استفتاء تعديل الدستور المصري: تعددت الأوامر والتغطية واحدة

استفتاء تعديل الدستور في إعلام السيسي: تجاهل الكراتين وإبراز المعارضة

23 ابريل 2019
تركيز على "أهمية المشاركة" في التصويت (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
رفعت وسائل الإعلام في مصر حالة الطوارئ مع انطلاق الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان وتسمح بتمديد حكم الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، حتى عام 2030، بعد أن كان من المفترض أن تنتهي مدته الرئاسية عام 2022، بحسب دستور البلاد الحالي. وركزت الوسائل التي يتبع معظمها الأجهزة الأمنية في مصر، على أمرين: أولهما تأكيد "نسب المشاركة العالية" على حد زعمها، والثاني هو مشاركة رموز من المحسوبين على المعارضة في الاستفتاء، بصرف النظر عن رفضهم التعديلات، ومنهم المرشحان السابقان لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، وخالد علي.

ورصدت "العربي الجديد" من خلال مصادر متعددة في قنوات تلفزيونية ووسائل إعلام أخرى منها صحف ومواقع، وغالبيتها تتبع الأجهزة الأمنية، الخطة التي اتبعتها تلك الوسائل في عملية الاستفتاء والتي تعتمد على الأوامر الواردة إليها من أجهزة الاستخبارات ورئاسة الجمهورية.
وبحسب ما أكدته المصادر، فإنّ الأزمة داخل القنوات والصحف والمواقع أصبحت في تعدد الجهات التي تصدر الأوامر، فبينما يتلقى المسؤولون في تلك الوسائل تعليماتهم من خلال مجموعة على تطبيق "واتساب" يديرها الرجل الأقوى في رئاسة الجمهورية في ما يتعلق بالإعلام، العقيد أحمد شعبان، والذي انتقل إلى جهاز الاستخبارات العامة مع اللواء عباس كامل الذي ترك منصبه كمدير لمكتب السيسي في رئاسة الجمهورية وتولى منصب مدير جهاز المخابرات العامة. وتُعرف تلك المجموعة بين مذيعي البرامج ورؤساء تحرير الصحف والمواقع بـ"جروب التعليمات"، بينما ترد تعليمات أخرى من المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية وتحديداً من مديرته رشا علام، التي تُعرّف نفسها على أنها أستاذة الإدارة والاقتصاد الإعلامي بالجامعة الأميركية. وظهرت رشا علام (المولودة عام 1981) قبل تولّي السيسي مقاليد الحكم، ككاتبة مقال رأي فى أحد المواقع الإخبارية بثلاثة مقالات فقط، فيما كتبت في الموقع ذاته مقالة واحدة بعد أن أصبح السيسي رئيسًا. وخصصت هذه المقالات للحديث حول رسالتها للدكتوراه عن "استقلال الإعلام"، إذ بدأت أول مقالاتها بالهجوم على التلفزيون المصري مؤكدةً "ضرورة إنشاء جهاز مستقل للإعلام، وتوفير مناخ حر".

وأشارت المصادر إلى أنه تم تهميش علام أخيراً، لصالح "الدكتورة نورهان" من المخابرات العامة، وهي التي تقوم حالياً بالاتصالات برؤساء التحرير وترسل لهم التعليمات على "واتساب"، بينما يتندّر الصحافيون عليها ويطلقون عليها لقب "رئيس تحرير مصر". وأوضحت المصادر أنه إضافةً إلى كلتا الجهتين، فإنّ هناك جهات أخرى تتصل بالمسؤولين في وسائل الإعلام وهي الأمن الوطني، وزارة الداخلية، وجهاز الرقابة الإدارية، بالإضافة إلى الاستخبارات الحربية.
وقالت مصادر من داخل قناتي "صدى البلد" و"سي بي سي" لـ"العربي الجديد" إن التوجيه الذي ورد من العقيد أحمد شعبان ومن رئاسة الجمهورية يتمحور حول أهمية إبراز المشاركة في التصويت، والتركيز على أهمية المشاركة في التصويت بصرف النظر عن قول "نعم" أو "لا". وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن أسمائها وصفاتها، أنه قيل لها: "لا تهمنا نتيجة التصويت بقدر ما تهمنا نسبة المشاركة، من أجل إظهار أنّ هناك عملية ديمقراطية تجري أمام الرأي العام الدولي".

