صحافيات ومدوّنات كسرن الحواجز

صحافيات ومدوّنات كسرن الحواجز

08 مارس 2015
تانيا مهنا ووعد الخطيب صحافيتان على الخطوط الأمامية
+ الخط -
يقولون إنّ المهن الخطرة للرجال. ويقولون أيضاً إنّ العلاقة بين النساء والإعلام قد تقتصر على إذاعة البرامج والنشرات داخل الاستديوهات المبرّدة والملابس الجميلة. لكنّ ما يقال شيء، والحقيقة شيء آخر. صحافيات عربيات كثيرات أثبتن العكس. عددهنّ بالعشرات في مختلف الدول العربية. لكن في ما يلي نماذج صغيرة لنساء صنعن الكثير مهنياً، وتحدّين كل المعوقات أمام تقدمهنّ كنساء في الميدان وخلف الكاميرات وفي الأقسام التقنية.

بين العراق وأفغانستان

بين المراسلات الميدانيات اللبنانيات لا يزال الاسم الأبرز اليوم هو اسم تانيا مهنا، المراسلة السابقة في "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال". تانيا غادرت بيروت قبل أكثر من عام، وها هي اليوم مستقرة في إيطاليا، تعمل في مجال الأبحاث ولا تزال تمارس مهنتها الصحافية. بين الحرب الأهلية اللبنانية، والحروب الإسرائيلية على لبنان، وصولاً إلى أفغانستان والعراق، غطّت تانيا كل هذه الأحداث، لتكون السيدة شبه الوحيدة في الميدان في كثير من هذه الحروب.
"البداية كانت عام 1988 خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كنت أرافق فريق العمل، لأتعلم طريقة التغطية وطريقة التعاطي مع المليشيات والعصابات" تقول مهنا لـ"العربي الجديد".


[إقرأ أيضاً: الفستان الذي يغيّر لونه والعنف ضد النساء]


وتكمل سردها لتصل إلى الفيليبين وأزمة رهائن جولو عام 2000. ومن بعدها كرّت سبحة التغطيات الحربية. في العام 2001، حسمت تانيا أمرها وتوجّهت مع فريق عمل LBCI إلى بيشاور استعداداً لدخول أفغانستان "كنت وقتها من ضمن مجموعة من السيدات كان بينهن نساء من ضمنهن الزميلة ديانا مقلّد، لكن الوضع لم يكن ليطفاً جداً، فكنا نواجه بنظرات مستغربة، محاولات تحرّش عدّة وسخرية". لكن رغم ذلك دخلت تانيا أفغانستان لتغطي الاجتياح الأميركي في بلد لا تعرف لغته ولا مصادر معلومات لها. انتهت تجربة أفغانستان، لتبدأ تجربة العراق: "من الأردن قدت سيارة بث مباشر ومع مجموعة مؤلفة من عشرات السيارات التي تقل صحافيين أجانب، تمكنّا من اجتياز الحدود ودخول العراق". طبعاً الخطر كان يرافق تحركات مهنا... والنظرات المستغربة لسيدة عربية تغطي الحروب كانت أيضاً مستغربة "لكنّ رغم ذلك أكملت". هي صحافية، وهي امرأة في الميدان "في جنوب لبنان رفض أحد الحزبيين التوجّه بالكلام لي وكان يكلّم المصوّر الذي يرافقني ويصرّ على تجاهلي فقط لأنني امرأة". لكن رغم كل ما سبق تحوّلت تانيا إلى أبرز المراسلات الحربيات في لبنان. ورغم مغادرتها لبنان لا يزال اسمها مرتبطاً بالتغطيات الخطرة وبالجرأة.

على جبهات حلب

غادرت وعد الخطيب، منذ ثلاث سنوات حيها الذي تسيطر عليه قوات النظام، وانتقلت للعيش في المناطق المحررة من مدينة حلب، ولم تكن قد تجاوزت الـ22 من عمرها بعد. عملت إعلامية ومسعفة، وهي لا تزال حتى اليوم، تعيش وتعمل في أحد المشافي الميدانية، لا تغادره إلا وهي تحمل عين العالم بيدها، لتعد الأفلام القصيرة والتقارير الإخبارية من هناك.




تروي وعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حياتها "باتت مليئة بتلك المغامرات التي يتأرجح فيها الإنسان بين الحياة والموت"، وتضيف "هاجسي هو توثيق ما أراه أمامي، ذات يوم سقط برميل متفجر بين المشفى والمبنى الملاصق، سقط السقف ولم أعد أرى أي شيء أمامي، بدأت أزحف للبحث عن هاتفي المحمول لأصور به، استغرق الأمر طويلاً حتى أصل إليه وأتذكر كلمة السر تحت وقع الصدمة".


[إقرأ أيضاً:في يوم المرأة: إعلاميات تونسيات يتكلّمن]

وتشير وعد إلى أن "الرجال الذين أعمل معهم ينظرون إلي بطرق مختلفة، فالبعض يعربون لي أنهم فخورون بكون فتاة مثلي تشاركهم كل هذا التعب، وآخرون يبدون استغرابهم من نمط حياتي، ولا يخلو الأمر من استهزاء قلة من الرجال بما أقوم به". وتضيف "خلال عملي غالباً أكون الأنثى بين مجموعة كبيرة من الرجال، معظمهم يتصرفون بتحفظ خلال وجودي، فوجود امرأة في نقاط ميدانية بين الثوار لم يعد أمراً اعتيادياً كما السابق، فيحد هذا الأمر من عملي".
وتتابع "علي أن أتحلى بصفات الرجال عندما أكون معهم، لا ينبغي أن يشعروا بضعفي، أحاول أن أتجاوز لحظات الخوف التي تنتابني بسرعة، حتى أتابع عملي".

