تلفزيون "العربي": صوت الشباب وميدانه

تلفزيون "العربي": صوت الشباب وميدانه

11 فبراير 2015
من استديوهات قناة "العربي" (فيسبوك)
+ الخط -
ليست مجرّد صرخات في الفضاء تلك الأصوات التي اخترقت صمت الكثير من مجتمعاتنا العربية. ولم تذهب سدى التضحيات المبذولة من أجل العيش بكرامة. لم يوفّر أولئك الشباب طريقة لإيصال رسالتهم، حتّى نزلوا إلى شوارع الموت رافضين المزيد من القهر والاستسلام والخنوع، وبوسائل مختلفة عبّروا عن آرائهم، كلّ وفق طاقاته ومواهبه. تلفزيون "العربي" سيكون صوتاً للشباب العربي وصورة تمثّلهم وتنقل همومهم وأحلامهم وتبرز فنونهم وابتكاراتهم. داخل كلّ إنسان خلطة من الحاجات التي لا تقتصر على مجال واحد، لذلك يطلّ علينا تلفزيون "العربي" بمزيج من البرامج المنوّعة وخليط من الشخصيات المميّزة، ليقدّم لنا كلٌّ منها، بروح مختلفة، رسالته الإنسانية.

 التغيير ممكن

الأمل بالتغيير تجلّى بوضوح خلال المقابلات التي أجراها "العربي الجديد"، بدأت مع المذيعة آمال عرّاب، التي وجدت أنّ "العربي" قد يفتح أبواباً واسعة. آمال انضمّت إلى تلفزيون "العربي"، وتحدّثت عن رحلتها في عالم الصحافة، إذ عملت في لبنان وإيران والأردن، في التلفزيون وبرامج حوارية سياسية إخبارية بالإعداد والتقديم.
تشارك عرّاب حالياً في تقديم برنامج "العربي اليوم" وبرنامج "في رواية أخرى" الذي يقابل شخصيات مهمّة، منها: أحمد كثرادة رفيق نيلسون منديلا، الذي عاش معه ما يزيد على عشرين عاماً في السجن في جنوب أفريقيا. زارته عرّاب وتعرّفت إلى شخصيته عن كثب. كما أجرت حواراً مع أيمن نور، الشخصية المصرية، التي يدور حولها الكثير من الجدل، بالإضافة إلى شخصيات لبنانية ساهمت في الوضع اللبناني، مثل جنرالات في الجيش، وستُعرض حلقاتها قريباً على "العربي".
وأردفت عرّاب أنّ التحدي يكمن بالبدء من الصفر، أي حين واجهوا صعوبات ولادة فكرة وموتها بشكل يومي تقريباً، لأنّهم أرادوا تقديم مادّة مميّزة قريبة من المشاهد. تميّزت عرّاب بابتسامتها وتواضعها خلال الحوار، وشرحت ببساطة أهداف "العربي" وكيفية تقديمه لأي موضوع سياسي بروح مختلفة. أمّا عن اللغة العربية، فلفتت إلى أنّه يجب إعطاء اللغة العربية حقّها، ولا بدّ للشباب العربي من أن يجيد تحدّث لغته الفصحى لأنّها جميلة، بيد أنّ هذا لا ينفي استخدام بعض العامية في البرامج، خصوصاً حين نخاطب ضيفاً كبيراً في السن، لا بد من أن نتوجّه إليه بلهجة يفهمها ومتعارف عليها.
ولفتت عرّاب إلى تميّز "العربي" بإتاحة الفرصة لجميع موظفيه بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم من خلال توفير صندوق توضع فيه اقتراحات جديدة، لا تُهمل، بل تُناقش جميعها وتصل إلى مكتب مدير القناة.
بدت آمال واثقة من تحقيق "العربي" مستوى مميّزاً بعد فترة زمنية قصيرة، لأنّه وفق تعبيرها: "مشروع بُني ليس فقط بوسائل ماديّة ملموسة، بل بقلوب ونوايا حسنة ودمعة انهمرت لدى انطلاقته الأولى".

