الصراع السني ـ الشيعي كما يفهمه "لو 1"

الصراع السني ـ الشيعي كما يفهمه "لو 1"

19 سبتمبر 2015
الصراع في أوجّه اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

 

 

صدر العدد الأسبوعي من جريدة "لو 1" (Le 1) واهتمّ كتّاب العدد بالحديث عن الصراع السني ـ الشيعي في منطقة الشرق الأوسط وعن التحالفات السياسية التي طبعت المعارك العسكرية لا سيّما في الحرب السورية، وأخذ الطابع التاريخي والخلفيات الجيوسياسية في تشابكاتها الإيديولوجية والفكرية حيّزا مهما من التحليلات الواردة في مواد العدد الحالي.

 

في افتتاحية العدد التي حملت عنوان "الطاعون والكوليرا"، ركّز رئيس التحرير إريك فوتورينو على نقد ما سمّاه "الحياد الخارجي السلبي" الذي انتهجته الإدارة الفرنسية إزاء المسألة السورية، ووصف فوتورينو قرار الحكومة الأخير في ما يخص توجيه ضربات جويّة لتنظيم داعش بالضعيف والمتردّد، خاصة أنّ فرنسا تعرف جيّدا أنّ أمرا مماثلا يعني التنسيق التام مع الروس وإدارة بشار الأسد. وختم فوتورينو قائلا "سورية التي وقعت بين خيارين سيئين: طاعون الدولة الإسلامية وكوليرا نظام الأسد الدموي، تنتظر قرارا كبيرا ينهي تلك المأساة المستمرة التي شهدنا فصولها الأخيرة- قضية اللاجئين- مع بداية الشهر الحالي".

 
اقرأ أيضاً: حمّى الطوائف تنهش لبنان



كعادته، اصطحبنا لويس شوفالييه في رحلته الشعرية، وكان شعراء الصوفية موضوع هذا العدد، فأورد شوفالييه قصيدة لشمس التبريزي ترجمها عن الفارسية جان- كلود كاريير. واستذكر شوفالييه ما قاله يوحنا الصليب عن "الليلة التي يجتمع فيها قلب الحبيب مع قلب الحبيبة" ليخبرنا عن اتحاد الروح المحبة مع الذات الإلهية، وقال الشاعر الفرنسي في معرض حديثه عن القصيدة الصوفية الروحانية "الشهوانية المتطرفة في القصيدة الصوفية لجمت الفوارق بين الأديان فتلاشت الخلافات العقائدية وعلا صوت الحب، قلبه وقلبها". انتقالا للحديث عن أهم شعراء الصوفية "مولانا" جلال الدين الرومي ورباعياته الخالدة وأهم الأصول التي يرتكز عليها السماع في المدرسة الرومية من الدعاء إلى الإنشاد الديني وذكر الله والالتفاف حول النفس رقصا على عزف الناي عند المولوية وصولا إلى الاتحاد الروحاني مع ذات الرب الخالدة.

 

المحطات الرئيسة للصدام بين المذهبين السني والشيعي جسّدها الرسام جوشين غيرنير منذ وفاة نبي المسلمين محمد مرورا بحكم الخلفاء وصولا إلى معركة كربلاء حتى اختفاء الإمام الثاني عشر الذي ينتظر الشيعة خروجه حتى اليوم. إضافة إلى الأحداث الجديدة نسبيا مثل معركة القادسية والحرب بين الإمبراطورية العثمانية السنية والإمبراطورية الصفوية الشيعية وتحول الوهابية إلى مذهب الدولة في المملكة العربية السعودية. ختاما مع أحداث القرن الماضي من فتوى الأزهر سنة 59 إلى انتصار الثورة الإسلامية في طهران سنة 79 والحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وتأسيس حزب الله التنظيم العسكري التابع لإيران فالمجازر التي ارتكبتها طالبان بحق أكثر من ألفي شيعة سنتي 97-98 وصولا إلى اجتياح بغداد وتسلم الشيعة المتعاونين مع الولايات المتحدة الأميركية للسلطة لتشهد العراق موجة عنف مذهبية بعد إعدام الرئيس السابق صدام حسين ليشتدّ الصدام بين المذهبين مع استمرار الحرب السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات.