تفخر وعد أنها بوجود الكاميرا، باتت تستطيع توثيق أخطر وأسوأ وحتى أجمل اللحظات التي يعيشها الناس هناك. تكشف أنها تتمنى ألا تكون أنثى عندما تضطر للبقاء وانتظار المقاتلين حتى يعودوا من المعركة.
وعن أصعب المواقف التي مرت بها، تقول وعد: "عندما اضطررت أن أصور استشهاد أحد الأصدقاء أو المقربين مني، كنت أرفع كاميرتي ودموعي تخنقني، مع هذا كنت أتحلى بإرادة كبيرة لتوثيق هذه اللحظات، تصوير انتشال الناس من تحت الأنقاض كان صعباً أيضاً".



مهندسة تقنية

هي مهنة المتاعب... ذلك ما اتفق عليه من تسمية للعمل الإعلامي وقد تصبح المتاعب مضاعفة لامرأة اختارت جانباً صعباً من العمل، عادة ما كان حكراً على الرجال. والعمل هو الهندسة التقنية الإذاعية. إنها سعاد بن مفتاح، المديرة التقنية لإذاعة تونس الثقافية التى تكلّمت لـ"العربي الجديد" عن تجربتها فى المجال الإعلامي.





بدأت بن مفتاح العمل منذ عشرين سنة في العمل التقني الإذاعي "كنت أول امرأة تونسية تعمل في القاعة الفنية المركزية للإذاعة التونسية سنة 2003، حيث كنت أتولى التنسيق التقني لأربع محطات إذاعية". تجربة العمل الإذاعي والإعلامي عموماً صعبة خصوصاً لجهة توقيت العمل ومحاولة التوفيق بين الجانب الأسري والجانب المهني، "عملت في ساعات الليل حيث كنت أنتهي من عملي الساعة الخامسة فجراً، أعود إلى المنزل للنوم لمدة أربع ساعات فقط، ثم أباشر أعمالي المنزلية".
حصلت سعاد بن مفتاح على شهادة الماجستير فى تكنولوجيا وعلوم الاتصال من جامعة بافيا الإيطالية ، ودرّست لسنوات فى الجامعة التونسية. ورغم الطابع "الرجالي" لهذه المهنة إلا أن بن مفتاح أحبتها وتألّقت فيها. داخل مبنى الإذاعة تجدها يومياً
تتنقل كالفراشة ما بين استديو البث والقاعة الفنية المركزية، تحاول جاهدة حلّ كل الإشكالات التقنية.
وخلال حديثنا معها تعود بها الذاكرة إلى عملها فى استديو البث المباشر "كانت لحظات صعبة ومسؤولية كبرى والخطأ فيه ممنوع، فالإشراف على العمل التقني في البرامج المباشرة يستدعي التركيز المطلق".
المثابرة وإرادة النجاح هما شعار سعاد بن مفتاح. وإثبات الذات في مجال عمل كان حكراً على الرجل هو التحدي الذى رفعته لسنوات طوال ونجحت فيه لتصبح المسؤولية التقنية الأولى على إذاعة تونس الثقافية. تذكر أنها وجدت كل المساعدة من قبل زملائها الذين حاولوا مساعدتها في بداياتها الأولى "ربما الرجل التونسي تعوّد على عمل المرأة إلى جانبه منذ سنوات الاستقلال الأولى، لذلك لا تجد المرأة التونسية صعوبات كبرى للاندماج في عملها".


شابات ناجحات

في السنوات الأربع الأخيرة، تحديداً منذ اندلاع الشرارة الأولى للربيع العربي، برزت أسماء صحافيات شابات من مختلف الدول العربية. تجارب كثيرة يمكن الحديث عنها. من بينها تجربة آية عبد الله التي تتولى مسؤولية قسم "السوشال ميديا" في موقع "المصري اليوم". آية لم تبلغ الـ27 بعد، وهي في منصبها منذ أكثر من سنتين. بدأت عملها الصحافي بعد شهر واحد من الثورة المصرية، ويومها الأول كان في 25 فبراير 2011. لم تكن المهمة سهلة خصوصاً في السنوات التي تلت، وفرض الحظر بعد الثالث من يوليو/تموز 2013، لكن ها هي الصحافية المصرية تقود مواقع التواصل الخاصة بإحدى الصحف البارزة في مصر.
أما افتراضياً ففي تونس يبدو مثل المدوّنة لينا بن مهني ساطعاً. فهي المدوّنة الأشهر في البلاد، نقلت الصورة إلى العالم، وعملت بشكل كبير خلال الثورة التونسية على كسر الحظر المفروض على نقل حقيقة الاحتجاجات. وسبق أن رشّحت لـ "جائزة نوبل للسلام". ومن المدونات الشابات أيضاً برزت خلال العدوان الأخير على غزة، المدوّنة الغزاوية فرح بكر. الشابة تمكنت من اجتياح العالم من خلال تغريدتها الشهيرة: "قد أموت اليوم". والتي لفتت انتباه كل وسائل الإعلام الغربية. وكانت فرح طيلة أيام العدوان تنقل ما يجري قرب منزلها، من الناحية الميدانية والناحية الإنسانية، وقد اعتمد عليها كثيرون للوصول إلى المعلومات. بعيداً عن المدوّنات، ولكن على مواقع التواصل.