آية حجازي ..بطلة في مصر وخائنة في أميركا

آية حجازي ..بطلة في مصر وخائنة في أميركا

23 ابريل 2017
(دونالد ترامب و آية حجازي، تصوير: جيم واتسون)
+ الخط -



اتهامات بالتخوين والعمالة، طاولت الناشطة الحقوقية آية حجازي، صاحبة مؤسّسة "بلادي"، المهتمة بتأهيل أطفال الشوارع منذ عودتها إلى القاهرة بعد تخرّجها في جامعة جورج تاون، وحصولها على درجة الماجستير في القانون، حيث تقدّمت بطلب لوزارة التضامن الاجتماعي، للحصول على موافقة تسمح لها بتأسيس جمعية قانونية، لمساعدة الأطفال وتقديم الدعم لهم.

وبالرغم من الموافقة القانونية على مزاولة نشاطها الحقوقي في المقرّ الذي اتخذته بالقرب من ميدان التحرير في وسط العاصمة، وُجهت لها تهم من نوع: " تأسيس جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال جنسيًا وتصوير المقاطع الإباحية والمشاركة في التظاهرات وجمع التبرّعات". والتي أسفرت عن سجنها في مصر، لمدّة ثلاث سنوات.

تسبّب لقاء حجازي التي تحمل الجنسيتين الأميركية والمصرية، بعد الإفراج عنها، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحملها على متن طائرة عسكرية أميركية، برفقة مساعد عسكري لترامب، في ظهور حالة عدائية تجاهها من طرف الذين أبدوا تعاطفًا سابقًا تجاهها، ودافعوا عنها من حقوقيين ونشطاء غير مرتبطين بالدولة أو النظام على أي نحو.

فضلًا عما تواتر من معلومات بجهود سريّة من دوائر رسمية بالإدارة الأميركية، لمتابعة تنفيذ مطلب الرئيس الأميركي، الذي وجّهه بشكل مباشر لنظيره المصري للإفراج عنها.

وجاء الحكم ببراءة آية حجازي وسبعة أشخاص آخرين بينهم زوجها، مخالفًا لتوقّعات الإدارة الأميركية التي وعدتها الرئاسة المصرية باستخدام سلطاتها للعفو عنها، وهو ما وقع بعد أقل من أسبوعين، على استقبال ترامب للسيسي في البيت الأبيض في 3 إبريل/ نيسان الجاري.

اللافت في الأمر بكل ما يحمله من التباسات وتناقضات شديدة، هو التهافت على ردود الفعل والمواقف المبتذلة التي تستدعيها اعتبارات انفعالية خارج المنطق والعقل، ووقوعها تحت إكراهات خطابات أيديولوجية مغلقة ووطنية مهترئة، ما يؤدّي إلى خروج الموقف ونقيضه، بدون الشعور بأدنى اختلاف أو مبرّر وراء تغيّراته.

تحوّلت آية حجازي بين لحظة وأخرى، من مناضلة رفضت التخلّي عن جنسيتها المصرية لتنال حرّيتها، ومثابرة على تجبّر الدولة وفاشية النظام إلى متّهمة بالعمالة والجوسسة. ففي ظل حالة الاستقطاب الشديدة يُصبح من السهل دخول أطراف منطقة تعصمها من النقد وتعزلها عن الهجوم.

فالقضية لا يمكن تصفيتها على أسس أخلاقية؛ تصمها بالإدانة وتجرّدها من حقوقها الوطنية أو تمنحها صفة القداسة والنقاء الثوري. فاستبداد النعرة الوطنية وجموحها الأيديولوجي الذي توظّفه الدولة لتغذية حالة من العداء، وفيض من الكراهية يتوزّع بعشوائية، حول المتآمرين والتابعين لهم سواءً في الداخل والخارج، ويحرّض على ظهور حرّاس الوطنية بنزعة فاشية تهدر السياق العام وتسقط في فخ الأحكام العامّة المعيارية.

