أحمد سبايدر.. حُبوب السيسي المهلوسة

أحمد سبايدر.. حُبوب السيسي المهلوسة

19 اغسطس 2017
+ الخط -

لم يسبق أن شهد تاريخ مصر الحديث، نظامًا في بلادة هذه "الفاشية العسكرية" الراهنة، بكل ممارساتها السياسية ومكوّناتها الانتهازية وأهدافها العدوانية، التي حوّلت المجتمع إلى بنى طائفية لها خطابها التحريضي ولا تتورّع عن بث عناصر الكراهية والتخويف والقمع داخله.

لا يعتمد نظام الجنرال السيسي على أدوات متقنة ومواهب فذّة، يمكنها صناعة مشهد سياسي متماسك يصمد أمام التحليل والمنطق، بالإضافة إلى رعونته وعدائه للقيم الدستورية والحقوقية للإنسان، يفتقد في كل أحواله إلى الأطر السليمة التي تحول دون تحوّله إلى صورة كاريكاتورية تثير السخرية والمرارة في آن معًا.

النخبة المصرية سواءً كانت مثقّفين أو إعلاميين وفنانين، ممن فقدوا صلاحيتهم، تحوّلت إلى نماذج باهتة لم تحقّق أدوارًا جادة في الدوائر التي تنتمي إليها. لكن يتحرّى عبد الفتاح السيسي، التخفّي وراءها لمحاولة التعمية عن قبح نظامه وسدّ فراغاته المتّسعة، وخلق مبرّر وشرعية لسياساته.

لكن هذه النخبة بكل تنوّعاتها ومرجعياتها، بلا وزن أو تأثير، تتهافت على السلطة بشكل مبتذل، ولا تملك حقائق ومعطيات عن الواقع، فتعيد جدل الماضي وإحياء الموتى، بل إنها حين تسهب في أحاديثها فتمسي كلماتها كأنها تمتمات الكهّان والدجّالين، وتقدّم خطابًا غير مفهوم لا يُعنى بشيء واقعي يمكن أن يكون ذا دلالة.

يمكن التطابق بكل سهولة بين هذا الحال وكل أركان النظام وأذرعه الساذجة، التي تعمد إلى تبرير تصرفاته، الخارجة عن العقل والمنطق، والتي تبدو في أحايين كثيرة مستفزّة وخارج التوقّع، وتحمل في طياّتها تناقضاتها التي تسفر عن الشيء ونقيضه في آن واحد.

فالإعلامي المصري، أحمد موسى، أحد وجوه النظام، في رمضان قبل الماضي، عندما طالب المصريين بالصبر على ضيق الحال، وتناول أنواع من الطعام رخيصة الثمن بغية التوفير والحض على عدم التبذير، تلاها في الفترة نفسها، عرض وجبته الثمينة ونهمه إليها، في أوّل أيام شهر الصيام، دون مراعاة للقيم التي أوجبها على المشاهدين، لتفادي عوزهم وبؤسهم الاجتماعي.

الأمر اللافت أن حالة الإعلامي المصري لا تختلف عن غيرها من حالات أخرى بتنويعات مختلفة، جميعهم يتقاسمون موهبة الكذب والافتراء، فضلًا عن دأبهم على نشر خرافات وتناقضات كثيرة وقصص وأوهام عن المؤامرات الكونية التي يدبرها النشطاء والإخوان "أهل الشر" ضد نظام السيسي ومصر.

يخلق السيسي نموذجًا شديد السطحية والسذاجة، لا يملك أدنى موهبة يتمتّع بها بمصداقية، حتى يمرّر به أطروحاته وأفكاره ودعايته مهما كانت، جهلٌ سائد متحكّم في توجّهاته وفقر شديد في بنيته الفكرية ومقوّماته المعرفية، تجعل من إدعاءاته منصّة للضحك إلى درجة الألم.