 

في حوار أجراه سيلفان سيبيل مع المؤرخ الفرنسي هنري لورنس، تحدّث الأخير عن استحالة "يالطا" بين السنة والشيعة في إشارة إلى صعوبة تحقيق وفاق شبيه باتفاقية يالطا الشهيرة بين ستالين وتشرشل وروزفلت في فبراير سنة 1945. وقال لورنس "هنالك الجذع المشترك لكلا المذهبين وهو محمد والقرآن، الخلاف بدأ حول أحقية الخلافة بعد وفاة محمد، إضافة إلى أنّ الشيعة يؤمنون بعصمة الأئمة وأهل بيت الرسول وهذا ما يرفضه السنة". ولدى سؤاله عن السبب الذي يجعل المذهب الشيعي أكثر تنظيما وانفتاحا على العالم الخارجي ردّ لورنس "لكي تصبح عالم دين عند الشيعة عليك أن ترتاد الحوزة العلمية في قم أو النجف، وخلال المرحلة التعليمية تتلقى دروسا في الفلسفة الإغريقية والجدلية المادية والنقد الديني، وهذا ما يغيب عن أسس التعليم الديني عند السنة. هل تعلم أنّ الخميني كتب ذاكرته الأولى في قم أثناء دراسته الحوزوية عن كتابات أفلاطون الحديثة. بعد القرن الخامس عشر انقرض الفلاسفة عند السنة".

 

 وعن موضوع الأقليات وتأثيره على الفلسفة الدينية والسياسية لدى الشيعة قال "ساهمت الإمبراطورية العثمانية ببطشها في التأسيس لفكرة المظلومية الشيعية التي كانت دائما حاضرة منذ مقتل الحسين نجل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. كان العثمانيون يعترفون بحق اليهود والمسيحيين في الدولة وينبذون المسلمين غير السنة (الشيعة). مع انتصار الثورة الإسلامية في ايران عمل الخميني على الانتقال من مبدأ الدفاع إلى الهجوم، فتم تأسيس فرع إيراني في لبنان "حزب الله" وتحالف مع النظام السوري العلوي (العلماني ظاهرياً) وتمدّد الدعم الإيراني ليخترق الساحة السنية حاملا خطابا مناهضا للإمبريالية، فكان التعاون مع "حماس" و"الجهاد" الإسلامي مقدّمة لهذا الخرق الذكي جداً. أذكر جيدا كلام خالد قلقال الذي قتل في فرنسا سنة 95 عندما قال إنّ الشيعة هم اختراع يهودي لتشويه الإسلام".

وختم لورنس بالقول "قتل النظام السوري مدنيين سوريين أكثر مما قتل تنظيم داعش بعشرات المرات. القتلة يتشابهون والداعمون أيضا. بعد الاتفاق النووي، الصراع السوري ــ الذي أصبح كالثقب الأسود الذي يلتهم كل القوى الإقليمية – سيكون أشرس سياسيا بين إيران وروسيا من جهة والغرب من جهة ثانية. الحل العسكري مستحيل والسياسي صعب، والذي يفوز سيمتلك مفتاح المنطقة".

أما أنطوان صفير، أستاذ العلوم السياسية، فقد شرح لنا في مادته "رؤيتان متعارضتان في هذا العالم"  جذور الخلاف التاريخية والعقائدية وترسباتها السياسية في عصرنا الحالي. وقال صفير "بالرغم من عددهم القليل، يشكّل الشيعة خطرا على سنة شبه الجزيرة العربية. في اليمن انفصل الحوثيون عن شكل الدولة وفرضوا دولتهم المستقلة عن صنعاء، استغلت السعودية ودول الخليج مدعومة من الغرب الأمر لتشنّ حربا على كل اليمن. في دول الخليج نجد 30% من الشيعة في الكويت، وكذلك الأمر في الإمارات العربية المتحدة، مع 70% في البحرين شكّلت لهم إيران رافعة مادية ومعنوية فأصبحت "فاتيكان شيعي" في تلك المنطقة".

اقرأ أيضاً:  نحن وإيران والمنظور الطائفي للصراع

 

في الصفحة الأخيرة اختارت الصحيفة نصا لألفونس دي لامارتين "عبقرية محمد" يشير فيه الكاتب الفرنسي إلى "الذكاء المتقد الذي تمتّع به النبي محمد، ما جعله قادرا على إشعال ثورة قائمة على رسالة سماوية قرّبت العلاقة بين الخلق والخالق، استمرت هذه الرسالة عشرات المئات من السنين ولا تزال." وأضاف دي لامارتين "فيلسوف، خطيب،مشرّع، رسول، رشيد مؤسّس لأكثر من عشرين إمبراطورية أرضية وإمبراطورية واحدة روحانية.. هذا هو محمد، هل هنالك أعظم منه ؟".

 

دلالات

المساهمون