الأزمة التركية-الهولندية في الإعلام الفرنسي.. شهر عسل مع السياسيين

الأزمة التركية-الهولندية في الإعلام الفرنسي.. شهر عسل مع السياسيين

20 مارس 2017
(برج إيفل يضيء بألوان العلم التركي، تصوير: إفريم أيدين)
+ الخط -

لا شكّ أن الجميع قد اطّلع، سواءً في القنوات التلفزيونية أو في صفحات الجرائد، أو مواقع الإنترنت، على مقالات تحليلية أو أنباء عن الأزمة بين تركيا وثلاث دول أوروبية بالأساس هي النمسا وألمانيا وهولندا. إن كانت هذه الأزمة قد بدأت تأخذ طابع توتر تركي-أوروبي، فإن تجلّيها الأبرز والأوضح الذي استجلب اهتمام وسائل الإعلام يبقى الأزمة التركية-الهولندية لأنها وصلت إلى حد قطع العلاقات بين البلدين وتهديد أنقرة لاهاي، بالعقوبات.

إلا أن رصد التغطية الإعلامية في فرنسا لهذه الأزمة، وتداعياتها يبدو مفيدًا لإبراز توجّه عام لوسائل الإعلام الفرنسية وقسم كبير من الطبقة السياسية الفرنسية إزاء تركيا أيًا كانت حكوماتها.

منذ بداية الأزمة، لم تتوان وسائل الإعلام بمختلف أطيافها المرئية والمسموعة والمكتوبة عن الخوض فيها، بل وتصدّرت عناوينها. تشعر وأنت تقرأ ما يُكتب عن تركيا بإحياء عصر المواجهات بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية. لا يتمّ التغاضي عن أيّة فرصة لانتقاد تركيا وتحميلها تقريبًا كل أزمات المنطقة، وحتى بعض أزمات أوروبا لاسيما الإرهاب وأزمة اللاجئين رغم جهود تركيا الواضحة في هذا الصدد.

فرغم أن هذه الأزمة تتميّز بفعل ورد فعل، أيًا كان مستواهما، فإن جانب منع السلطات الهولندية لوزيرة تركية من الالتقاء بمواطنين أتراك في روتردام، ومنع التجمّع الذي كان مزمعًا يتم إغفاله. في مقابل ذلك يجري التركيز على حادثة محاصرة السفارة الهولندية في إسطنبول وإنزال العلم الهولندي من قبل المحتجّين، و"الاستغلال السياسي للحادثة من قبل أردوغان".

مثلما سبق ذكره، تصدّرت أنباء الأزمة وتصريحات الرئيس التركي أردوغان العناوين الرئيسية في فرنسا، أكثر حتى من الصعوبات القضائية التي يواجهها أكبر المترشّحين للرئاسيات القادمة في فرنسا من اليمين الفرنسي: فرانسوا فيون ومارين لوبان.

ونشرت صحيفة "فالور أكتيال" الافتتاحية عن المواجهة بين الدولتين، لافتة النظر إلى أن "الوجهة التركية ستتأثر بتناقص أعداد السيّاح"، وكأن الأمر دعوة غيرُ مباشرة لمقاطعة السياحة التركية.

لم تتوانَ قناة "بي.أف.أم.تي.في" من جانبها، عن عرض تقرير عن عمليات اختراق لحسابات تويتر بعض السياسيين الفرنسيين ووسائل الإعلام، ونشر كتابات على جدرانهم باللغة التركية، تُرجمت على أنها تعبير عن الغضب الشعبي في تركيا ضد هولندا وأوروبا بشكل عام.

باستثناء عملية القرصنة في حدّ ذاتها، فإن محتوى المنشورات لم يتمّ التركيز عليه ما خلا نقطة واحدة، وجود صليب معقوف. ربما في محاولة للربط بين عمليات القرصنة هذه والنازية. علاوة على ذلك، تمّ لفت النظر لتغيير صور البروفايلات في الحسابات المقرصنة بعلم الإمبراطورية العثمانية. وكأنّ كل الوسائل متاحة لإبراز وإحياء النزاع التاريخي بين الدول الأوروبية والسلطنة العثمانية.

من جهتها اتّهمت صحيفة "لوبسمن" بشكل صريح الحكومة التركية "باستخدام النازحين للضغط على أوروبا"، في عنوان مانشيت كبير، ولكن ذلك قد يبدو مضحكًا عندما نلفت النظر إلى أن تركيا قد استقبلت ملايين النازحين من بلدان وجنسيات عديدة. في المقابل، بينما عانت الحكومة الفرنسية الكثير من اعتراضات اليمين من أجل حل أزمة 12 ألف نازح كانوا يعيشون في ظروف مزرية في المنطقة التي تعرف بالغابة في كالي، في الشمال الغربي لفرنسا.

القناة الحكومية الفرنسية "فرانس 24" انحازت بدورها بشكل واضح في استعراضها لتفاعل وسائل الإعلام مع القضية، وركّزت على إبراز الانتقادات السياسية من اليمين واليسار لمواقف الحكومة التركية، وقضية "استغلال اللاجئين"، وأكثر من ذلك، مسألة قبول و"تساهل" وزارة الخارجية الفرنسية مع عقد وزير الخارجية التركي تجمّعًا مع الجالية التركية في ماز بفرنسا.

من جانبه السياسي اليميني فرانسوا فيون، الذي يواجه صعوبات قضائية كبيرة هذه الأيّام، لم يمنعه ذلك من إدانة كلمات الرئيس التركي في اتهامه "للسلطات الهولندية بالنازية".

على غرار المرشّح فيون، هاجم مرشّحو الرئاسة في فرنسا، ومتحدّثوهم، في غالبيتهم السياسة التركية والرئيس أردوغان، إذا ما استثنينا المرشّحين آمون وماكرون.

اليمين المتطرّف بقيادة مارين لوبان، سارع لاستغلال الأزمة للتأكيد مجددًا على رفض أي احتمال ولو مستقبلي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أيًا كانت الحكومة فيها، أي حتى ولو كانت ذات توجّه علماني.

نيكولا دوبونتنيون، مرشّح رئاسي أيضًا، ذهب إلى أبعد من ذلك بإدانته "لمنح" مبلغ 5 مليارات دولار حسبه لتركيا في إطار اتفاق تسيير اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ولكنه أغفل ذكر أن المبلغ لم يقدّم للحكومة للتركية، بل يمثّل مشاريع يتولاها ويموّلها الاتحاد الأوروبي لصالح اللاجئين السوريين في تركيا، وأن ما يتحمّله الاقتصاد التركي يفوق ذلك بكثير.

خلاصة القول، إن كل الوسائل، بما فيها الكذب والمغالطة، متاحة للتهجّم على تركيا. بعد كل هذا يجدر بنا ربّما التساؤل حول التفاسير المنطقية التي يمكن إعطاؤها لهذا التوافق بين الطبقة السياسية الفرنسية ووسائل الإعلام، ما خلا استثناءات قليلة، على هذه العدائية. فإذا ما عدنا إلى كتابات بعض المختصّين الجامعيين في الشؤون التركية؛ فحتى قبل وصول الحزب الحالي للحكم، كانت مسألة انضمام تركيا تثير الجدل، ودائمًا يتمّ إيجاد مبرّر لإرجاء ذلك دون إعلان الرفض الصريح. أي أن المسألة لا علاقة لها بتولّي حزب العدالة والتنمية للحكم من عدمه، بل هو رفض يكاد يكون مسلّمًا.

خليل أوذاينية - فرنسا

المساهمون