صحافيو اليمن ممنوعون من الحركة

صحافيو اليمن ممنوعون من الحركة

04 اغسطس 2015
يمنيّون عائدون عبر مطار صنعاء في مايو(محمد حويس\فرانس برس)
+ الخط -
تتنوع انتهاكات الخنق والحصار التي تتخذها مليشيات الانقلاب الحوثي وحلفاؤها، أجهزة الأمن التابعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ضد الصحافيين اليمنيين، باعتبارهم "قادة فكر المجتمع وصانعي الرأي العام الذي يرفض انقياد البلاد نحو اللادولة والحكم المليشياوي".

هذه المرة، بدأت أجهزة الأمن في نقاط التفتيش أو في مطار صنعاء الدولي بتشديد إجراءات حصارها، عبر منع الصحافيين اليمنيين أو الدوليين من الانتقال داخل البلاد أو خارجها. ويُعتبر تحديد حركة الصحافيين من الحركة، أحد الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي، الذي يعتبر أن ذلك يهدف إلى التغطية على جرائم الحرب أثناء الصراعات الداخلية.

ويؤكّد استبيان قامت به "العربي الجديد"، تضمّن شهادات بعض الصحافيين ممن جرّبوا السفر أو سمعوا عن حالات ذات علاقة بهذه القضية، أنّ الصحافيين اليمنيين يواجهون أيضاً منعاً من السفر حتى بين المحافظات اليمنية، وليس إلى الخارج فحسب. وفي ذات الوقت لا يزال بعضهم يعانون الأمرّين متخفّين أو متنكرين بين نقاط التفتيش وبين الجبال وهم يبحثون عن طريقة ينجون من خلالها بحياتهم من براثن المليشيا.

ممنوع الخروج أو الدخول

يستغرب الصحافي محمد يحيى جهلان، سلوك مليشيا الحوثيين و"جهلهم" بخطورة اعتقال الصحافيين أو منعهم من السفر، وهم ضمير الشعب ولسانه، وهم أيضاً من انتقدوا أسلوب حكم صالح، ثم سلطة الأمر الواقع بدون تحيز لأحد، وإنّما بتحيز للمواطن ومصلحته فقط.
ويؤكد جهلان أنّ المليشيا أقدمت أيضًا على منع الصحافيين الأجانب ووسائل الإعلام العالميّة
من الدخول إلى اليمن لتغطية الأحداث والانتهاكات الإنسانيّة والحقوقيّة، بينما يشكو الحوثيون ووسائل إعلامهم من أن "العالم غافل عن اليمن واليمنيين".

أحد الكتاب الثقافيين، الذي رفض نشر اسمه، يكشف لـ"العربي الجديد" عن منعه من السفر مرتين من قبل سلطات مطار صنعاء الدولي، المطار الوحيد المفتوح أمام المسافرين. كانت المرة الأولى قبل أكثر من شهرين من توليه منصبا حكوميا، بسبب أنّ مهنته "كصحافي" كانت لا تزال موجودة في جواز سفره. وعندما وصل المطار برفقة زوجته متوجهًا إلى الأردن أبلغته سلطات المطار بأن الصحافيين ممنوعون من السفر، بينما سُمح لزوجته بالمغادرة وعاد هو.

وكانت الصحافية الليبرالية، سامية الأغبري، قد كشفت أيضاً عن طريقة معاملة أجهزة الأمن للصحافيين في نفس المطار. وتقول الأغبري إنّ "ضباط الأمن احتجزوا جواز سفرها هناك، وأبلغوها بمنع الصحافيين من الخروج من اليمن. وبعد مشادات وصياح جذب انتباه جميع المسافرين، انتهاءً بمرور جواز سفرها على جميع ضباط الهجرة والجوازات ومسؤولي الأمن القومي والحوثيين، سُمح لها بالمغادرة على مضض، بعد أن تمت مضايقتها حتى صالة المغادرة". وتسأل الأغبري: "بأيّ حق يُمنع الناس من السفر، وأي قانون خوَّل سلطة الأمر الواقع "الحوثيين" بمنع الصحافيين من السفر أو من العودة؟"، معتبرةً أنّ "مثل هذا الأمر غير مسبوق حتى في سنوات القمع القديمة وقبل إقرار التعددية السياسية قبل الوحدة اليمنية".