تشويش متعمدّ؟

من جهته، تحدّث فاضل الفضلي، مدير الإنتاج، عن خبرته وتجربته الإنسانية وسبب التحاقه بـ "العربي"، إذ بدأ مهنته منذ عام 1984 في تلفزيون بغداد، وتنقّل بعدها بين العديد من المحطّات ومنها التلفزيون الأردني، وعجمان، و"إم بي سي"، و "العربية"، والـ "بي بي سي عربي" في بريطانيا، ليحط به المطاف في "العربي" التي وجد فيها مجالاً أكبر للإبداع بسبب تنوّع برامج المحطة.
أمّا عن التشويش الذي واجهته المحطة يوم انطلاقها، فأشار الفضلي إلى أنّهم اتّصلوا بسويسرا بشركة الـ "يورو فيزين" التي حاولت توفير تردّد آخر، ويجهل إن كان الأمر متعمّداً، لأنّه قد تتداخل الخطوط مع بعضها بعضاً وتؤدي إلى تلك المشكلة وفق المنطقة التي يُبث فيها، وذلك من خلال ثلاثة أقمار: النايل سات واليوتل سات وسهيل سات، بحسب تعبيره. وأسهب الفضلي أنّه من الممكن مشاهدة "العربي" على الإنترنت، لكن مع اختلاف بسيط عن التلفزيون، لأنّ جماهير وسائل التواصل الاجتماعي لا تتشابه طبعاً مع مشاهدي التلفزيون.
أعلمنا الفضلي بأنّ المبنى الحالي بالكاد يتّسع للموظفين وسينتقلون قريباً إلى مبنى آخر مجاور خاص لقسم البرامج والأخبار.
وعبّر عن هدف "العربي" بمثل شعبي، إذ قال: "إن الفئة التي حاولت تغيير الأوضاع (طلعت من المولد بلا حمّص)"، لذلك يسعى "العربي" إلى دعمها وتسليط الضوء عليها". وأعطى برنامج "بورصة الرأي" مثالاً عن البرامج الرئيسية التي تخاطب الشباب عبر جميع وسائل الاتصال وبرنامج "دفتر الثوار" والعديد من البرامج التي تعكس طموحات الشباب وإنجازاتهم.

لقاؤنا الثالث كان مع الشاب، ميشال سعد، الذي أخبرنا أنّه أتى إلى لندن في عام 2010، للدراسة، ولم يتمكّن من العودة إلى بلده سورية بعد اشتعال الحرب فيها. عمل سعد في راديو "توك سبورت" البريطاني، الذي يتمتع بحقوق الدوري الإنكليزي "بروميير ليغ"، لمدّة سنتين، وعمل أيضاً لفترة قصيرة مع الـ "آي تي في". يتولّى سعد حالياً في "العربي" نشرتين رياضيتين يومياً. تُبث الأولى بعد الظهر، عند الساعة 2:30، والثانية مساء، عند الساعة 6:20. ويشرح سعد أنّهم لغاية الآن لا يمتلكون حقوق بث مباريات كاملة، بيد أنّهم يتمتّعون بحقوق نشر أهداف الدوري الألماني والدوريات العربية مثل اللبناني والقطري، وحق بث صور تدريبات الفرق الكبيرة، مثل برشلونة وأتلتيكو مدريد. وتطمح المحطة إلى تقديم برنامج رياضي خاص مع حارس مرمى منتخب مصر السابق، نادر السيد، الذي سيصدر من تونس.
بدا سعد واثقاً من قدرته على جذب جمهور من المشاهدين بالاعتماد على مهارات إلقاء وطرح نشرات الرياضة، ووعد بمفاجآت جميلة قريباً لجمهور "العربي".