وقالت المصادر إن "أوردرات" التصوير داخل القنوات تتم بالتنسيق مع الأمن الوطني الذي يوفر ضابطاً من الجهاز لمرافقة كل مراسل ومصوّر أمام اللجنة التي وقع الاختيار عليها من أجل التصوير، ثم يتم الحشد أمام تلك اللجنة عن طريق حزب مستقبل وطن الذي تشرف عليه الاستخبارات الحربية بواسطة حافلات ضخمة مكشوفة تحمل شباب الحزب، كما تحمل أجهزة صوتية و"دي جي" يقوم بتشغيل الأغاني التي سجلت خصيصاً للاستفتاء وعلى رأسها أغنية اللبنانيّة نانسي عجرم الأخيرة "راجل ابن راجل".

وأكدت المصادر أنّ التعليمات الواردة حذّرت من الإشارة إلى ظاهرة توزيع صناديق الغذاء (الكراتين) أمام اللجان، وهي الظاهرة التي انتشرت بكثافة في القاهرة والمحافظات تزامناً مع الاستفتاء؛ إذ تمّ توزيع "كوبونات" على المواطنين يتم بموجبها صرف كراتين الغذاء بعد التصويت، علاوةً على "كراتين" رمضان، وهي اللقطات المصورة والتي تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوضح شكل "الكوبون" الذي يحصل الناخب عليه قبل دخول اللجنة، وبعد التصويت يذهب إلى أحد مسؤولي حزب "مستقبل وطن" ليختم الكوبون، وبموجب ذلك يحصل على "شنطة رمضان".

وظهرت تعليمات أحمد شعبان، صاحب اليد العليا في إعلام السيسي، واضحةً. فقد خرج مذيعو النظام بدءاً من عمرو أديب وأحمد موسى ووائل الإبراشي وإيمان الحصري (وغيرهم) بنفس الخطاب؛ فجميعهم تحدثوا عن حجم الوجود والحشود أمام اللجان والفئات العمرية المختلفة. فيما شدد أحمد موسى، في برنامجه "على مسؤوليتي" المذاع على فضائية "صدى البلد" والمملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين (المعروف بخدماته المتعددة لنظام السيسي)، على ضرورة تكثيف الحضور يومي الأحد والإثنين قائلاً: "اللي حصل النهاردة كان مفاجأة للعالم، وللإخوان الخونة، ولكن بكرة أنا عايز أكتر وأكتر". ولم يكتفِ موسى بذلك بل حرص على عرض تقرير مصور لرجل الأعمال صاحب القناة وهو يدلي بصوته، ولقطات للأتوبيسات التابعة لمصانعه "سيراميكا كليوباترا" وهي تُقل العمال والمهندسين الذين يعملون في شركاته.

في حين قال المذيع عمرو أديب الذي يقدم برنامج "الحكاية" على قناة "إم بي سي" السعودية، في مقدمة حلقته: "الكل كان يراهن على عدم الحضور، والحمد لله دلوقتي محدش يعرف يفتح بقه. إحنا في اليوم الأول والنزول كان مفاجأة والطوابير أمام اللجان واضحة، وتعكس مدى الإقبال، وكمان محدش يقدر يقول إن هناك لجنة واحدة حدث بها تزوير. والكلام عن أن النساء وكبار السن هم من نزل إلى الاستفتاء هو مغلوط، لأن أنا بنفسي شفت واتكلمت مع شباب جامعي في لجنتي الانتخابية". وأضاف: "لم نر أي معارض يرتدي تيشرت أسود، ومش بس كدا كل رموز المعارضة النهاردة كانوا موجودين في الاستفتاء، وصوروا بطاقتهم الانتخابية، وبطلب منكم بشكل واضح انزلوا"، متابعاً: "بعد إذنكم انزلوا مش هتكسف أقول كدا".
ولم يكتفِ إعلام السيسي بذلك بل إنه ومنذ الساعات الأولى من صباح اليوم الأول للاستفتاء، وبناءً على التعليمات الصادرة عن الجهات الأمنية، تم تقسيم الشاشة إلى أكثر من 20 زاوية تعكس اللجان في كافة المناطق والمحافظات المصرية، إضافةً إلى وضع مربع صغير في جانب قنوات الدراما والسينما والرياضة التابعة لإعلام المصريين تظهر شكل اللجان الانتخابية في مناطق مختلفة كنوع من الإلحاح على المشاهدين وحثّهم على النزول.