إذا ما تحرّرنا من تلك الدوائر المغلقة وتبعاتها الضيّقة، والانفعالات الديماغوجية التي تصنعها، يمكننا توجيه نقد للناشطة آية حجازي، بدون اتهامها بالجوسسة والمؤامرة أو تخوينها على أي نحو، وبدون أن تستدعي مشهدية لقائها بترامب رهافة الشعور الوطني وإحساسه بالضعف والامتهان أمام "الشيطان الأكبر"، وتعويض هذا الشعور المخزي بتخطئة الطرف المتحالف معه- والذي سبق وتورّطنا في الدفاع عنه- بالتنصل منه وإعلان "الخديعة الكبرى".

فليس ثمة فارق بين السيسي وترامب؛ يصنع من الأخير رمزًا، يحدو بالناشطة الحقوقية أن تظهر إلى جواره وتمنحه شرعية المدافع عن الحقوق والحرّيات، وهي تعرف أن هذه الصورة التي جمعتها به، لن تخرج عن نطاق الدعاية والتوظيف البراغماتي باعتبارها أداة سيستفيد من وجودها الرئيس الأميركي في الاستهلاك المحلّي لصالحه، يحوز من خلالها رصيدًا شعبيًا.

فضلًا عما كان يُتوقع أن تتّخذه من مسافة حيادية من السلطة ومقاومة إغراءاتها وتوظيفها السياسي لها، فإن موقعها الحقوقي ونشاطها في المجتمع المدني، كان يضطرها لرفض هذا الاستغلال، والتصدي لفضح التسوية التي تمت بين نظامين تخرج من مدارات تأثيرهما واستقطابهما.

فأحدهما تابع للآخر، وممثل لمصالحه ويتّخذ من حليفه "القوي" غطاءً لممارسة القمع وتثبيت شرعية الظلم في بلاده باعتباره وجهًا آخر للفاشية، التي يمارسها الأوّل على العالم ببلاهة وصلف غير معهودين، كما لم تساهم في توسيع هامش الحريّة في مصر أو تحسين أوضاع حقوق الإنسان.

لكنها ساهمت في حدوث انتهاكات بالغة للحالة الحقوقية في مصر، ومصادرة المجال العام، فيما توثّق قضيّتها أحد فصولها الممتدّة بالدرجة نفسها التي أنهت بها الفتور القائم بين الإدارتين المصرية والأميركية، وخلق تعاون جديد وتفاهمات واضحة، تجلّت مثلًا في قضية آية حجازي، وتبدّل الموقف المصري اتجاهها من عدم رضوخه لمطالبات الإدارة الأميركية في فترة أوباما، بإسقاط التهم عنها، وهو ما اعتبرته الخارجية المصرية، وقتها، في بيان رسمي: "استهانة بمبدأ سيادة القانون والتعامل معه بانتقائية وطالبت الخارجية بالمثل بالإفراج عن المحتجزين المصريين في السجون الأميركية".

من ناحية أخرى، ثمّة تفاصيل شديدة الوضوح حول مواقف ترامب السياسية والخارجية، من العالم العربي وغيرها من القضايا، كانت تحتاج إلى مواجهة سياسية وتصدٍ لها؛ مثل دعمه لعدد من الديكتاتوريات العربية، وما يحمله من أفكار نيوكلاسيكية عن الاقتصاد ستنعكس آثارها الخطيرة على المجتمع الأميركي والوضع الاقتصادي المصري المتأزّم، فترامب بكل ما يمثله من أعراض اليمين الشعبوي لا يكف عن توطين سياسة مافيوية، أو كما وصفها العديد من خبراء السياسة عقب فوزه بالرئاسة الأميركية، بأنها لحظة تشبه صعود الفاشية أو وصول النازيين للحكم بالانتخابات في ألمانيا.

المساهمون