همّ المواطن أولاً

"ولدت في حرب لبنان، حيث الدمار وصوت المدافع، حلمت دائماً أن أساهم بأية طريقة لإيصال هموم المواطن إلى المسؤولين أو أصحاب القرار". بهذه العبارة عبّرت المذيعة، فدى باسيل، لـ "العربي الجديد"، عن طموحها في "العربي". بدأت فدى رحلة الصحافة في سن الثامنة عشرة، وحلمت منذ سن السّابعة بأن تعمل في هذا المجال. التحقت بـ "العربي" لأنّها سعت إلى تجربة جديدة، وعبّرت عن استفادتها من تجربتها مع الـ "بي بي سي"، لكن في مرحلة ما شعرت برغبتها في التغيير، ولفتها في مشروع "العربي" كيفية التوجّه إلى الشباب وطرح الأفكار الجديدة والتعاطي مع مسائل الإعلام بشكل عام.
تقدّم باسيل برنامج "العربي اليوم" مدّة أربعة أيام في الأسبوع من أصل خمسة، وتشارك بتقديم برنامج "في رواية أخرى" الذي يستضيف شخصيات مؤثرة، عاصرت أحداثاً مهمة، ويستعرض الجانب التاريخي من تجربتهم السياسية. قد تكون شخصيات بعيدة عن السياسة، بيد أنّها تركت بصمة مميزة. قابلت باسيل رئيس وزراء تونس السابق، والدكتور نبيل شعث، وستُعرض الحلقات قريباً.
"حلمت أن أكون طيّاراً، ولكن قد يكون ذلك الحلم وليد التقييد الذي نحياه في عالمنا"، يبتسم المذيع خالد غرابلي. ويضيف: "لكنّي أطير حالياً في الإعلام". ظروف الحياة أوصلت غرابلي إلى دراسة الصحافة في الجزائر.
خلال حواري مع غرابلي، لمست ذلك العمق الإنساني والإحساس الحقيقي بقضية الإنسان وحقّه في أن يعيش حياة كريمة. تحدّث عمّا وصفه بالمصيبة الأكبر بحق الشعب الفلسطيني، ألاّ وهي ضياع فلسطين، وأعاد السبب إلى سيطرة الجهل في تلك الفترة الزمنية. الجهل بحجم المؤامرات التي كانت تحاك، ومخطّطات اليهود للاستيلاء على الأرض. وشرح غرابلي أنّ الناس كانوا بسطاء حتى خسروا أرضاً. ولفت إلى أنّ أكبر نسبة تعليم بين الشعوب العربية موجودة لدى الشعب الفلسطيني، لأنّ الناس أدركت قيمة العلم والثقافة. واستدرك غرابلي أنّه لا يقصد بكلامه القراءة والكتابة بل القدرة على الفهم والاستيعاب.
عمل خالد مع "روسيا اليوم" من عام 2007 لغاية عام 2013، و"أورو نيوز "في منطقة ليون في فرنسا، ومع تلفزيون الراي، وإذاعة الشرق في باريس، وراديو مونتي كارلو، وصحيفة الأيام في غزة. وترك العمل في "روسيا اليوم" بسبب خلاف حول المضمون خصوصاً.
بدأ العمل مع "العربي" لأنّه علم أنّه مشروع بأهداف ومبادئ يتمتّع بها المقيم في الغرب وتفتقدها شعوب البلاد العربية. يقول غرابلي: "على تلك المبادئ قامت ثورات في دول عربية"، متسائلاً: "لماذا يتمتّع الغربي بحقوق إنسان، حُرمنا منها في العالم العربي؟ ما الذي يمنع أن أكون إنساناً محترماً في بلدي"؟
أغنت تجربة الغرابلي الإنسانية خبرته المهنية. فهو من أصول فلسطينية، ولد في مصر ودرس في الجزائر وفرنسا وتجوّل في العديد من الدول العربية.
هدف البرنامج هو الأهم بالنسبة لغرابلي، الذي شاهد الجهود التي يبذلها الإنسان حتى يعيش في الدول العربية، معتبراً أنّ التفكير يشكّل خطراً على الأنظمة العربية.
تمنى خالد مساعدة "العربي" للبدء بالتفكير عن كيفية الوصول إلى نتيجة. وأنهى حديثه بأنّ "العربي" يتميّز برسالته التي تقول لنا "أنت إنسان ومن حقّك أن تعيش بكرامة وحرية".


