الإعلام الأميركي: السود ليسوا بشراً

الإعلام الأميركي: السود ليسوا بشراً

22 يونيو 2015
(Getty)
+ الخط -
باتت المعادلة واضحة للجميع: المسلمون إرهابيّون، والسود مجرمون. لا يُمكن أن يكون هناك معادلة أخرى. فكُلّ ما حصل في الولايات المتحدة الأميركيّة منذ أحداث فيرغسون، وما حدث في أوروبا بعد اعتداءات "شارلي إيبدو" تحديداً، يُظهر ذلك.
ومع حدوث خرقٍ بسيط في خطاب الإعلام الغربي، إلا أنّ التعاطي مع هذه الجرائم لا يزال يأخذ الطابع السياسي على الحسّ الإنساني. فالإعلام الذي حصر دوره في التحريض على المسلمين، وذوي الأصول الأفريقية، لم يستنفر طاقاته للإضاءة على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم العنصريّة في حال كان مرتكبوها من البيض، لتكون العبارة الأكثر تكراراً "حادثة تكسر القلب".

يوم الأربعاء الماضي، ارتكب رجل أبيض، يُدعى ديلان روف (21 عاماً)، مجزرةً بحقّ تسعة مصلّين سود في كنيسة تشارلستون في ولاية ساوث كارولاينا. الكنيسة التي يعود بناؤها إلى 200 عام تقريباً، دخلها روف ليُمضي ساعة في قراءة الكتاب المقدس مع المصلين ثم فتح النار عليهم.

تعاطي الإعلام مع القضية بعد حدوثها لم يختلف كثيراً عن التغطيات للإعتداءات على الأميركيين الأفارقة، منذ قتل الشاب مايكل براون، وصولاً إلى إريك غارنر وفريدي غراي، وحتى الاعتداء على المراهقين السود من قبل الشرطة أول الشهر الحالي.

جريمة إرهابيّة

للمرة الأولى، طرحت بعض الوسائل الإعلامية تعبير "إرهاب" لوصف الجريمة. صحيفة "هافينغتون بوست" اعتبرت أنّ "الاعتراف بأنّ جريمة تشارلستون هي جريمة عنصريّة إرهابيّة، هي خطوة أولى"، وفنّدت الصحيفة الجرائم والاعتداءات الأخيرة بحقّ السود في أميركا. أمّا "الغارديان"، فأعدّت لائحة بالأفعال التي لا يستطيع السود القيام بها في الولايات المتحدة الأميركية: "لا يستطيعون القيادة في نيوجيرسي وفيرغسون، لا يستطيعون المشي في فلوريدا، لا يستطيعون السباحة في تكساس، ولا يستطيعون الصلاة في كنيسة في ساوث كارولاينا".

وفيما أشارت "الاندبندنت" إلى أنّ روف كان معجباً بفتاة بدأت لاحقاً بمواعدة شابّ أسود، موقع "ذا كانساس سيتي ستار"، اعتبر أنّ "الهجوم إرهابي بلا شكّ". أما "فوكس" VOX فاعتبر أنّ "اعتداء تشارلستون كان إرهاباً، وإنكار ذلك ليس خطأ، بل إهانة".

وحاولت بعض وسائل الإعلام التي اعتبرت الجريمة إرهابيّة، تبرير موقفها بأنّ "القاتل اختار رمزاً تاريخياً (كنيسة ايمانويل الأسقفية الميثودية للأفارقة بوسط تشارلستون) وهو ما يفعله الإرهابيّون".

وقال موقع "ماذر جونز" إنّه عمل إرهابي، مستشهداً بكلام أحد الخبراء والباحثين في مجال الإرهاب داريل جونسون، حيث أكّد أنّ العمل إرهابي وليس مجرّد جريمة كراهية، بسبب الاستراتيجية التي اعتمدها روف، باختياره هذه الكنيسة التاريخيّة، وقوله أثناء قتل المصلين: "أنتم تغتصبون نساءنا، وتسيطرون على وطننا.. وعليكم الرحيل".

إقرأ أيضاً: جون ستيوارت: عذراً... أنا عاجز عن إلقاء النكات

وفي مقال له على موقع vox، سأل ماكس فيشر، ما هو الإرهاب، ومتى يمكننا إطلاق كلمة إرهاب على جريمة حصلت. واعتبر فيشر أنّ "الأميركيّين مستعدون للتمييز حتى في استخدام كلمة الإرهاب". ورأى في معرض تحليله للموضوع، أنّ الموضوع يأخذ بُعداً أكبر من أن يكون مصطلحاً تعريفياً للكلمة فقط". وقال: "يجب معرفة تاريخ الجرائم السياسيّة - من البيض ضدّ السود - والاعتراف بأنّ هذا التاريخ لم ينتهِ بعد، وأنّ من حقّ السود الحماية منه". وفي نفس الإطار، أكّدت "رولينغ ستون" أنّ "الهجوم في تشارلستون هو عنصري وسياسي... أي أنّه إرهابي"، كما قال موقع "ذا دايلي بيست": "كونوا واقعيين... هذه جريمة إرهابيّة". كما رأت إذاعة "مونت كارلو الدوليّة" أنّ جريمة تشارلستون "عنصريّة".


