كرة القدم والكولوسيوم.. دماء على العشب الأخضر

كرة القدم والكولوسيوم.. دماء على العشب الأخضر

27 اغسطس 2017
(روما، تصوير: جورجيو كوزوليتش)
+ الخط -


في كل موسم جديد بكرة القدم الأوروبية، ومع كل مباراة بين فريقين كبيرين تخرج صفحات الرياضة في جرائد العالم لتتحدّث عن "هيمنة" هذا الفريق على بطولة بعينها، أو "ثأر" هذا الفريق من فريق آخر يهزمه دومًا. ومع نهاية كل موسم والتأكّد من أسماء الفرق الفائزة بالدوريات والكؤوس تظهر كلمات أخرى مثل أن "فريقاً ما يجلس على عرش أوروبا"، "ذبح جميع خصومه" إلى آخر هذه التعبيرات.

ليس صعبًا إرجاع هذه العناوين القوية إلى قاموس حربي ملحمي بالأساس. وكأننا حين نشجع فريقًا على حساب آخر، خاصّة لو كانا فريقين متنافسين –عدوين لدودين- بتعبير القاموس الملحمي إياه، وسواء كان هذا التشجيع في الإستاد أو أمام الشاشة بالبيت، فنحن نأخذ صف أحد "المتبارزين" في "المعركة". وكأننا حين نشاهد المباراة، خاصّة في الاستاد، نستعيد على نحو لافت "طقوس المعارك الحربية" في الكولوسيوم الروماني.


جماهير الكولوسيوم والاستاد
قديمًا، كان الكولوسيوم (مسرح مهيب بقلب روما) يُستخدم في تقديم عروض قتال المصارعين والمسابقات الجماهيرية، وصيد الحيوانات والمعارك بين السجناء والحيوانات، وإعدام السجناء والمعارك البحرية الصورية وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة والأعمال الدرامية التي كانت تعتمد على الأساطير الكلاسيكية.

كانت جماهير الكولوسيوم دومًا من كل طبقات الشعب بدءًا من الإمبراطور أو القيصر مرورًا بالنبلاء والأغنياء وصولًا لعامة الشعب. وكلما كان الحدث أكثر أهمية كلما كان من المرجح أكثر، حضور الشخصيات الأهم ليزداد تفاعل العامة مع المعارك الحقيقية أو التمثيلية.

ليس صعبًا أيضًا الربط بين هذا الوصف وبين ما يحدث مع مباريات كرة القدم سواء للأندية أو المنتخبات، سواءً من ناحية درجات تذاكر الإستاد أو أهمية الحضور والحدث. روابط المشجعين، الهتافات ضد "الأعداء"، والسخرية من المهزوم، والصياح والصراخ دعمًا لفريقك بقلب المعركة، وإن انعدم القتل فيها، وأصبحت أقل دموية، وإن لم تخل من الدماء. فالإصابات الدموية تحضر أكثر كلّما اشتد الصراع على العشب الأخضر، وكلما كان بين الفريقين ماض أطول من التنافس: ريال مدريد وبرشلونة، مانشستر يونايتد وليفربول، روما وإنتر، يوفنتوس ونابولي.

الأمر ليس وكأنه هوس طفولي بحت يصيب المشجّعين المنتمين للفرق، وليس وكأنه رغبة في التفوّق على نحو ذكوري بالنصر على الأعداء. فثمّة قضايا كثيرة يراها الجنس البشري "نبيلة"، يمكن أن يجدها مشجع كرة القدم في اللعبة: كالإيمان الديني والسيادة القومية والشرف الشخصي والهوية العرقية والتي كان الناس على مدار قرون على استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيلها. فكرة القدم وليس الدين هي أفيون الكثير من الشعوب الآن، كما يرى المفكر الماركسي البريطاني تيري إيجلتون.

اليوم يبدو في الإمكان استحضار كل هذه المشاعر من خلال معركة "مجازية"، وتنافس "نظيف". كما يرغب مسؤولو اللعبة في التأكيد دومًا؛ لكن هذه التأكيدات تتجاهل التقاطات فوتوغرافية ولفظية من الاستادات ليس بالإمكان تجاهلها أو غضّ النظر عن تحليلها.

فمن السهل أن تظهر في أجواء كرة القدم ولاءات وعداوات قبلية، وطقوس وأساطير رائعة، وأبطال ورموز، ومعارك ملحمية. ثمّة جمال حسي وإشباع بدني أيضًا (دراسة علمية تقول أن فوز الفريق الذي تشجعه يزيد من إفراز المخ لهرمون التستوستيرون). كما أن الملاعب لا تخلو من استعراضات مهيبة لروابط المشجعين. وإحساس عميق بالانتماء. وهي بدرجة ما، وعلى نحو مفارق، وفي لحظات لافتة تقدم التضامن الإنساني والتجسيد اللحظي لطريقة العيش. ولولا هذه القيم لصارت حياة الكثيرين من مشجعي اللعبة خاوية بلا شك من معنى مركزي في الطريقة التي يحيون بها.

 

المساهمون