جميلة.. دائرة الخطر

جميلة.. دائرة الخطر

10 سبتمبر 2017
(كريس لوكهارت)
+ الخط -

جميلة ماتت، -ولم ترَ من سنيها شيئًا- رأت بما يكفي من أيّام طويلة تأبى أن تنتهي عصيّة ظالمة على ذات العشرة أعوام أن تتحملها، رأت بما يكفي في الخمس سنوات الأخيرة لتكون قد رأت بالنيابة عن جميع أخوتها ووالديها.

فأنا بالقرب من جميلة، كنت أقضي ليلتي التصويرية لإحدى قنوات الأخبار صوّرت كل شيء يوحي بالموت والدمار، بدأ الصوت بالارتفاع تصاعديًا وبدا ضخمًا ومخيفًا لدرجة مُشلّة للجملة العصبية، بأيّ اتجاه نركض؟ صديقتي المراسلة بدأت لتوّها نقل الخبر على الهواء حين تركت الهواء وبدأت تناديني، ابتعدي، ابتعدي، إنه آتٍ نحوكِ تعالي (بأعلى صوتها).

وأنا كيف لي أن أعرف أين أذهب في تلك الثواني المعدودة قبل سقوط القذيفة؟ ركضنا جميعنا وانبطحنا فوق أرض مليئة بالصخور، والرصاصات الفارغة، وأشلاء بشرٍ وحيوانات.

بخطوات عشوائية لاإرادية بجانب أي شي ليحمينا اتجهنا، وهل مازال هناك شيء يحمينا غير الله في هذه الأرض القاسية؟ بضع دقائق بقينا ممدودين على الأرض كنّا نريد فهم ما حصل. اتفقوا أمس في هذه المنطقة على الهدنة لإخراج المدنيين المصابين، ماذا حصل وغيّر مجرى الاتفاقية؟ التي لا يُراهن عليها كما يبدو الحال. حسنًا، بتنا نعلم، خرقوا الهدنة، المسعفون يركضون في كل الاتجاهات بيد أن كل شخص غير مصاب بات مسعفًا في ظلّ كل هذا رأيت قدمًا صغيرة تتحرّك خلف حطام بناية من أربعة طوابق هل أنا أتخيل، أغمضت عينيّ ومسحت عنهما تلك الأشياء الغريبة البيضاء والرمادية والحمراء ومنها ماهو قاس لدرجة أنه يجرح، لا يهم، فمازلت على قيد التصوير والتوثيق والذاكرة نعم إنها قدم صغيرة تتحرّك يا رب أن تكون لها بقية ليس كما أرى من حولي أجزاء غير متناهية.

ركضت سمعت صوتا يناديني، ولكني لم ألتفت ركضت، وأنا أحاول أن أخفض رأسي فالصوت يأتينا تباعًا لن يهدأوا، بما أنهم خرقوا هدنة الليلة الماضية كل شيء غير متوقّع الآن متوقع.

منذ متى وساحات الحروب فيها المتوقّع؟ مازال الصوت يناديني، أصبح اثنين، "مجنونة أحمي راسكِ الرصاصات كثيرة"، وضعت يدي على رأسي كنوع من الحماية .لن أعود، ها قد وصلت قلتها، ولكن لم يسمعوا صوتي فأنا لم أرفع صوتي كفاية. أصوات الرشاشات قريبة أعلى من أي صوت يحكي الآن، أما أصوات قذائف الهاون فبعيدة بعض الشيء.

وصلت ، وصلت ها أنت ذَا صغيرتي، هل أنت بخير؟هل تسمعينني؟ أنا رأيتك من هناك لا تخافي سأحملك صغيرتي لا تخافي اتفقنا، هل أنت بخير؟ هل تسمعينني؟