السياسة على حساب الإنسان

ومع أنّ الإعلام الغربي أحدث تحوّلاً ملموساً في تغطيته لهذه الجريمة، حيث طرح تعابير "جريمة عنصريّة"، لكنّ اعتبار الجريمة إرهابيّة أمر لم يتجرأ الإعلام الغربي على فعله. وبينما أطلقت بعض وسائل الإعلام على الجريمة تعبير "إرهاب"، إلا أنّ وسائل أخرى حاولت إظهار أنّ "هذه الجريمة ليست إرهاباً تحت القانون الأميركي الفدرالي" بدعوى أنّ "دافع الجرائم الإرهابيّة يجب أن يكون سياسياً".

"سي إن إن" مثلاً، طرحت السؤال بعد انتشاره بكثرة على وسائل التواصل وفي بعض الصحف، ورغم عدم اعتمادها التسمية، إلا أنّ مقدّمها كريس كومو قال: "الإرهاب لا يعني فقط التطرف الإسلامي"، ما أحدث ردةد فعل على الشبكة.




قناة "فوكس نيوز"، المعروفة بنشر الإسلاموفوبيا والتحريض على السود، رأت أنّ الاعتداء هو "اعتداء على المؤمنين"، في محاولة من القناة تحريف الاعتداء من جريمة بحقّ السود إلى جريمة ضدّ المسيحيين. والقناة التي اعتبرت أنّ "زينة عيد الميلاد أهمّ من إريك غارنر" أواخر العام الماضي، لم تكُن وحيدةً في ذلك. فقد ذهب سياسيّون أميركيّون كُثر لهذا الاعتبار.

أما كريم عبد الجبار، وهو كاتب رأي في مجلة "تايم"، فقد رأى أنّ "عدم الاعتراف بأنّ الجريمة عنصريّة هو إرهاب إعلامي". وأشار عبد الجبار إلى أنّ السياسيين الأميركيين يرفضون الاعتراف بأنّ هذه الجريمة عنصريّة من أجل مكاسب سياسية في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. فبرأيه، إنّ الاعتراف بالجرائم العنصريّة سيُغيّر معادلة البرامج الانتخابيّة. ومع أنّ عبد الجبار أشار إلى أنّ الاعتداءات ضد السود تضاعفت في السنوات الأخيرة (اعتداء كل 200 يوم من 1982 إلى 2011، واعتداء كل 64 يوما من 2011)، إلا أنّه رأى أن "دافع روف ليس سياسياً لأنّه "لم يُرد أن يطرد السود من البلاد؛ ولهذا لا يمكن القول إنّ الاعتداء كان إرهاباً".

إقرأ أيضاً: الإعلام الأميركي: سقطات بالجملة

مواقع التواصل غاضبة

على مواقع التواصل الاجتماعي، عاد الحديث عن تمييز الإعلام بين المواطنين على أساس العرق واللون والدين. انتشرت الصور التي تُقارن بين القبض على ديلان روف وبين القبض على ذوي البشرة السوداء. فنشر كُثُر صورة روف إلى جانب صورة فريدي غراي، أو صورة المراهقة التي عاملها عنصر شرطة بعنف، أو صور إريك غارنر. ونشر أحد المغردين صور روف، التي يظهر فيها وهو يحرق العلم الأميركي، ويحمل أسلحة ويرتدي سترات عليها شعارات عنصريّة، وأرفقها بسؤال: "لماذا لا تعرض "سي إن إن" و"فوكس نيوز" هذه الصور؟".

وانتقد المستخدمون ذهاب الإعلام وحتى المسؤولين السياسيين والقضاء، إلى استعمال تعابير كـ "مضطرب نفسياً" عند الحديث عن مجرم أبيض البشرة. وقال أحدهم: "العنصريّة ليست مرضاً نفسياً". وقالت مغردة أخرى: "FBI تعتبر الناشطون السود خطراً إرهابياً، لكنّ القاتل هذا ليس حتى إرهابياً؟". وفيما أثنى المغردون على حلقة الإعلامي جون ستيوارت، التي رفض فيها إلقاء النكات بعد الجريمة العنصرية، شارك مغرّدون عرب كُثُر في إدانة التعاطي مع الجرائم ضد السود. وقال أحد المغردين: "نحن في وقت سيئ لدرجة أنّ كُلّ ما فعله مارتن لوثر كينغ ذهب سدى".