حرب داخل الأمعاء الفارغة

حرب داخل الأمعاء الفارغة

21 مايو 2017
أين القومية التي كانت تنزلنا إلى الشوارع وتعلمنا نقاوم؟!(Getty)
+ الخط -
تُرى هل قدرنا أن نتحول إلى كائنات غير متصالحة مع ذاتها.. ذات تتشظى كثيراً وأمام مرأى من يبصرون بخار قطار السابعة في أفلام الكاوبوي، هل أدركنا في لحظة ما سر هذه الحداثة المعطوبة بتعبير الشاعر محمد بنيس، أم أن حراس القيم ارتكنوا إلى صورهم المطاطية على صفحات فيسبوك، وهم يعلنون عن تضامنهم الصامت بل والأخرس تجاه إضراب الأسرى.

أين تلك القومية التي كانت تنزلنا إلى الشوارع وتعلمنا أن نقاوم؟ أيناك يا محمود ويا مرسيل ويا قعبور.. أين تلك الحركات التي كانت تجلجل الصمت العربي، وتخدش حياء السلطة الخرساء التي اكتشفنا كم هي واهنة في بيت العنكبوت..

من هو المثقف اليوم؟ أهو الذي ينتج المعنى في النصوص بمختلف أحجامها؟ أم هو الذي ينتج فكرة ويدافع عن تحققها في أرض الواقع؟؛ هذا الواقع الذي يتهافت على تفسيره كائنات أصولية في قناع حداثي، تكاثروا مثل الفطريات، وصاروا يتبجحون بسيجاراتهم الكوبية أمام المرايا المقعرة والمحدبة التي كانوا بالأمس القريب يتهافتون عليها في الأكشاك، والآن يبيعونها بالتقسيط المريح على الرغم من توفرها رقمياً..


تُرى أين صوت المثقف العربي الذي لم يعد ينزل إلى الشارع ويصرخ؟ بل يكتفي اليوم بتغيير صورته وألوانه حسب الموجة التي تعبت من حركية ركوده التي تنتظر القيامة المتأخرة كثيراً عن موعدها هذه المرة بسبب كائنات لا يراها سوى الممسوسين برغبتهم الدائمة في احتكار الله.

نحتكر كل شيء بما في ذلك الهواء الفاسد، ونتوهم أننا سنبيعه بالتقسيط لمن يريد أن يقبرنا، ويجعلنا وجهاً لوجه مع موت مؤجل إلى حين حتى لا يغضب أدونيس ونينار ومكاشفاتهما التي لم نتعلم منها أي شيء.

حرب الأمعاء الفارغة يقابلها اليوم جوع وبخل في إنتاج صور متوازنة عن قضايا كانت إلى العهد القريب تمثل قضية وطنية بالنسبة إلى الشعوب العربية التي لم يتبق منها سوى الاسم الجريح بتعبير مفكرنا الخطيبي الذي لم نفكر أبداً في تصوراته عن الهويات الهاربة والاختلاف المتوحش الذي بات مهدداً لكل أشكال المقاومة بما فيها المقاومة الرمزية.

إن الحاجة اليوم ليست في بناء موقف كما تعودنا بل في بناء روح وجسد يُدغم فيهما العقل والفكر والرغبة في جعل أفق التناسج الداخلي أولوية ضمن مخطاطات تعلمنا الذي يربي فينا نظريات الهروب إلى أي مكان بما فيه أمكنة الارتدادات التي تعمل على محو الصوت الخفي الذي يصنع حلم الشعوب في التحرر والحرية.

إن معركة الأمعاء الفارغة هي نداء خفي من أصوات حرة لم ترتكن إلى بواعث الخيانة، تواصل سيرورات المجد الذي بتنا نسخر منه بفعل مبررات عديدة.

أن نصرخ معناه أننا موجودون حقاً على هذه الأرض التي تستحق الحياة على الرغم من حرائقها المقيتة، وعمليات المحو الجماعية داخل مقبرة أصواتنا المبحوحة.

ماذا لو كانت الآلهة تسمعنا، وتخجل من نداءاتنا التي سرعان ما تغيرها موجات البث الأزرق، وتحولها إلى مجرد لوحة زيتية تحمل وجهاً غامضاً يغمض عينيه كي لا يرى بشاعة المشهد.

هذا المشهد بقدر ما يعلمنا أن نقاوم بقدر ما يربك صوت وصورة وأنياب مثقف أصبح مثل بالونة يحلم بكرسي يناسب حجم نصوصه التي تتيه وسط ضجيج أصوات النقرات الخفيفة التي بالكاد بات يسمع رنينها من هاتفه الذكي.

المساهمون