سياسة وفنّ واشياء أخرى

لقاؤنا الأخير كان مع أحمد زين، مدير تحرير "العربي"، الذي عبّر عن اعتزازه وفخره ببدء البث بعد عشرة أشهر فقط من التحضير. أوضح زين أنّهم لم يروّجوا للمحطة كما تفعل المحطّات عادة، حتى تتحضّر الناس لمشاهدتها ويخيب أملها بعد ذلك. بل تعمّدوا البدء بالدعاية قبل الانطلاق بمدة قصيرة حتى لا يطول انتظار المشاهد. وعن ردود الفعل، أشار زين إلى أنّها كانت مبّشرة واستقبال الناس مقبولاً. ولفت إلى أنّه يعجز عن التفريق بين المجاملات والآراء الحقيقية، لكن يبقى للاختصاصيين كلمتهم ورأيهم بأداء المحطّة الذين أكّدوا غياب الأخطاء التقنية مبدئياً.
أضاف زين أنّ الأصعب بالنسبة لأية محطّة أمران، أولاً، العثور على الموارد البشرية ذات الكفاءة والنجاح في استقطابهم، وثانياً، الجانب التقني، لأنّ التلفزيون معقّد ويحتاج إلى تنظيم وتنسيق أمور كثيرة.
"برأيي ملعب السياسة هو أحد الملاعب التي تحاول الأنظمة أن تقيّدنا فيه"، قال زين، وتابع أنّه لا يُنكر أثر السياسة في الحياة لكن يبقى للفن والثقافة والمجتمع الغلبة عليها، وخير مثال على ذلك، دولة السويد التي تبلغ نسبة الأشخاص الذين يشاركون في التصويت للانتخابات نحو 50%، مما يعني أنّ نصف الشعب تقريباً، إن لم يكن أكثر من ذلك، لا يكترث للسياسة. فاهتمامات الناس اليومية تتنوّع بين مشاهدة فنون جميلة تراثية أو معاصرة وأمور المجتمع مهمّة جداً. لذلك يتجنّب "العربي" أن يتحدّد في مجال السياسة التي لا بدّ من أن تنجرف في اتجاه معيّن، ويهدف ألاّ ينحصر في زاوية واحدة. لذلك يقدّم الموسيقى والفنون والبرامج الترفيهية والسياسة كجزء من اهتمامات المشاهد.
ولفت زين إلى أنّ جمهور "العربي" يتضمّن شريحتين، الأولى من سن 18 إلى 35، والثانية من 35 إلى 40. الشريحة الأولى هي الأساسية. وبعد إجراء بحوث واستطلاعات رأي، بات لدى القناة إلمام باهتمامات تلك الفئة العمرية التي تباينت وبنسب مختلفة وفق البلد. يشرح زين، وبالاعتماد على تلك الاهتمامات يقدّم "العربي" خلطة مميّزة من البرامج من أفلام وموسيقى الشباب أو التي تُسمى بـ "الأندر غراوند" أو الفن البديل الذي يصوّر واقع أي مواطن بسيط.
يرى زين "العربي" بعد سنوات قليلة شبكة متعدّدة القنوات مع اهتمام كبير ببرامج الأنترنت، لأنّ التلفزيون بشكله الحالي قد ينتهي بعد سبع سنوات وكل الدراسات في العالم تشير إلى ذلك. إذ قد يتأخر حدوث ذلك في العالم العربي لأنّ كل شيء يصل إليه متأخراً. ولكنّهم يعملون على مشروع كبير عبر الأنترنت، لأنّهم يعتقدون أنّه سيكون تلفزيون المستقبل.

المساهمون