الرقابة على الإنترنت في مصر أصبحت أكثر ديناميكية وانتشاراً

تقرير حقوقي: الرقابة على الإنترنت في مصر أصبحت أكثر ديناميكية وانتشاراً

02 يوليو 2018
حجب أكثر من 100 رابط إخباري (غاري ووترز)
+ الخط -
"يبدو أن الرقابة على الإنترنت في مصر خلال العام الماضي، أصبحت أكثر ديناميكية وانتشارًا. كما يبدو أن مزوّدي خدمة الإنترنت لا يقومون بحجب المواقع مباشرة، لكنهم يُعيقون الاتصال من خلال استخدام أجهزة الفحص العميق للحزم [Deep Packet Inspection (DPI)]، أيضاً يبدو أنهم يتدخلون في حركة مرور البيانات المُعمّاة التي تمر عبر بروتوكول طبقة المنافذ الآمنة (SSL) بين نقطة اتصال كلاودفير (Cloudlflare) في القاهرة وبين خوادم المواقع (الموجودة خارج مصر)"، هذه بعض النتائج التي توصلت إليها "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (منظمة مجتمع مدني مصرية) بشأن الرقابة على الإنترنت في مصر، وسردتها في تقرير، اليوم الاثنين، كجزء من جهد مستمر لتحليل الرقابة على الإنترنت في مصر وفي أكثر من 200 دولة حول العالم.


وقالت المؤسسة إن المواقع الإعلامية تشكل النسبة الأكبر بين المواقع التي وجدت أنها محجوبة. حيث يبدو أن الحجب مفروض على أكثر من 100 رابط يخص مواقع ذات طابع إخباري، رغم أن السلطات المصرية أعلنت حجب 21 موقعًا إخباريًا فقط. كما وُجد أن العديد من المواقع "الوِب" الخاصة بحقوق الإنسان والمدونات التي تُقدّم النقد السياسي، قد تعرضت للحجب هي الأخرى.

تكتيكات الدفاع العميق

وأكدت المؤسسة "تجاوُز الرقابة على الإنترنت في مصر قد يمثل تحديًا". مشيرة إلى أن مقدمي خدمات الإنترنت المصريين "يبدو أنهم ينفّذون تكتيكات الدفاع في العمق ( Defense In Depth) لتصفية الشبكات"، كما يشير حجب العديد من مواقع أدوات تجاوز الحجب. كما يبدو أنهم يمنعون الوصول إلى شبكة تور (Tor)، وفي بعض الحالات جسور تور. ومن أجل حجب موقع حزب سياسي (حزب الحرية والعدالة في مصر)، يستخدم مقدمو خدمات الإنترنت صندوقين وسيطين مختلفين (Middleboxes)، وهو ما يضيف طبقات إضافية من الرقابة ويجعل تجاوز الحجب أكثر صعوبة.

كما يبدو أن مزوّدي خدمة الإنترنت المصريين يقومون بحملة إعلانية (Ad Campaign).
في عام 2016، وجدت المؤسسة أن مزودي خدمات الإنترنت يستخدمون أجهزة الفحص العميق للحزم (DPI) لمراقبة روابط (HTTP) غير المُعماة وإعادة توجيهها إلى محتوى مدر للدخل، مثل الإعلانات بالعمولة (Affiliate Ads)، يشير تحليلنا لقياسات OONI التي تم جمعها من مصر خلال العام الماضي بقوة إلى أن هذه الحملة مستمرة حتى مارس/ آذار 2018 (على الأقل)، بحسب التقرير، الذي أكد أنه قد تأثرت بذلك مجموعة واسعة من أنواع المواقع المختلفة، بما في ذلك المواقع الإخبارية ومواقع حقوق الإنسان ومواقع مجموعات الميم، ومواقع الأمم المتحدة (Un.org وOhchr.org).


وعن خلفية نطاق انتشار واستخدام الإنترنت، ذكر التقرير ارتفاع معدل استخدام الإنترنت في مصر خلال السنوات الأخيرة.

وفقا لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بلغ معدل انتشار الإنترنت في مصر 41.2% بحلول نهاية عام 2017. ويعتمد المستخدمون إلى حد كبير على اشتراكات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، كما هو موضح في الجدول التالي.

بحلول نهاية عام 2017، استخدم معظم المصريين الإنترنت عبر هواتفهم الذكية، بينما اقتصرت اشتراكات الخطوط الثابتة على 6.9% فقط. خلال العام الماضي، أصبح هناك انخفاض ملحوظ في استخدام الخطوط الثابتة وارتفاع في استخدام المحمول، ما يوحي بأن المصريين سيواصلون الدخول على الإنترنت في المقام الأول باستخدام شبكات المحمول.


