الأتباع المتوقعون لحركات التطرف والعوامل الدافعة (1- 3)

الأتباع المتوقعون لحركات التطرف والعوامل الدافعة (1- 3)

14 مارس 2017
المقاتلون البلجيكيون بسورية والعراق أكثرعدداً من أي بلد أوروبي(Getty)
+ الخط -
الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقال في القاعدة الفقهية، ولا يمكن التعامل مع أي ظاهرة إنسانية دون وجود تصور معرفي واضح لها، يساعد هذا التصور في فهم بنيتها وأبعادها وعمقها، ومن ضمن هذه الظواهر، التي شغلت الرأي العام والخبراء على حد سواء، الإرهاب ومواصفات الأشخاص الأكثر عرضة للانخراط في حركات التطرف، وفي القلب منها داعش، علماً بأن بعض الدراسات أشارت إلى أنه في معظم الحالات، فإن الشباب المجندين في صفوف تنظيم "داعش" هم الذين سعوا إلى الانضمام إليه، وليس هو من سعى إلى تجنيدهم.

وبدراسة هؤلاء الأتباع نجد أن ثمة عوامل متداخلة تساهم في جعل الشباب يتهاوى بحثاً عن مخلص يحررهم من إحباطهم، وهذه السلسلة تحاول تسليط الضوء على الأتباع المتوقعين للحركات الإرهابية والدوافع الداخلية والخارجية التي تقودهم إلى ذلك المسار.


الأتباع المتوقعون لأسباب ودوافع خارجية:

1. الراغبون في تحسين وضعهم الاجتماعي
ومنهم الأشخاص الذين ينجذبون من خلال الإغراءات المالية، أو الذين التحقوا من أجل توفير الدعم المالي لهم ولعائلاتهم، وهؤلاء في الغالب متواجدون في أماكن الصراع.

وكذلك الطموحون الذين يواجهون فرصا غير محدودة قد تكون الفرص غير المحدودة سببا في الإحباط، شأنها شأن الفرص النادرة أو المعدومة، عندما تكون فرص المستقبل بلا حدود فلا بد أن ينعكس هذا على هيئة رفض للحاضر، وإن النداءات القومية والتضامن العرقي والديني والثورة تجد استجابة بين الأشخاص الذين يرون فرصاً لا حدود لها في المستقبل تفوق الاستجابة التي توجد بين أشخاص يعيشون حياة يومية رتيبة يمكن توقع كل ما فيها.

ومُحدثو الفقر وهم الفقراء الذين لم يطُل فقرهم ويحنون إلى الرغد الذي عاشوا فيه، فيكونون بذلك عرضة للإحباط، ويمكن أن يسارعوا إلى الالتحام بأي حركات متطرفة صاعدة، أما الفقراء فقراً مدقعاً فهم محصنون ضد الحركات المتطرفة؛ لأنهم يعدون أي وفرة معجزة، فالصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة يحفز على الجمود لا على التمرد، ليس البؤس الفعلي هو الذي يدفع إلى الثورة بل طعم الأشياء الطيبة القادمة.

إن إحباط الفرد حين يملك الكثير ويريد المزيد أكبر من إحباطه حين لا يملك شيئا ويريد القليل، فيغامر في سبيل الحصول على الكماليات أكثر مما يغامر لكي يحصل على الضروريات.

2. طالبو الثأر أو العدالة
وهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من مجموعة "المسلمين المضطهدين" التي يتم قمعها من قبل الغرب أو الأنظمة المستبدة كما في سورية، ويتوجب عليهم الانتقام للضحايا، وأيضاً طالبو العدالة الذين يستجيبون لما يرونه ظلماً يستهدف أهل السنة والجماعة.

3. العاجزون عن التأقلم بصفة مؤقتة
وهم أولئك الذين لم يجدوا بعد موقعهم في الحياة ولكنهم ما زالوا يأملون في الحصول عليه، مثل المراهقين، أو خريجو الجامعات العاطلون عن العمل، والجنود المسرحون من الجيش، والمهاجرون الجدد، فهؤلاء العاجزون عن التأقلم بصفة مؤقتة خائفون على سنوات عمرهم أن تذهب هدراً قبل أن يحققوا أهدافهم، لذا يمكن أن يستمعوا إلى نداءات الحركات المتطرفة، ولكنهم ليسوا مثاليين إذ إنهم سرعان ما يخرجون منها عند أول بارقة أمل للتأقلم مع العالم الذي يعيشون فيه.

4. الأقليات
الأقلية هي جماعة فرعية تعيش بين جماعة أكبر، وتكوّن مجتمعاً تربطه ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله، ويعتبر وضع الأقلية حرجاً دائماً بصرف النظر عن الضمانات المستمدة من القانون أو من القوة التي تتمتع بها، وذلك يولد شعوراً بالغربة وعدم الأمن، وإن الإحباط الذي ينشأ عن ذلك ينقص في حالة الأقلية التي تنوي الحفاظ على هويتها، ويزيد في حالة الأقليات، التي قررت التفكك والذوبان في المجتمع.

فالأقلية التي تحافظ على هويتها تشكل بالضرورة كلا مترابطاً يحمي الفرد ويعطيه شعوراً بالانتماء وتحصينه ضد الإحباط، ومن الناحية الأخرى في الأقلية التي تنوي الاندماج يجد الفرد نفسه واقفاً بمفرده يواجه التفرقة العنصرية والاضطهاد بشكل أو آخر.

يلاحظ أن نسبة المقاتلين من بلجيكا في سورية والعراق مقارنة بعدد السكان أكثر من أي بلد آخر في غرب أوروبا، ففي إحصائية 2015م لوحظ أن المنظمين لحركات التطرف في بلجيكا 40 شخصا من بين كل مليون، وفي الدنمارك 27 شخصا من بين كل مليون، وفي فرنسا 18 من بين كل مليون، ولدى العديد من الشباب إشكاليات تأقلم في بلجيكا؛ رغم أنهم ولدوا وترعرعوا هناك، حيث يشعرون بأنهم منبوذون، وليست لديهم فرصة في المجتمع.

وإلى هنا نكون قد أنهينا الحديث عن الدوافع الخارجية للانخراط في حركات التطرف، وفي المقال القادم ننتقل إلى الأسباب والدوافع الداخلية الذاتية.

المساهمون