"الموديل العاري" في لبنان.. الفنّ في مدارس المليشيات

"الموديل العاري" في لبنان.. الفنّ في مدارس المليشيات

11 مارس 2017
(في بيروت، تصوير: باترك باز)
+ الخط -
الطلّاب اللبنانيون الذين اختاروا طوعًا أو قسرًا أن يتخصّصوا في دراسة الفن التشكيلي في الجامعة اللبنانية، لم يكونوا على علم أنّ جهات مليشياوية ستحدِّد لهم المواد التي سيدرسونها.

في بداية الثمانينيات، قرّرت القوى الحزبية الشِّيعية التي سيطرت على الفرع الأوّل لمعهد الفنون الجميلة في الروشة، والمتمثّلة في حركة "أمل" و"حزب الله"، حذف ما تعتقد أنه لا يتلاءم مع "القيم الدينية"، فقامت بإلغاء مادة "الموديل العاري" واستبدلتها بمادة "الموديل شبه العاري".

قرَّر الحزبان المسيطران على إدارة هذا الفرع، أن الطلاب جميعهم مسلمون، وأنهم جميعهم يعتبرون هذه المادة غير لائقة بأخلاقهم وبدينهم، وأن دراسة جسم الإنسان غير أساسية في اختصاص الرسم.

وقرّرا أيضًا، أنهم هم المسؤولون عن رفع سقف القيم الأخلاقية لطلّاب هذا الفرع وهم المؤتمنون على تطهير المنهج من أي عُري، فانحصرت دراسة رسم الجسم برسم الهيكل العظمي، ورسم موديل غير عارٍ، وفي أكثر الأحيان يرتدي أكثر مما يجب بسبب غياب التدفئة في الصفوف.

ولكن هذا "التطهير" حصل فقط في الفرع الأوّل. أما في الفرع الثاني حيث السيطرة كانت لأحزاب أخرى غير مسلمة، فتمّ الالتزام بالمنهج الرسمي.

في عام 2005، تم تدشين المبنى الجديد للجامعة اللبنانية في منطقة الحدث، والذي كان يفترض أن تنتقل إليه الفروع الأربعة لكلية الفنون الجميلة، ولكن لأسباب سياسة، انتقل إليه فقط الفرع الأوّل الذي كان يتّخذ من مبنى سكني في الروشة مقرًا له، في حين لازمت الفروع الثلاثة الأخرى مبانيها.

ومع انتقال فرع كليّة الفنون الجميلة الأوّل وغيرها من الكليّات إلى الحدث، ازدادت سيطرة الحزبين لتصل إلى إقامة مجالس عاشوراء، ومنع أي نشاط فنّي تتخلّله الموسيقى، وازدادت مضايقة وتهديد الطالبات غير المحجّبات بسبب ملابسهن من قبل طلاب تابعين للحزبين. كما زادت وبشكل لافت ومستغرب نسبة المحجبّات ومرتديات الشادور في قسم الفن التشكيلي.

وفي حين تم تعديل المنهج والتبديل البنيوي في أنظمة التسجيل والامتحانات والترفيع حيث أصبح يعتمد على الأرصدة والفصول، وإضافة اختصاص الفنون الإعلانية وتفعيل قسم التلفزيون والسينما، إلا أن مادة "الموديل العاري" لا تزال محظورة على طلاب الفن التشكيلي.

هذا يعني أنه ليس لدى كل طلاب الفن التشكيلي في الجامعة اللبنانية الرسمية الفرص المتكافئة نفسها من التحصيل العلمي. وهذا يعني أيضًا، أنَّ الحرب التي يُفترض أنَّها انتهت، أبقت على سلطة من كان موجودا إبان غياب الدولة في أكثر المؤسّسات أهمية، بما أن المليشيات ذاتها أصبحت جزءًا من الدولة وكوفئت بمراكز نيابية ووزارية.

ولا يعود أمرًا مستهجنًا تكسير محلّات بيع الخمور، وضغط رؤساء وأعضاء البلديات - التابعين بمعظمهم للحزبين - على محلات بيع الخمور في المناطق الجنوبية لإقفال محلاتهم معتمدين على نص قانون عثماني لا يزال ساريًا يُمنع بموجبه بيع الكحول في الأماكن التي يسكنها مسلمون حصرًا.

وطبعًا سيكون تفصيلًا لا يستحق الذِّكر أن بلديّات في وقت سابق طلبت من مقاهي الإنترنت فصل الإناث عن الذكور، تمامًا كما يحصل في مدارس وكشافة هذين الحزبين، وتفصيل أيضًا أنه لا يسمح لأي زائرة لا تضع منديلًا على رأسها أن تدخل إلى مستشفى تابع لأحد الحزبين.

هذا طبعًا عدا عن احتكار الحزبين للمساجد والحسينيات والجدران والهواء، إن كان باليافطات أو بالصور الحزبية والدينية أو بالأدعية ومجالس العزاء عبر مكبّرات الصوت، أو بخطب رجال السياسة والدين مع أو من دون مناسبة.

ويصبح من المستهجن، في ظل الواقع الفيدرالي الذي يطبقه شيئًا فشيئًا هذان الحزبان على المناطق التي لهما نفوذٌ فيها، أن تسمح هذه الأحزاب باستمرار تعليم مادة التشريح في فروع كليّات الطب الواقعة تحت سيطرتها؟ وكيف يسمحون للأطباء الذكور بفحص المرضى الإناث؟

طلّاب اختصاص الفن التشكيلي الفعليين، وليس المزروعين من قبل الحزبين في هذا الاختصاص، سيتمكّنون دائمًا من الاجتماع في منزل أحدهم أو إحداهن ورسم "موديل عاري"، لكن مقولة ضمان الدولة للحريّات العامة، ولاستقلالية مؤسّساتها، فتلك كذبة كبيرة.

المساهمون