حجب المواقع الإباحية: جدل عراقي مستمرّ

حجب المواقع الإباحية: جدل عراقي مستمرّ

11 مارس 2019
شد وجذب سياسي بسبب المواقع الإباحية (Getty)
+ الخط -
بمعدل سنوي، تعاود جهات سياسية عراقية الحديث عن حجب المواقع الإباحية بواسطة وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام في البلاد، لكنها تواجَه في كل مرةٍ بحملة من ناشطين معارضين "لأنها تدخل بالحريات الشخصية ومرتبطة بأحزاب دينية تسعى إلى تضييق تدريجي على الحريات"، بحسبهم. 
طُرح ملف حظر المواقع الإباحية في البرلمان العراقي عام 2011، إلا أنه سرعان ما أُغلق بسبب معارضة التيار المدني وتسريب معلومات عن عدم إمكانية حجبها بشكل كامل مع تعدد الشركات التي تزوّد العراق بخدمة الإنترنت، وكونها منفصلة عن بعضها، إلا أن البرلمان برر عزل الملف عن النقاش بسبب الانشغال بملفات الموازنة العامة وأخرى ترتبط بالأوضاع الخدمية. لكنّ كتلاً سياسية أدخلت الملف مرة أخرى إلى أجندة أعمالها وطرحته في سبتمبر/ أيلول 2015 بواسطة النائب السابق عبد الهادي الحكيم، وبجلسة سريعة حضرها 190 نائباً. وبنقاش لم يطل صوّت البرلمان حينها على قرارٍ يُلزم وزارة الاتصالات بحجب المواقع الإباحية. وبرغم ذلك، لم تطبّق وزارة الاتصالات القانون البرلماني لأسباب ما زالت غير معروفة على وجه التحديد.

عاد هذا الحديث أخيراً، عن تفعيل قرار البرلمان السابق بخصوص حجب المواقع الإباحية. فقد أعلنت كتلٌ سياسية دعمها لإلغاء هذه المواقع في العراق، ومن ضمنها حزب "الفضيلة" الذي يقوده رجل الدين محمد موسى اليعقوبي. وقال الحزب في بيان سابق إنّ "من القرارات الاجتماعية المهمّة التي اتخذها مجلس النواب العراقي في دورته السابقة، هو قرار إلزام الحكومة الاتحادية بإصدار التعليمات المُلزِمة إلى الهيئات الحكومية وغير الحكومية بتنظيم عمل شبكات الإنترنت وإلزامها بحجب المواقع الإباحية حفاظاً على المصلحة العامة"، مبيّناً أن "حكومة عادل عبد المهدي مُلزَمة بحجبِ المواقع الإباحية بقرار رئاستي البرلمان والجمهورية وتكون الحكومة السابقة (حكومة حيدر العبادي) على طاولة المحاسبة القانونية لعدم تنفيذها هذا الإلزام".

قال عضو تحالف "الفتح" عبد العظيم الدراجي إنّ "الرافضين لفكرة حجب المواقع الإباحية يصرون على الذنب وتكراره "، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "الإبقاء على هذه المواقع وعدم إغلاقها، يعرّض كل فئات المجتمع إلى خطر وأثارٍ سلبية بالغة، لا سيما أن هذه المواقع أصبحت تمثل مرضاً يهدد الشباب بالطلاق والعزوف عن الزواج، فضلاً عن ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي"، على حد ادعائه.

ورأى النائب السابق جوزيف صليوا أن "لا مشكلة من إغلاق المواقع الإباحية، ولكن مع أن يتم إغلاق مواقع بعض السياسيين التي لا تختلف الإباحة فيها عن تلك المواقع"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب السياسية التي تُثبت فشلها في كل قرار تتخذه ولم تقدم أي خدمة للمواطنين العراقيين - إذ لا تزال المحافظات الجنوبية تعاني من العطش والجوع، والشمالية والغربية منكوبة بسبب الحرب الأخيرة على "داعش" - تعمل حالياً على قرارات أقل أهمية من مشكلات البلاد، مع العلم أن القرار صادر عن البرلمان منذ 2015 ولكنّه يظهر بين فترة وأخرى لدواعٍ سياسية بحتة".
وقال "لا أجد مشكلة في إغلاقها لأن قراراً برلمانياً صدر بشأنها، ولكن على وزارة الاتصالات أن تنتبه أيضاً إلى مواقع بعض المسؤولين في شبكة الإنترنت وصفحات "فيسبوك" التي تبث الإباحة بطرق مختلفة، وتنشر السموم والطائفية، وهذه المواقع لا بد من إغلاقها وحجبها أيضاً"، على حد تعبيره.

من جهته، رأى الباحث علاء الحسناوي، أن "بعض الأحزاب الإسلامية تؤكد أن لديها إحصاءات ودراسات عن المتابعين للمواقع الإباحية من الشبان، إلا أنها لا تشير إلى الإحصاءات والدراسات عن الجوع والفقر والمصابين بالأمراض السرطانية في البلاد"، مضيفاً أن "الأحزاب تقول إن متابعة هذه المواقع تؤدي إلى زيادة الجريمة، ولكنها مع ذلك لا تتحدث عن الجرائم التي تتسبب بها العصابات والمليشيات، وهذا أمر فعلاً مستفز"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب التي تتحدث باسم الأخلاق تحاول أن تمارس مع الشعب السلطة الأبوية وكأنّ العراقيين مجرد رعايا في دولتهم الدينية، وسيرفض الشعب هذه التدخلات وغيرها، وأي شكل من أشكال التدخل بالحريات الشخصية".
وقال المدوّن مصطفى الصوفي لـ"العربي الجديد" إنّ "عدم تنفيذ وزارة الاتصالات لقرار البرلمان الصادر عام 2015، يرجع إلى استحالته تقنياً، وقد جرّبت السعودية ودول أخرى كثيرة تقنيات مختلفة للحجب، إلا أنها فشلت لأن برامج كسر البروكسي وVPN عديدة، وهي قادرة على مواجهة الحجب". ورأى أنّ "اهتمام جزء من الطبقة السياسية بهذا الموضوع هو لاعتبارات أيديولوجية تتعلق بعقيدتهم الدينية وأفكارهم المحافظة التي ترى في فضاء الإنترنت الحر غير المقيد مفسدة للشباب والشابات كونهم قادرين على الوصول إلى تلك المواقع"، متابعاً "ليس من حق أحد تقييد الحريات والخصوصية بحجة حماية المجتمع".