وبصوتٍ خائف خافت ردّت: نعم أسمعك ولكن لا أستطيع أن أتحرّك ولم أعد أسمع صوت أمي، كانت تناديني منذ قليل وتقول لي لا تخافي سينتهي الأمر بسرعة، لم أعد أسمع صوت أخوتي كانوا يصرخون: ماما نحن خائفون، هكذا ردت علي، أمسكت يديها الصغيرتين حسنا! كما قالت أمك، سينتهي الأمر بسرعة، ماذا سأرد على هذا الكلام الذي أخبرتني به أنا أضعف منها الآن وأنا الآن مسؤولة، عنها الدم في كل مكان هل تنزف أين الإصابة هل كل هذا دمها إنه دم عائلتها بالكامل يا إلهي إصابتها بليغة.. حسنا صغيرتي سأحملك وحين يبدأ صوت الرصاص بالهدوء سأركض، بدأت ألتفت حولي رأيت أحدهم يسعف ابنه، وآخر يحمل شخصًا مسنًا على ظهره، وهناك امرأة ترطم رأسها.

رأيت قماشًا كبيرًا لستائر ممزّقة، وضعت الصغيرة عليها، غير صالح لأضمد جرحها فإنه متسخ جدًا، قميصي.. تذكرت قميصي الأبيض فأنا أرتدي السترة فوقه خلعتُ قميصي بسرعة وبدأت بتمزيقه ليصلح ضمادًا.ربطت الجرح الذي في بطنها، ما إسمك صغيرتي؟ جميلة، ماما بتقلي لولو. حسنا حان الوقت سأركض، وهي بكلمات تئن لا أفهمها وأنا أركض. وصلت للجهة الأولى أتوا بالمضمادات وعلينا الإسراع بننقلها إلى المشفى نزفت كثيرًا وإصابتها عميقة.

وأنا اقترب من صديقتي وأخبرها بصوت خافت أنها فقدت كل عائلتها وإخوتها أعود إليها أمسك يدها، جميلة ستكونين بخير اتفقنا؟ نظرت في عينيّ وسألتني وكأنها لم تتفق معي، لمَ الرصاص قاتل يا خالة؟ ولماذا الطائرات صوتها مخيف؟ كنّا دائما نلعب في المدرسة ونركض وراء خط الطائرة ونلوّح ونحن نضحك، هل أزعجهم هذا؟ آنسة لماذا أمي لم تعد تناديني؟ هل لأنني لم أسمع كلامها وذهبت إلى الحمام لأعمل ( بيبي)؟ لأنها قالت لي اعمليها هنا لا تذهبي للحمام! أمي كانت غريبة اليوم كيف أعمل (بيبي) بالصالون؟.. آنسة! إنتي هي المعلمة الجديدة التي أتت إلى مدرستنا؟ أمي قالت ستأتي آنسه جديدة فآنستكم ذهبت إلى السماء.

يا لهول الموقف الذي أنا فيه متى ستأتي سيارة الإسعاف أسئلة الفتاة لا أجوبه لها عندي وهل لأسئلة الحرب أجوبه عند أحد؟

ماذا يحدث؟ لماذا عدتم من غير المسعفين؟ لا يوجد، كيف لا يوجد طريق للإسعاف؟ كيف يحاصرون المكان هكذا؟ زئيييير زئييييير يقطع سلسلة أسئلتي على الزملاء ، بووم ، انفجار آخر. الهاتف يرن أتت الإشارة ألو!؟ ألو!؟ ماذا؟ أين أنتم؟ هل أنتم بخير؟ الانفجار بعيد عني. هل علي أن أفرح أم أحزن لأَنِّي لم أكن في القصف. كان غيري هناك، فإن لم تمت فهذا أصعب، أغلقت الهاتف دون كلام بعد أن أخبرني أحد الزملاء أن المشفى الميداني أصبح أرضًا مستوية، أعود إلى جميلة، أمسك يدها لا تخافي صغيرتي أنا معك هل تسمعيني جميلة؟ جميلة؟ فتحت عيناها الحمد الله أنت حية؟

آنستي هل سأموت؟ لا يا جميلة ما هذا الكلام فأنت مازلت صغيرة، الصغار لا يموتون إنهم عصافير، إذن آنستي، لماذا ماتوا إخوتي؟ يا إلهي ماذا أخبرها ؟ سكتتُ.. سينتهي هذا بسرعة آنستي لا تخافي أمي أخبرتني، جميلة.. جميلة.. جميلة..

المساهمون