أحمد سبايدر، اسمه الحقيقي أحمد السيد المندوة، ذاع صيته في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، استثمرته إحدى قنوات "الفلول" التابعة لرجال أعمال مبارك، ثم وظفه نظام السيسي مع غيره لترويج الشائعات والافتراءات، لتخويف الناس من شبهة وجود مؤامرات "كونية وفضائية"، تمارسها شخصيات "أسطورية"، فبدأ حديثه حول تآمر الماسونيين أمثال وائل غنيم، وإسراء عبد الفتاح، وعلاء عبد الفتاح، وغيرهم من الشباب الذين كانوا رموزًا لشباب يناير أو لكونهم الأقرب لوسائل الإعلام في هذا التوقيت، باعتبارهم ينتمون إلى منظمة ملغزة لها طقوس طالما بدت للناس غريبة ومجهولة، وبالتالي، من السهل إلصاق أي تهم وأفكار بها، مثل كونهم يرغبون في نشر الكفر وعبادة الأوثان وحرق الأطفال وغيرها من الممارسات الشاذة لبث الرعب والإثارة ضدّ الثورة.

فكان هجومه ضد وائل غنيم الذي يتهمه زورًا أن المكان الذي يعمل فيه لا ينتسب له غير اليهود حسب زعمه، فيتساءل: "من الذي يقف وراءه حتى يصل في مثل هذا السن لمنصب مدير تسويق الشرق الأوسط في غوغل، هذه الشبكة التي لا يعمل بها سوى اليهود الذين لن يسمحوا لأحد أن يصل إلى هذا المركز أو يعمل بتلك الشبكة من الأساس إلا إذا كان عميلًا لهم".

وكانت بداية شهرة سبايدر بهجومه المستمر على وائل غنيم في عام 2011، متهمًا غنيم بأنه أحد الوسائل التي استخدمتها كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، لتنفيذ خطة أميركا في مصر وهي "الفوضى الخلاقة"، وأن أميركا استخدمته في إحكام تلك الخطّة.

ومن أسخف الحلقات في مسيرة سبايدر الإعلامية، في مطلع 2014 انتقل أحمد سبايدر إلى شخصية جديدة كانت تبحث عن موطئ قدم لها في السوق الإعلامي، حيث اتهم "أبلة فاهيتا"، أحد البرامج الكوميدية الساخرة، بالتخابر والتجسّس لصالح جماعة الإخوان أو جهات أجنبية، لم يحدّدها هو الأمر الذي أثار زخمًا إعلاميًا، حول الدمية المتحرّكة.

وتقدّم سبايدر ببلاغ للنائب العام وقتها يتهم "أبلة فاهيتا" بالتآمر وتضمين شفرات تحرّض على العنف في إعلان تجاري لشركة اتصالات يحمل عنوان "شريحة المرحوم"، وتطوّر الأمر عندما ظهر سبايدر في برنامج "الشعب يريد" مع أحمد موسى، لتفسير الشفرات المتضمّنة في الإعلان الذي ظهر مع الاحتفالات بأعياد الميلاد.

ورأى سبايدر أن شجرة الكريسماس في الإعلان هي عبارة عن نبات الصبّار "على غير المعتاد" كما أنها احتوت على أربعة أذرع في "إشارة إلى علامة رابعة"، التي أطلقها مؤيّدو جماعة الإخوان، واعتبر أن المصابيح الحمراء المعلقة على الشجرة هي رمز لقنابل، وأن حرف A على أحد الأذرع هو إشارة لجماعة "الإنكاريين الفوضويين". حاول سبايدر فهم بعض العبارات غير المفهومة، خاصة أن هذه الشخصية تستخدم مصطلحات خاصّة وغير مفهومة في بعض الأحيان، وقال إن بعض هذه المصطلحات تحضّ على ممارسة العنف ضد الجيش، وحذر من أن "أبلة فاهيتا" لمّحت في الإعلان إلى عمل تفجيري خلال شهر يناير.

الهيستيريا التي بدأت بحملة من التشويه المتعمّد لثوار يناير، بلغت ذروتها بعد الحكم العسكري والإطاحة بمرسي، عندما أفردت الصحف المصرية ومثلها الإعلامي الهزلي أحمد سبايدر، للحديث عن بطة "جاسوسة"، اصطادها مواطن وأبلغ عنها المخابرات الحربية التي سارعت إلى القبض عليها وأودعتها السجن.