مركزية البنية التحتية للإنترنت 

وبحسب التقرير، فإن لدى مصر الكثير من مقدمي خدمة الإنترنت (ISPs)، ينظمهم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (NTRA) وتتمتع شركة فودافون مصر بأكبر حصة (40.5%) في سوق الهاتف المحمول المصري، لكن الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للدولة تمتلك 45% من أسهم شركة فودافون مصر. تمتلك شركة أورانج مصر (المملوكة لشركة فرنسية) حصة قدرها 33% في سوق الهاتف المحمول، في حين تمتلك شركة اتصالات مصر (التي تملكها شركة إماراتية) حصة قدرها 24%. أما بالنسبة لسوق النطاق العريض (Bandwidth) للخطوط الثابتة، فتسيطر الشركة المصرية للاتصالات على 75% من سوق الـADSL.

بالإضافة إلى امتلاكها حصة كبيرة في فودافون مصر، تمتلك المصرية للاتصالات أيضًا كل البنية التحتية للاتصالات في مصر. فتؤجر التراخيص لمقدمي خدمة الإنترنت الرئيسيين في مصر – مثل نور، اتصالات مصر، وفودافون مصر – الذين يعيدون بيع النطاق العريض إلى مزودي خدمة الإنترنت الأصغر. ونتيجة لذلك، فإن البنية التحتية للإنترنت في مصر مركزية تمامًا.


وبشأن البيئة القانونية للرقابة على الإنترنت في مصر، فقد أشار التقرير إلى أن الدستور المصري يتضمّن عدة نصوص لحماية حرية الصحافة وحرية التعبير بشكل عام. ومع ذلك، يمكن تقييد هذه الأحكام في ظل ظروف معينة وبموجب قوانين مصرية مختلفة.

كما يضمن الدستور المصري لعام 2014 الوصول إلى المعلومات، ويحمي حرية الصحافة ويحدّ من الرقابة. وفقا للمادة 57 من الدستور: "تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".

وتضمن المادة 68 من الدستور الحق في الوصول إلى المعلومات والوثائق الرسمية. وبشكل أكثر تحديدًا، تنص على ما يلي: "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفْض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً".

استناداً إلى هذه المادة، فإن السلطات في مصر تلتزم بالكشف عن القرارات القضائية أو الإدارية المتعلقة بالرقابة. كما أن المادة 71 من الدستور تحمي حرية الصحافة وتحجب الرقابة على وسائل الإعلام (رغم أنه قد يسمح بها أثناء الحرب أو في أوقات التعبئة العامة): "يحجب بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة.

وبخلاف النصوص الدستورية، هناك عدة قوانين، أبرزها: قانون الطوارئ، فخلال حالة الطوارئ، يتم تعليق الحقوق الدستورية. ويسمح قانون الطوارئ المصري للحكومة باعتراض ومراقبة جميع الاتصالات وفرْض الرقابة ومصادرة المنشورات.


وبموجب المادة 3 من هذا القانون، يمكن للسلطات أن تراقب الرسائل والصحف والمطبوعات والإصدارات والرسومات وجميع وسائل التعبير الأخرى قبل نشْرها. كما أنهم مخوّلون بمراقبة ومصادرة هذه المواد وإغلاق الأماكن التي تُطبع فيها هذه المطبوعات (مثل مكاتب الصحف). يمكن أن تُستخدم المادة 3 من قانون الطوارئ في مصر لتبرير حجب المواقع.

وقانون مكافحة الإرهاب، حيث تبنّت مصر قانونًا لمكافحة الإرهاب يشمل فرض غرامة على نشر تقارير تتناقض مع الروايات الرسمية عن هجمات المسلحين قبل ثلاث سنوات، وتحديدا في عام 2015.

وقد جادل منتقدو القانون بأنه من الممكن استخدام ذلك لإغلاق الصحف الصغيرة وردْع الصحف الأكبر من تغطية الهجمات والعمليات ضد المقاتلين المسلحين.

بموجب المادة 29 من هذا القانون، يُسمح للنائب العام (أو سلطة التحقيق ذات الصلة) بحجب مواقع الإنترنت التي ترتكب جرائم جنائية، مثل التحريض على العنف أو نشر رسائل إرهابية. فضلًا عن قانون تنظيم الاتصالات، حيث تتم إدارة الاتصالات في مصر مركزيا، ما يمكِّن من فرض رقابة مركزية على الإنترنت.

تسمح المادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات في مصر للسلطات بإدارة جميع خدمات وشبكات الاتصالات من جميع المشغلين ومقدمي الخدمات في حالة الكوارث البيئية، أو التعبئة العامة، أو من أجل الحفاظ على الأمن القومي. في مثل هذه الحالات، قد يمكّن هذا القانون السلطات من تطبيق الرقابة على الإنترنت بطريقة مركزية.