والأغبري، تُعاني أيضاً من اضطهادات، بسبب كونها صحافيّة امرأة. وتعرّضت الأخيرة، التي لم تتوقف عن انتقاد رؤوس الأنظمة بعد أن تم اعتقالها قبل أعوام كثاني صحافية تُعتقل بعد الصحافية كرمان في ظلّ الثورة اليمنيّة، لتهديدات عدّة. ونهاية العام الماضي، أي بعد انقلاب الحوثيين، فاجأت الأغبري الأوساط الإعلاميّة والسياسيّة بأنّها تلقّت رسالة تهددها بالاغتصاب، لتكون تلك الحادثة بمثابة مَعْلمٍ يُشير إلى بدئها مرحلة "السبات الإعلامي".

اقرأ أيضاً: الحوثيون يكتمون أصوات الصحافيات: "عورة"!

طرق للاحتيال

تفاجئ الصحافية الإنسانية بشرى العامري أصدقاءها وقرّاءها بسفرها داخل اليمن أو إلى خارجه، بعد أن تكون قد وصلت مقصدها النهائي من أجل سريّة تحركاتها بعد تعرضها للكثير من التهديدات والتصريحات بالمراقبة. وتقول في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" إنّها "لا تُفضّل أسلوب الصدام مع أي سلطات أو غيرها، بل تلجأ إلى الحكمة والحيلة والسرية في تحركاتها".

تُشير العامري إلى أنّها "تعلم عن منع حركة الصحافيين، لكنّها سافرت ثلاث مرات منذ نهاية شهر يوليو/تموز بين المحافظات لغرض شخصي، ونجحت في ذلك بسبب أنها منقبة ولا تبحث نقاط التفتيش إلا عن الوجوه الموثقة صورهم لديها. وفي مرة، طلبوا هويات جميع المسافرين، فأنقذتها هويتها التي لا تحمل "لقبها" - لحسن الحظ".

وتوضح العامري أسلوب مراقبة الصحافيات قائلةً "احنا الصحافيات كان حصارنا يتلخص في تناوبهم على الاتصال المباشر بنا بهدف الاطمئنان وتحديد أماكننا. كنتُ تحت الرقابة الشديدة وحتى في كتاباتي على "فيسبوك"، كنتُ أتلقى لوما وأحيانًا تهديدا وتشويها لمواقفي".

وفاجأت العامري قراءها للمرة الأخيرة بقيامها بالاحتيال على ضباط أمن مطار صنعاء والخروج إلى السعودية الأسبوع الحالي، بعد أن دست جواز سفرها مع مجموعة من جوازات نساء ربات بيوت مغادرات، ليغفل الضابط المناوب عن ملاحظة وظيفتها.

وتضيف العامري أنّ الصحافي محاصر بالاتهامات والتهديد وفي لقمة عيشه، ولهذا يفكر كثيرًا في الفرار بحياته ومستقبله. وقد ملًت كثيراً من عبارات التخوين والعمالة في مختلف الفعاليات، "إذا انتقدت أي موقف، يهاجمني أحدهم فجأة باتهامات... مرّةً بأني عميلة لخصمهم العسكري علي محسن، لأني عملت سنة في "أخبار اليوم"، أو يتهمونني بالتبعية "لتوكل كرمان" رغم أنني لم أعمل معها إطلاقاً، أو بأنني من "الحراك الجنوبي" بسبب عملي في صحيفة "الأيام، أو بأنني "داعشية" فصرتُ أرفض حضور أغلب الفعاليات بسبب خوفي على سلامتي.

وعانى الصحافي فهد سلطان الأمرَّين عند حركته المأساوية على الأرض بين الجبال والإسفلت للإفلات بحياته. ويوضح أنّه "تلقى تهديدات تنذره بقرب نهايته، وأنّ تعميماً باسمه انتشر عند نقاط التفتيش بسبب كتاباته ضد الجماعة، ليبدأ سريعاً بالتحرك نحو أي مكان يكون في مأمن فيه". لم يجد سلطان مكاناً آمناً سوى محافظة "مأرب" الصحراوية التي تشهد مواجهات منذ أكثر من أربعة أشهر بين الحوثيين والمقاومين من أبناء المحافظة. وقام سلطان بأساليب كثيرة في التخفي في ملبسه البدوي ومحاولات تجاوز نقاط التفتيش بالمشي والالتفاف عليها من حولها في كثير من الأحيان. ويصل سلطان المدينة للعيش هناك بعيداً عن أسرته التي تحتاجه بالقرب منهم في زمن الحرب، وتحتاج كثيراً إلى من يؤمن لهم أسباب الحياة الكريمة.


اقرأ أيضاً: هزائم الحوثيين تُصيبهم بالهذيان

المساهمون