لو كان ماكرون عربيًا؟

لو كان ماكرون عربيًا؟

24 مايو 2017
(في الحملة الإنتخابية الفرنسية، تصوير: جويل ساجيت)
+ الخط -

من الأشياء اللّطيفة التي واكبت فوز إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، نشر بعض الشباب العرب تدوينات في فيسبوك تذكّرنا بأنّهم في مثل عمر ماكرون. بينما لا يزالون (الشباب العرب) يبحثون عن عمل، أو يمارسون عملًا يلعنونه ليل نهار، لا تكفيهم رواتبهم الشهرية، ولا يحملهم إلى أيّ مكان، وقطعًا لا يستمتعون بأدائه.

ماكرون أشبه بالوردة الفاخرة التي زُرعت في مستنبت زجاجي وأحيطت بالرّعاية. كلّ علامة نموّ يتم الاحتفاء بها، وتشجيعها إلى أن يكتمل تفتّح الوردة. فيما يشبه الشّباب العربي الوردة البرّية التي لا يكترث أحد لأمرها، إن داسها حمار أو كلب. وحتى لو كان لونها جميًلا ومغريًا مثل شقائق النّعمان، فستذبل حالما تُقطف، لأنها لم تتعوّد إلا على الأرض البور، ولن تستطيع التأقلم في المزهريات التي لن توفّر حاجاتها، ولن تكون غير زينة قصيرة العمر.

لو كان ماكرون عربيًا لكان الآن يحضّر القهوة لأحد زعماء حزبه، لعلّه يُدخله في كوتا الشّباب مثلًا، أو يضعه في أسفل لائحته المفتوحة. ومع ذلك سيفرح "الشّاب السياسي الطويل البال" بوجود صورته في منشور انتخابي يُدسّ تحت أبواب الجيران، ويمكن أن يُريه لأمّه. ثم يصعد في الانتخابات اللّاحقة بضع درجات في اللّائحة، هكذا يمكنه في الخمسين أن يصبح نائبًا برلمانيًا محترمًا، يتقاضى مبلغًا مهمًّا مقابل "اللّاشيء" الذي يقوم به، في ولايته التي انتخبته.


الشّباب عندنا، الشّباب عندهم
في الثّلاثين يكون الشّاب قد حقّق كل ما يحتاج إليه "بيت، عمل،.."، والفرص متاحة أمامه ليزدهر في عمله، أو في المجالات الأخرى مثل العمل السّياسي أو المدني. وبمجرّد أن ينخرط الشاب نفسه في حزب، يصبح عضوًا فاعلًا. أمّا إذا أظهر علامات مشجّعة على إمكانات قيادية، فيتم تبنّيه وإحاطته بكافة الظروف الملائمة للنمّو السريع، بحيث يمكنه الترشّح في أقرب انتخابات، ثم يُدفع به إلى أعلى لائحة التّرشيح والمناصب بسرعة صاروخية، المهم أن يكون له قدرة على ذلك. لأنّ الأهم في نظر الحزب، هي مصلحة الحزب، لا مصلحة قياداته.

هذه المصلحة التي تلعب على كل الأصوات، وتدرك أن سياسيًا شابًا أكثر قدرة على الوصول إلى كافة الفئات، كما أنّه سيكون استثمارًا سياسيًا بعيد المدى، حيث تكون مدّة "صلاحيته" السّياسية أطول أمدًا، من خلال تكرار ولاياته الانتخابية، وحصد شعبية تعتمد على تراكم الخبرات، والتجارب. ليتمكّن حزبه من البقاء في السلطة بشكل أطول، بعودته بعد استراحة قصيرة إلى الأضواء، وبالتالي يكون العائد السياسي مجزيًا في بورصة المواقع.

عندنا يوضع الشّاب عند انخراطه الحزبي، على الهامش وكل ما يطمح إليه أن يدبّر الحزب له عملًا ينتشله من بئر البطالة. يعده المسؤولون بمستقبل سياسي، ويقوم هو بحسن نية بخدمتهم لسنوات، ثم في آخر المطاف قد يتجاوزه العمر، دون أن يدخل إلى "كوتا" الشّباب ولا حتى إلى المجلس الوطني للحزب.

