إلى المصادر وتتبع القضايا، وكأن مهمتها الأساسية هي قمع الصحافيين وحجب الحقيقة عنهم مهما كلفها ذلك.
ويتعامل أغلب المسؤولين بتعال مع الصحافيين، بحجة أنهم متملقون يبحثون عن معلومات سرية لاستغلالها في الابتزاز وتحقيق مصالحهم الشخصية، وساعد "الدخلاء على المهنة" في تكريس هذا المفهوم الذي أصبح يشكل خطرا على مصداقية وسائل الإعلام، ويؤثر على سمعة الصحافي ومهنيته.
وازداد وضع الصحافة تأزماً في الفترة الأخيرة، حين اختارت الحكومة تجفيف منابع تمويل الإعلام بفرض شروط مجحفة لنيل الدعم الحكومي ووقف البنود المخصصة في الميزانية العامة للدولة، لدعم الصحف من خلال الإعلانات والاشتراكات الصحافية، فبدأت عدد من الصحف في تنفيذ خطط تقشف بتسريح العمالة وتقليص المرتبات وصفحات النشر.
ويرى المراقبون أن الدولة تحاول فرض حصار خانق والالتفاف على قوانين حرية الرأي والتعبير على المؤسسات الصحافية التي تعاني من نقص حاد في الموارد المالية.
واحتجبت الصحف المستقلة عن الصدور ليوم واحد أخيراً احتجاجاً على إهمال مشاكلها، وللفت انتباه السلطات إلى المرحلة الصعبة التي تمر بها الصحافة الورقية. وانتقدت الصحف الموريتانية غلاء أسعار الطباعة رغم تواضع مستواها والدعم الكبير الذي تتلقاه من صندوق دعم الصحافة سنويا، وكذلك انعدام الاستثمار الحكومي والتشجيع اللازم من الحكومة ومؤسساتها المالية للاستثمار في هذا المجال لتطويره.




وقال الاتحاد المهني للصحف المستقلة إن ما تعيشه الصحافة الموريتانية، اليوم، من تجفيف للمنابع "هو أمر غير مسبوق"، مطالباً بـ "عودة مصادر الدعم التقليدية إلى أدائها الطبيعي، حتى تستفيد المؤسسات الصحافية الجادة من الاشتراكات والإشهارات".
ولعل المفارقة اللافتة في واقع الصحافة بموريتانيا هي تصدر البلاد قائمة دول العالم العربي في حرية الصحافة رغم ما تعاني من حصار وإهمال، حيث تمكنت موريتانيا من دخول نادي الخمسين الأكثر احتراماً لحرية الصحافة بالعالم، بل تقدمت لأول مرة في التصنيف العالمي إلى الرتبة 48.
ويفسر الباحث، خطري ولد تاج الدين، هذه المفارقة بأن الدولة كانت حريصة على حماية حرية التعبير مع تشديد الخناق على الصحافيين بـ"طرق مشروعة"، ويضيف "في ظل غياب للأنشطة المسرحية والسينمائية في موريتانيا تحولت أنظار الرقابة بالكامل على الإعلام، وسلطت الأجهزة الرقابية أنشطتها وسخرت وسائل عملها لمراقبة الإعلام وتحجيم دوره بما تظن أنه يخدم سياسة الحكومة، ومنع الصحافة من إثارة قضايا الفساد والظلم والتفاوت الطبقي..".
ويشير إلى أن قوانين حرية الرأي والتعبير أهم مكسب حققته الصحافة بعد الانقلابات العسكرية التي حدثت في البلاد سنوات 2003 و2005 و2008، حيث ساهمت التحولات السياسية التي عرفتها موريتانيا في إصدار قانون جديد للصحافة يمنع حبس الصحافيين في قضايا النشر، ويضيف: "واجه الصحافيون كل المضايقات والاستفزازات ومقص الرقيب بمزيد من الإصرار على العمل الإعلامي المسؤول والدفاع عن حرية التعبير، فخاضوا معارك نضالية طويلة ضد إيقاف واعتقال المحررين وإنهاء وصاية وزارة الداخلية على الإعلام، ومصادرة الصحف..".
ويؤكد الباحث أن الدولة لم تستسلم وحاولت استغلال ثغرات قوانين الحريات الصحافية لحبس وتغريم الصحافيين، وتسعى إلى إصدار قانون مجتمع المعلومات، الذي يهدف إلى تشديد الرقابة على الإنترنت وقمع حرية التعبير، بالإضافة إلى حرمانها من مصادر الدعم.
ويرى الباحث أن تكريس حرية الصحافة والمحافظة على المكتسبات ومواجهة كل أشكال التضييق، مرتبط بالعمل الصحافي المبني على قواعد احترام أصول المهنة وخلق أجواء مثالية لبروز صحافة مهنية، ويطالب بتخصيص دعم مالي كبير للصحافة وإصدار قانون جديد يتلاءم مع حاجات ومتطلبات العمل الصحافي والتنظيم النقابي، وتثبيت الدعم المادي للصحافة بدون شروط، وتسهيل الحصول على المعلومات".