ظاهرة سقوط الرموز الدينية

ظاهرة سقوط الرموز الدينية

29 سبتمبر 2017
كان السقوط مدويا (تويتر)
+ الخط -
أحداث متسارعة؛ وتيرتها نبرتها حجمها تبايناتها الداخلية مؤثراتها الخارجية تجاذاتها البينية، المشهد أقرب لأحجار دومينو تتساقط تباعاً دون نسق منطقي واضح المعالم، ربما يكون هناك نمط ما بين الفوضى ولكن رؤيته عملية معقدة.

جزء من هذه التغيرات العميقة الضاربة بقوة تغيرات ذات طبيعة اجتماعية في منظومة القيم والمبادئ، حيث تحطمت الكثير من القيم والمبادئ والثوابت، إنه زمن السيولة الشاملة، زمن سقوط الرموز أيضاً، وهذه الظاهرة كان يمكن رصدها منذ بضع سنين ما بعد 2011م، حيث إن الرموز الدينية وخطابها الأخلاقي الوعظي كانت على موعد مع اختبار صعب، يبدو أن العديد منها تهاوى، كانت صدمة الجماهير بهم كبيرة بل مزلزلة، لم تقف ارتداداتها عندهم بل تجاوزهم إلى كل الخطاب الذي قدموه والقيم التي كانوا يدعون إليها؛ القيم السياسية، والأخلاقية، والاجتماعية.


ولم يقف الأمر عند حد تيار محدد، بل تجاوزه إلى غالب التيارات الإسلامية من دون تخصيص، ولا داعي لإيراد بعض الأسماء فهم أشهر من نار على علم آفل. ونحن هنا نتحدث عن دعاة تقليديين، ودعاة جدد، ودعاة تنمية بشرية وبرمجة لغوية عصبية، ومؤسسات دينية رسمية متجذرة كالأزهر الشريف، وحتى تلك التي بقيت محافظة على مكانة بارزة لدى الجماهير المحلية مثل هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية تزعزعت أمام قرارات ملكية مثل تبرير حصار دولة شقيقة في شهر له قدسية كبيرة، ثم قيادة المرأة للسيارة، أو مظاهر الاحتفالات بالأعياد الوطنية.

كان التضارب بين شعارات ومواقف الرموز الدينية أفراداً ومؤسسات فجاً صارخاً أعظم من أن يبرر، رغم عِلم بعضهم الشرعي المشهود له، إلا أن الموقف الشرعي هو المعيار والمفصل الذي سقطوا معه.

وصحيح أن بعض هؤلاء الرموز ما زال محتفظاً بشريحة صلبة من المؤيدين الذين سيبقون ملتصقين بهم مهما حصل، هذا أمر طبيعي، وهذه الشريحة تحتاج إلى وقت أكبر لتتخلى عن رموزها، ولو بقيت فإنها لن تكون مؤثرة.

المرحلة الحالية، ولا شك، مرحلة حرجة وحساسة، فمن كان له جهد ورؤية وفهم لسياقات المجتمع وسياقات الزمان والمكان فهذا أوان الصعود أفراداً ومؤسسات، فسنن الكون غلابة والفراغ لا بد أن يُملأ، وأي انكماش يتبعه تمدد، فالجماهير من طبعها البحث عن رموز وقدوات، تبحث عن خطاب مختلف، قيم ومبادئ جديدة متلائمة مع تطلعاتها وعاطفتها المتأججة.

والزمان الحالي يحتاج الخطاب المركب بين العاطفة والعقلانية، بين الفنون والعلوم، بين الأسلوب المباشر والرسالة المشفرة غير المباشرة، بين المقدس والمدنس. التابوهات السابقة تحطم معظمها لذا فالبناء الحالي عليه أن يكون أكثر متانة وعمقا ومرونة. باختصار تجدد أو تبدد لا حل وسط بين الأمرين.

على المستوى الفردي نحتاج أن نتمعن في آية (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد..)، وأن تتحول هذه الآية إلى نبراس منهجية في البحث والتحقق والشك الذي يسبق اليقين. هذه آية العقل الفردي المتفكر لا العقل الجمعي المنقاد، فلا خلاص من سطوة الإعلام والعقل الجماهيري بغير ذلك.

وإن كان من نصيحة فهي: ابحث واقرأ وحاور، وحاول تنمية ملكة التفكير النقدي لديك، وأعطِ لنفسك مجالاً كي تفكر بعمق قبل أن تتبنى جانباً، ابتعد عن المحاضرات وأقبل على اللقاءات الحوارية والنقاشية المفتوحة، ابحث عن الندوات، وتابع مناقشات الكتب.

المساهمون