فقط إذا كان ينتمي إلى عائلة نافذة قد يجد نفسه وزيرًا بين ليلة وضحاها، حين يحتاج حزب أمّه أو أبيه أو عمه إلى بيدق سياسي يملأ به منصبًا حصل عليه في مساومة سياسية بائسة، مثلما حدث للوزيرة المغربية لمياء بوطالب، التي وجدت نفسها وزيرة في الحكومة المغربية الحالية، دون استحقاق، وكانت طريقة كلامها محطّ سخرية في فيسبوك من أسابيع، خاصّة بعد أن نسيت اسم حزبها في حوار صحافي.


لو كان ماكرون عربيًا
لو كان ماكرون عربيًا، أقصى ما كان ليطمح إليه أن يكون وزيرًا من الدرجة الثالثة. مثل الوزير المغربي مأمون بوهدهود الذي لم يسمع عنه أحد منذ دخوله الحكومة السّابقة في سن الثالثة والثلاثين، إلى نهاية ولايتها. وحين نعرف أنّه ينتمي إلى عائلة سياسية من حزب إداري عائد بقوّة إلى السّاحة، وهو التجمع الوطني للأحرار "نفس حزب الوزيرة السّابقة الذكر"، يبطل العجب الذي رافق فترة استوزراه الخفيّة عن الأنظار.

لنعرف أنه لم يكن سوى استرضاء سياسي، وملء للمناصب بمن له نفوذ أكبر في الحزب، وهي عائلته، أما هو فغالبًا كان خلال فترة استوزاره يسيّر شركته التي أنشأها في فرنسا، بدون أن يشغل نفسه بهموم الوزارة. وبالتالي هو غير محسوب على أي طموح سياسي، ولا يشكّل نموذجًا لشباب شقّ طريقه إلى القمّة، بل هؤلاء في أحسن الأحوال سيصلون لها في كهولتهم، بعد حفر استثنائي في خاصرة النّخب السياسية، واللّعب على كل الحبال المعلّقة.


لو أنّنا نصل إلى البرلمان فقط
نظام "الكوتا" في المغرب، يتيح لثلاثين شابًا الدخول إلى البرلمان، لكن كثيرين من هؤلاء، بلغوا أو أوشكوا على بلوغ الأربعين، وهو الحد الأقصى للشباب وفق المقاييس المغربية. بينما في معايير الشّباب في تعريف الأمم المتحدة، لا يتجاوز سنّ الشباب فيها 24 سنة فقط. وبالتالي فمن يتجاوز هذه السنّ هو خارج كل الإجراءات التّمييزية لصالحهم، لأنه وفق المعايير الدولية فالشاب في هذه السّن، يكون قد أنهى دراسته، وحصل على عمل، وبالتالي يعدُّ راشدًا، وله كل مقوّمات السّعي نحو تحقيق طموحه دون مساعدة.

في تونس حيث لا توجد "كوتا" للشّباب، لا تمثّل نسب الشباب في الحياة السياسية أي تمثيلية حقيقية لهم. حيث أشارت دراسة أجراها المرصد الوطني للشباب بالتعاون مع منتدى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أنّ نسب الانخراط الحزبي لم تتجاوز 2.7%. في حين أنّ نسبة حضور الشباب من الجنسين إلى الاجتماعات الحزبية والانتخابية تقارب 22.3%.

فيما وصلت نسب التّسجيل الإرادي للاقتراع في الانتخابات الماضية للفئة العمرية من (18 إلى 30) 20% (وفق تصريحات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات). أما في ما يتعلّق بترشّح الشباب ضمن قائمات حزبية أو مستقلّة، فلم تتجاوز 3% من جملة التّرشيحات في المرتبة الأولى أو الثّانية في القائمة. وبلغت نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات التّشريعية في تونس 11 في المائة، وفي الرّئاسية 15 بالمائة، وهي نسب ضعيفة جدًا مقارنة مع نسبة الشّباب في المجتمع.