ووفقا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أشارت السلطات المصرية إلى هذا القانون للرقابة على وقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت خلال الثورة المصرية في يناير/ كانون الثاني 2011 بحجة اعتبارات الأمن القومي.

وتمديدًا للمادة 67، تهدف المادة 68 من القانون إلى إعفاء مقدمي الخدمات من نطاق المسؤولية وحتى تعويضهم عن أي أضرار قد تحدث نتيجة لإدارة الحكومة للشبكات. بالإضافة لذلك، فقد وافقت لجنة الاتصالات البرلمانية المصرية أخيراً على المادة 31 من مشروع قانون الجريمة الإلكترونية. تهدف هذه المادة إلى معاقبة مقدمي خدمة الإنترنت الذين يمتنعون عن حجب المواقع التي "تهدد الأمن القومي" وفقًا لأوامر المحكمة.

وكذلك قانون جرائم الإنترنت، حيث وافق البرلمان المصري أخيرًا على قانون الجرائم الإلكترونية.


وتخول المادة 7 من القانون لسلطة التحقيق صلاحية حجب المواقع إذا ارتأت أن المحتوى المنشور على هذه المواقع يشكل جريمة أو تهديدًا للأمن القومي أو يعرض أمن البلاد أو اقتصادها الوطني للخطر. تقدم هيئة التحقيق المسألة إلى المحكمة المختصة في غضون 24 ساعة وتصدر المحكمة قرارها خلال فترة لا تتجاوز 72 ساعة إما بالقبول أو الرفض.

ثم تتوسع المادة 7 في منح السلطة لإصدار قرار الحجب، فتمنح سلطات الضبط والتحري (الشرطة) الحق في إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بإخطار مقدمي الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للمواقع. يجب تنفيذ الأمر فورًا عند استلامه. كما هو الحال مع جميع أحكام مشروع قانون جرائم الإنترنت، الذي يتضمن مصطلحات غامضة يمكن أن تشمل أي شيء، والتي تمنح سلطة إصدار أمر الحجب إلى سلطات الضبط والتحري في "حالات الطوارئ الناجمة عن الخطر أو الضرر الوشيك".

وأضاف التقرير "بينما يعاني المواطنون المصريون بالفعل من العديد من المشاكل بسبب الاضطرار إلى الكشف عن بياناتهم الشخصية في ممارساتهم اليومية المعتادة، تُوسّع المادة من سلطات جمع بيانات المستخدم، التي تتطلب من مزودي خدمات تكنولوجيا المعلومات ووكلائهم والموزعين الذين يقومون بتسويق هذه الخدمات الحصول على بيانات المستخدم".

وقالت المؤسسة "هذه الممارسة موجودة بالفعل وتتسبب في فوضى في استخدام البيانات الشخصية للمواطنين. لا توجد في مصر أي قوانين تتعلق بحماية البيانات الشخصية".

وخلال العام الماضي، قامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بتوثيق عدة حالات استخدم فيها بعض الموزعين بيانات شخصية للمستخدمين دون علمهم، بما في ذلك بيع خطوط الهواتف المحمولة. وكنتيجة لذلك، في كثير من الحالات، تم اختراق الحسابات الشخصية على الشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني، إضافة إلى جميع الخدمات المرتبطة بها مع تزايد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأعمال التجارية والمعاملات المالية.

بالإضافة إلى قانون الوصول إلى المعلومات، فمنذ النص على الحق في الوصول إلى المعلومات في الدستور المصري الصادر في عام 2012 والدستور الحالي الصادر في عام 2014، تم طرح عدد من المسودات بشأن قانون الوصول إلى المعلومات.

خلال الممارسات الحكومية الأخيرة، بما في ذلك حجب المواقع، شكّل المجلس الأعلى للإعلام لجنة (إعداد مشروع قانون الوصول إلى المعلومات) لصياغة قانون للوصول إلى المعلومات وفقا للنص الدستوري المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور المصري. انتهت اللجنة من صياغة القانون في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، حيث تألف من 28 مادة تنظم مفهوم الحق في الوصول إلى المعلومات، ونطاق الاستثناءات المتعلقة بالمعلومات والبيانات التي لا يمكن الوصول إليها، وتشكيل مجلس أعلى للمعلومات، وطبيعة الجرائم والجرائم المتعلقة بالوصول إلى المعلومات وعقوباتها. ويُذكر أنه لم تتم مناقشة المسودة منذ تقديمها حتى الآن.

المساهمون