الإعلام التونسي بين الأزمات والإصلاحات المنتظرة

الإعلام التونسي بين الأزمات والإصلاحات المنتظرة

19 أكتوبر 2015
لايتجاوز عدد الصحف التي تباع يوميًا المائة ألف(فرانس برس)
+ الخط -
بينما يبقى الإعلام العمومي السمعي البصري في تونس مثار جدل داخلي وخارجي، خاصة في ظل حالة الاضطراب التي يعيشها التلفزيون التونسي والصراعات المحتدمة داخله، يشهد قطاع الصحافة الورقية تراجعًا وضعفًا اقتصاديًا.


الإعلام البصري الحكومي

لا يزال الإعلام العمومي السمعي البصري في تونس، ومنذ خمس سنوات، محل نقاش وبحث من قبل المختصين والعاملين فيه بغية الوصول إلى أمثل الطرق للارتقاء به. فقد تعددت الندوات وورش العمل حول مستقبل الإذاعة والتلفزيون التونسيين منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2014، وذلك لأهمية دور هذا الإعلام في الانتقال الديمقراطي أولا، وفي تكريس
حرية الإعلام وتعدديته ثانياً.

الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهي من تتولّى دستوريًا الدور التعديلي للإعلام السمعي البصري، بادرت الأسبوع الماضي إلى عقد ندوة دولية بعنوان "الإعلام العمومي في تونس: أية تحولات"، سعت من خلالها إلى الخروج بورقة عمل لإصلاح الإعلام العمومي (الحكومي) وذلك بتحديد الأدوار المنوطة بعهدته خدمة لعموم التونسيين.

لكن يبقى الإعلام العمومي، وخاصة مؤسستي الإذاعة والتلفزيون التونسيين يعانيان من العديد من المشاكل والصعوبات. وحدّد عبد الرزاق الطبيب، المدير العام للإذاعة التونسية، هذه الصعوبات في حديث لـ"العربي الجديد"، في غياب إطار قانوني يساعد على خلق دينامكية في هذا المجال ويمكّن الإذاعة التونسية من الاستقلالية المالية والإدارية التي من الممكن أن تجعلها بمنأى عن التجاذبات السياسية.

تجاذبات سياسية يقرّ مصطفى بن اللطيف، المدير العام للتلفزيون التونسي، بوجودها من خلال محاولة البعض التدخل في الخط التحريري للتلفزيون التونسي، مضيفًا أن العائق الأكبر أمام عملية إصلاح التلفزيون التونسي تتمثل في وجود مقاومة لهذه الإصلاحات من قبل بعض العاملين في التلفزيون التونسي ومن قبل بعض المستفيدين ماليًا من وضعيته الحالية والذين يرفضون ويشهّرون بكل عملية إصلاح ممكنة له.

رأي مصطفى بن اللطيف يتقاطع فى بعض جوانبه مع رأي ناجي البغوري، نقيب الصحافيين
التونسيين، الذي يرى أن البعض لم تهب عليهم بعد رياح الثورة ولا يزالون متمسكين بالصورة النمطية للإعلام العمومي والتي تمّ توارثها منذ عقود الاستبداد، وهي أن يكون هذا الإعلام خادم لراكب السلطة القائمة فى حين عليه أن يقدم خدمة لعموم التونسيين بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية أو مشاربهم الفكرية، وخاصةً أن هذا الإعلام يموّل من أموال دافعي الضرائب التونسيين والذين يحق لهم أن يجدوا ترجمة عملية لرؤاهم وتصوراتهم في المضامين الإعلامية التي تقدمها الإذاعة والتلفزيون التونسيان.

عن هذه المضامين الإعلامية، يشير بسام عيشة، وهو خبير استشاري في مجال حقوق الإنسان، إلى أنها يجب أن تكرّس المبادئ الكونية لحقوق الإنسان دون التخفّي وراء حجة الخصوصية المحلية، فالإعلام العمومي يجب في مثل هذه المراحل الانتقالية أن يؤسس لثقافة تعددية مبنية على قيم العيش المشترك والاحترام المتبادل وثقافة الحوار وتغليب المصلحة العامة بعيدًا عن كلّ أشكال العنف التى باتت تهدد اليوم المجتمعات العربية.