ماذا نفقد بشيخوخة السّياسيين؟
لنتخيّل شركة تُشغّل الشيوخ فقط، أو الكهول. شركة يبدأ التّوظيف فيها من سن الأربعين إلى الثمانين أو إلى حافة القبر، "إن استطاع العرب إلى ذلك سبيلًا لمارسوا السياسة من القبر نفسه". كم ستكون مدة "صلاحية" هؤلاء الساسة؟ أربعين سنة مثلًا، تبدو فترة معقولة، لكن بأي مردود؟ أو أي نتيجة؟ في الغرب عادة يميل كثير من السّاسة إلى اعتزال العمل السياسي في الستين أو السبعين غالبًا.

عندنا ليس هناك اعتزال لها، تجد أن معارفك في السّبعين قد فقدوا كثيرا من قواهم الجسدية وطرواتهم العقلية، وأصبحوا شيوخًا وعجائز صعاب المراس. يميلون إلى سرد حكايات عن أمجاد الشباب. في الوقت نفسه، ترى وزراء ورؤساء حكومة ورؤساء دولة عندنا، يمسكون بزمام الأمور إلى آخر نفس في الحياة، ولو بلغوا مائة سنة فلا يعني ذلك شيئًا مثل التقاعد، فهو ممنوع من "الصّرف"، ولا محل له من الإعراب لديهم.

تخيّل لو دخل معظم السّاسة البرلمان في سن الثلاثين، سيقضون فترة برلمانية أولى، ثم غالبًا يتولّون مسؤوليات حكومية في فترة ثانية. وبعدها يمكن للبارزين أن يكونوا رؤساء حكومة في نهاية الثلاثينات. ويمكن أن يعاد انتخابهم في منتصف الأربعين، ثم يغادرونها في نهايتها. عندها يمكن لهم، في سن الخمسين أن يبقوا قيادة حزبية وازنة. وقد يعودون إلى المسؤولية بشكل أو بآخر، أو يساهمون في حملات انتخابية لمرشّحين آخرين من حزبهم. سيغادرون في الستّين معترك السياسة، لكن بعد خدمة ثلاثين سنة بمردودية كبيرة، في الحزب وفي البلاد.

مثلًا نجاة بلقاسم وزيرة التّعليم في الحكومة الفرنسية السّابقة ذات الأصول المغربية. بدأ اهتمامها بالسّياسة سنة 2002، حين تمكن المرشح الرئاسي للجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من اكتساب ما يكفي من الأصوات لدخول جولة الإعادة. فانضمّت إلى الحزب الاشتراكي على أمل أن تحدث فرقًا ما، وفق تعبيرها. وارتقت درجات السّلم السياسي بسرعة بعدها. حيث كانت في الفترة بين 2004 و2008 مسؤولة عن السّياسة الثقافية في منطقة رون– ألب. في 2007، كانت المتحدّثة الرسمية باسم المرشحة الرئاسية للحزب الاشتراكي، سيغولين رويال، التي خسرت الانتخابات الرّئاسية أمام نيكولا ساركوزي.

وبين 2008-2013، كانت نائب عمدة مدينة ليون. وعندما دخل هولاند الانتخابات الرّئاسية في 2012، عيّن بلقاسم في منصب المتحدّثة الرّسمية باسم الحملة الانتخابية. وعقب فوزه، عيّنها في منصب وزيرة حقوق المرأة والمتحدّثة الرسمية باسم الحكومة، ثم وزيرة للشّباب والرياضة، ثم وزيرة للتّعليم.

عشر سنوات بين دخولها السياسة، وأوّل منصب وزاري لها، وبينهما مسؤوليات سياسية مهمة، مكّنتها من اكتساب خبرة كبيرة لا يمكن أن تكون لدى وزراء مغاربة شباب مثل الذين سبق ذكرهم. ويمكنها العودة لاحقًا، لمناصب أهمّ، ولن تكون سوى في بداية الأربعين. وبدون شك، لو بقيت في المغرب لما حقّقت كل ذلك، وهي المنحدرة من أسرة متوسّطة الحال، لا عصًا سحرية لها، أو مكنسة.

المساهمون