على مواقع التواصل كانت حملة تدعو للمشاركة في التصويت لرفض التعديلات الدستورية. وعلى "تويتر"، كتب المحامي الحقوقي خالد علي: "نسبة من سيقولون "لا" كبيرة، بغض النظر عن النتيجة التي سيتم الإعلان عنها، أعلن نتيجة تصويتك على صفحتك"، مشاركاً صورته وصورة بطاقة التصويت الخاصة به على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. وكتب النائب بمجلس النواب أحمد طنطاوي: "نحن أقوى لو صدقنا وشاركنا، لا للتعديلات الدستورية". كما شارك المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي فيديو مصورا من أمام اللجنة الانتخابية التي قام بالتصويت بها متحدثاً خلالها للجمهور وطالبهم بالمشاركة قائلاً: "انزل قول لا، أدّي واجبك ودافع عن مستقبلك، شجع أصحابك وأهلك وشاركهم بفيديو بعد التصويت وانشره بهاشتاج #انا_قلت_لا #لا_للتمديد #لا_لتعديل_الدستور".

وكشفت الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لمشاركة المصريّين المقيمين في الخارج، في الاستفتاء على تعديلات الدستور التي أقرها مجلس النواب الثلاثاء الماضي، الجمعة الماضية، الضعف الشديد في الإقبال بدول أوروبا والولايات المتحدة، رغم توفير الجاليات المصرية في هذه الدول (بالتنسيق مع السفارات) حافلات لنقل الناخبين إلى مقار الاقتراع، فضلاً عن توفير وجبات للراغبين في التصويت، وتوزيع أعلام مصر على الناخبين، بالإضافة إلى صور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولافتات تأييد تعديلات الدستور. واستمر الاستفتاء لمدة ثلاثة أيام، من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً (بالتوقيت المحلي لدولة الاعتماد)، في 140 مقراً انتخابياً في 124 دولة توجد بها البعثات المصرية، وذلك طبقاً للضوابط المنظمة لعملية التصويت المعتمدة.

وفي دولتي الكويت والسعودية، تدخلت السفارات المصرية في عملية التصويت، من خلال توفير أتوبيسات لنقل المواطنين إلى مقار الانتخاب، في محاولة للحشد، اعتماداً على الأعداد الكبيرة للمصريين في الدولتين. وفي المقابل، نشر العديد من المصريين العاملين في دول الخليج صور بطاقة الاستفتاء، بعد أن أدلوا بأصواتهم برفض التعديلات الرامية إلى تمديد حكم السيسي، وسيطرته على المؤسسة القضائية. وتقضي التعديلات الدستورية بمد الفترة الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، وتطبيق المد بأثر رجعي على الولاية الحالية للسيسي، بحيث تنتهي في عام 2024 بدلاً من عام 2022، وترشحه مجدداً لولاية ثالثة تنتهي في عام 2030، فضلاً عن إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسته، والتوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإضافة "حماية مدنية الدولة" و"صون الدستور والديمقراطية" إلى اختصاصات القوات المسلحة.

وسبق أن دعت "الحركة المدنية الديمقراطية" في مصر، التي تضم مجموعة من الأحزاب الليبرالية واليسارية المعارضة، جموع الشعب إلى حماية الدستور بكافة الطرق والأساليب، سواء بالتصويت بـ"لا" في الاستفتاء، أو بأي طريقة أخرى سلمية وحضارية، والتعبير عن موقفهم بحرية وشجاعة بكافة الطرق والسبل المتاحة، باعتبار أن تلك التعديلات تنسف أسس الدولة الدستورية الحديثة.



المساهمون