كتّاب فيسبوك.. اعترافات تحت الطلب

كتّاب فيسبوك.. اعترافات تحت الطلب

14 فبراير 2017
(تمثال شكسبير التذكاري في كاتدرائية ساوثوورك/ Getty)
+ الخط -
على الرغم من دَور موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كمنصّة مهمّة للتواصل الإبداعي أو كوسيلة تعريف بتجارب مختلفة لم نكن لنسمع عنها بسبب السلطة الثقافية في الصحف، ودور النشر وروابط الكتّاب وغيرها. إلا أن الدور السلطوي بدأ يأخذ أشكالًا جديدة غير ناضجة في التعامل مع هذه السلطة، سواءٌ من الجمهور الذي أصبح هو المُعلي لشأن كثير من الكتّاب بغض النظر عن عمق أو إبداعية أو أصالة تجربتهم، أو سلطة الكتّاب أنفسهم تجاه بعضهم، ليُصبح التركيز على إطلاق أحكام قيمية أكثر منه على العمل الإبداعي.


عقدة الجمهور "الافتراضي"
لا يزال حجم التفاعل مع النص الإبداعي على فيسبوك، يؤطّر بتنميطات محدّدة؛ كالنظرة الاستخفافية من البعض على من يحصلون على مئات "اللايكات" والمشاركات على كتاباتهم الأدبية، ذلك باعتبارهم يحاكون غريزة المتلقّي ولا يعملون على تجربتهم.

وإن صحّت النظرة أن بعضهم يعمل على إعادة خلق الأحداث بآلية محدّدة ومتكرّرة بقوالب لا تتغير، تعتمد على خلق الدهشة، والتي قد تكون قتل جزء من الحالة الأدبية التي تعتمد إيصال الحالة الشعورية الدقيقة والحساسة جدًا، لتقوم تلك النصوص التي تعيد صناعة الدهشة اللحظية باستخدام واستنزاف للحالة الشعورية (كاستنزاف ثيمة الحرب وما فيها)، وهذا الاستنزاف أو الركوب على الحالة شعريًا يقتل الحالة الحقيقية وصولًا إلى الدهشة المُفرغة والمكرّرة، ويُصبح النص الشعري هنا، مشابهًا تمامًا لما يقدّمه الشريط الإخباري الأحمر لأعداد القتلى والذي لم ننتبه إليه على الإطلاق.

لا يتوقّف الأمر عند قتل الكاتب لتجربته، بل إلى تفريخ تجارب مشوّهة/ مشابهة تعمل على نفس الخط.


ذكاء القارئ
على جانبٍ آخر هناك شعراء لا ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى الشاعرات والشعراء الذين يعتمدون على الجنس المقابل من خلال الكتابة على حجم الشهوة، وسنجد أن كتابًا كبارًا ومعروفين استطاعوا أن يصلوا إلى المتلقي وأن يؤمنوا بأن القارئ الآن أذكى من السابق، وأنه يستطيع أن يميّز النص الجيّد من الأقل أو الأكثر جودة.

تتأثّر علاقة المتلقي بطريقة تعامل الكاتب نفسه مع غيره ومع نصّه مع التعليقات التي تأتيه، العلاقة مع الجمهور يجب أن تكون ذكية، سواء بطريقة عرض النص وحجمه وطبيعته وحتى في الساعة التي ينشر بها إن كان الكاتب يريد فعلًا من فيسبوك أن يكون منصّة لكتاباته، لأن هذا الموقع تفاعلي، وعدم وضع المتلقي بعين الاعتبار أبدًا لا يعني غباءه بل عدم احترام الكاتب لطبيعة هذه العلاقة في هذا المكان، وعليه أن لا يستخدم هذه المنصة، أو عدم استخدامها أدبيًا على الأقل مع أهمية الدور الذي قد تلعبه.


عقدة الكاتب تجاه الكاتب
العديد من الكتاب والمبدعين تخلّوا عن حساباتهم في فيسبوك، بسبب الأجواء غير الصحيّة التي أصبحت تعمّ الحالة الثقافية عمومًا فيه والأدبية منها بشكلٍ أخص. هذه الحالة التي أصبحت تفرض على الكاتب أن يكون له رأي في الكتّاب الآخرين، وحكمٌ على كل تجربة، وهذا ما يؤدّي إلى فرز ضمن "شلليات" متنافرة في الخفاء ومتصالحة بشكل فردي في المحافل العامة، وأصبح على الكاتب أن يقدّم تقريرًا بالكتاب الذين يعجبونه والكتاب الذين يكرههم لكل كاتب يتعرّف عليه.

أن لا يكون لك رأي أو حكم قيمة تجاه الآخر، أو أن تنشغل فقط بمشروعك الإبداعي سيؤثّر في علاقتك بالآخرين ونظرتهم إليك، وأن تقوم بالحديث عن رأيك الصريح تجاه الآخر في وجهه أصبح أمرًا شبه معدوم. وهذا ما أدى في الآونة الأخيرة إلى عودة الإبداع إلى كونه إنجازًا فرديًا خالصًا، لا يمكن له أن يتطوّر مع آراء الآخرين أو لا يجد الكاتب بيئة نقدية فعّالة تعتمد على التفكيك لا على إطلاق أحكام القيمة بشكل اعتباطي، وهذا ما يصل بنا إلى قتل التجربة، تحاول بصمة خاصّة بشكل تراكبي متأصّل لا انفعالي مما يعيدنا إلى التجارب التي ذكرت في الأعلى والتي تعتمد على إعادة تدوير الدهشة.

هل يتعدّى الفيسبوك كونه منصّة تفاعلية فعّالة، للتعريف بالتجارب الإبداعية والقراءة لها خارجه، ليصبح المعمل الذي يُصنع فيه النتاج الأدبي ويعاد تدويره ويتناسخ فيه الكتّاب، وهل يساعد حقيقةً على قتل التجارب الإبداعية الحقيقية، من خلال أحكام الكتاب المطلقة على بعضهم وعدم قدرتهم على رؤية حجم التجربة وتطوّرها الطبيعي الذي يمرّ به كل كاتب؟ ويتم إخصاء هذه التجارب إما بوأدها والنظرة السطحية لها، أو تعظيمها بما لا تحمله لتتوقّف وتضمر وتموت.

المساهمون