من جهته، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال البصري (الهايكا)، النوري اللجمي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، على الدور المحوري الذي على الإعلام السمعي البصري العمومي التونسي أن يلعبه في هذه الفترة من تاريخ تونس، فعليه أن يكون بمثابة القاطرة التي تجر معها الإعلام السمعي البصري الخاص في اتجاه تقديم مضامين إعلامية تستجيب لشروط المهنية وتحترم المواثيق الأخلاقية المنظمة لعمل القطاع. ويضيف: "الهايكا تعمل بالاشتراك مع العديد من الخبراء العرب والأجانب على تقديم وصفة عملية لمساعدة هذا الإعلام على القيام بالأدوار الموكولة إليه من خلال الاستئناس بالتجارب السابقة في هذا المجال، ومنها تجربة "بي بي سي" والتجربة السويسرية، في مجال الحوكمة الرشيدة للإعلام العمومي".


اقرأ أيضاً: هل عاد سفيان ونذير إلى تونس؟


الصحافة الورقية

على المقلب الآخر، تعددت صيحات الفزع حول مصير قطاع الصحافة الورقية في تونس، والذي يشهد تراجعًا وضعفًا اقتصاديًا مردّه المنافسة الشرسة من قبل المواقع الإلكترونية الإخبارية ومن مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثر على قراءة هذه الصحف وبالتالي التراجع اللافت في مبيعاتها، إذ لا يتجاوز عدد الصحف الورقية التي تباع يوميًا في السوق التونسية المائة ألف نسخة بما فيها الصحافة الأجنبية. ووفقًا لتصريح الطيب الزهار، رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف، فإنّ ضعف قراءة الصحف ومنافسة المواقع الالكترونية
تضاف إليها محدودية سوق الإعلانات التجارية نتيجة الأزمة الاقتصادية، هي جميعاً أسباب جعلت من هذا القطاع مهددًا بالاندثار، وهو ما قد يعجل في إحالة صحافيين وتقنيين إلى البطالة الإجبارية.

الأطراف النقابية الممثلة لهذا القطاع، وهي النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وجمعية مديري الصحف والنقابة العامة للإعلام، اجتمعت أخيرًا للنظر في الصعوبات التي يعرفها قطاع الصحافة الورقية وعبّرت عن عميق قلقها إزاء الوضع السائد في قطاع الصحافة المكتوبة والذي ما انفك يتدهور من شهر إلى آخر نتيجة تفاقم الصعوبات التي يشهدها القطاع.
كما استغربت هذه النقابات صمت الدوائر المعنية في الحكومة التونسية والتي لم تحرّك ساكنا
إزاء ما يجري في القطاع واختارت التجاهل والتراخي أمام المطالب التي قدمت إليها تباعا من قبل المتدخلين في القطاع.

كما قدمت هذه الأطراف النقابية إلى الحكومة التونسية مطالب تتعلق بإعداد أمر خاص بالاشتراكات في الصحف والدوريات والزيادة في كمياتها طبقا لمطالب النقابات في هذا الخصوص، وذلك في أسرع وقت حتى يمكن تفعيله في الميزانية الجديدة والإسراع في حسم ملف الوكالة الوطنية للإشهار العمومي طبقا للاتفاق بين الأطراف المعنية وإنشاء صندوق خاص بالصحافة المكتوبة من شأنه مساعدتها على تطوير قدراتها ومواكبة التقنيات الحديثة والحفاظ على مَوَاطن الشغل.

يُذكر أن قطاع الصحافة المكتوبة شهد بعد الثورة التونسية في يناير 2011 انفجارًا غير مسبوق، حيث تعددت العناوين الورقية بعد أن تمّ إلغاء شرط الترخيص المسبق الذي كانت تعتمده تونس قبل الثورة، لكن جلّ هذه الصحف لم تستطع الصمود أمام الصعوبات الاقتصادية ولم تحافظ على وجودها، إلا بعض الصحف الحزبية أو الصحف المملوكة لرجال أعمال لا ينتظرون منها مردودية مالية بل أرادوا هذه الصحف مجالاً للتعبير عن رؤاهم ومواقفهم من المتغيّرات التي تشهدها تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي منذ الثورة وإلى حدّ اليوم.


يُذكر أن قطاع الإعلام في تونس يشغل أكثر من 2500 من الإعلاميين والآلاف من التقنيين والإداريين، ولا يتمتع بالضمانات القانونية الكافية لحمايتهم إلا العاملين في الإعلام الحكومي.



اقرأ أيضاً: الصحافيون التونسيون وهاجس البطالة
 

المساهمون