ضد حركة النسوان العربية

ضد حركة النسوان العربية

13 فبراير 2017
+ الخط -

لن تتمكن من المضي قدمًا إن لم تتوقف عن عيش ماضيك. هكذا تقول الحكمة.

بمناسبة المظاهرات التي خرجت في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي ودعا إليها "اللوبي الأنثوي البيئي" ecofeminism وحرضها الوجود السياسي الوقح للاقتصاد البطريركي الذي يعتمد لتدوير رأسماله على تجارة الحروب، وينشر "أمراضه" على طول أنابيب نقل الغاز والنفط، كالجرذان داخل أنابيب التصريف. 29 مظاهرة في كندا و25 في المكسيك، وواحدة في لندن، وعشرون في المدن الأميركية أكبرها كان في العاصمة واشنطن.

لحظة صمت تفرضها مشاهدة أخبار المظاهرات -وتأتي في حيز أصغر بكثير من الحيز الذي يفرده الإعلام لأخبار سوق الدمار وأسعار الدولار والروبل والليرة التركية وأسعار اللاجئين وأعداد المرتزقة وديون الحكومات الآيلة للسقوط- لكن الإعلام من ضمن مؤسسات ومسارب السلطة العالمية ومسرب آخر من مسارب رأس المال.

كل هذا ونحن هنا: لا نزال نحاول أن نجد تمثيلاً لنا، صوتاً لا تتم المتاجرة به وتكريسه من أجل مآرب لا تفيد سوى في زيادة فوضى حياتنا وبلادتها. يجب أن نحمي رجالنا وأطفالنا والبقية الباقية من إنسانيتنا من لعبة الحرب وسوق الدمار. نحميها من كل ما هو خاطئ وعاجز وسبب إضافي للفشل الذي وضعنا في قاع العالم..


الوقوف ضد الحركة النسوية
لغويًا: النسوية من نساء، وهو جمع نسيء، والنسيء كما ورد في معجم لسان العرب هي المرأة التي تأخر عنها الحيض فرُجي حملها، وتحمل معنى التأخر، لذا فهن نساء لاشتراكهن بصفة التأخر. والنسيء من الذكور هو المتأخر دينًا وعقلًا.

هناك قسم آخر لا يوافق مقولة المعجم ويعترض عليها لتقاطعها مع سورة النساء وإرباكها لبعض الأعراف الدينية. لكن وحتى هذه الحالة فالنساء جمع لا مفرد له، بل جمع امرأة. أي أنها حركة المرأة -وهذا ما دعا إليه أول من دعا رفاعة الطهطاوي ومرقص فهمي وقاسم أمين- ثم بقدرة إلهية وبمساهمة جدية من أحزاب سلطاتنا سقط هذا الاسم وجمعت المفردة، وجمعًا تكون حركة النسوان!


تاريخيًا
طرحت الحركة في الغرب المفردة الإنكليزية (feminism) عام 1890 -وكانت قد بدأت أفكارها قبل ذلك بتسعة عقود تقريبًا مع بداية الثورة الفرنسية التي ألهمت بمبادئها عن المساواة والحرية النساء؛ فكانت مسيرة النساء الأولى في التاريخ الحديث بصرخة "إلى الإليزيه"- وحملت أفكار تبشيرية وتعاريف ملتبسة بعض الشيء، ثم حركتها الحرب العالمية الأولى ومغادرة الرجال الحرب وترك العمل للنساء ثم عودتهم ومطالبتهم بإعادة سوق العمل لهم، والأفكار الاشتراكية والكتب والمطبوعات، وبروز أعلام في الفكر الإنساني كماركس ولينين ودي بوفوار وسارتر... وكانت هذه هي الموجة الأولى.

توضحت المفاهيم أكثر بقليل في الموجة الثانية بين عامي 1960 - 1970 وأججتها مظاهرات ضد الحرب الأميركية على فيتنام ودعوة للسلام العالمي وحرية الإنسان. قدمت هذه الموجة مفردات تفرق بين الجنس كحالة بيولوجية و"الجنوسة" كحالة اجتماعية وسايكولوجية. وكانت هناك خطوات عملية حركتها ظروف تغير سوق العمل نتيجة لتطور وسائل الإنتاج من جهة وانشغال الرجال بحروبهم من جهة أخرى.

أما في الثمانينيات، فتدخلت الموجة الثالثة وصححت بقسوة بعض التباسات الموجة الثانية وأعادت للرجل دوره فيها وللطبيعة وجودها لترسي بما بلا يقبل الشك المصطلحات والفوارق بين الأدوار، واكتملت بمقررات ووثائق عمل تبنتها الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي بمؤتمر بكين وبكين +5 وبكين +10 -يمكن البحث عنها في غوغل، والبحث عن ضغط اللوبي الأنثوي في الأمم المتحدة على قرارات جورج بوش الابن والنشاطات المريبة لشركات النفط وتجاوزاتها في أميركا والعالم.

وبينما (feminism) دلالة واضحة على الأنثى: الجزء الأنثى من المرأة والجزء الأنثى من الرجل وكلا الذكر والأنثى أجزاء متكاملة في الطبيعة تحدد بما لا يقبل الشك أن المرأة والرجل أدوار تفاضلية في المجتمع، وأحيانًا خيارات جنوسية في السرير. ربما كانت مفردة (النسوية) أقرب لاشتقاق إنكليزي غير حقيقي هو الـ womanism.

بدأت الحركة العربية كدعوة لتحرر المرأة ولتتساوى بالرجل: وهذا مُبرَّر جدًا في البداية العربية للحركة -أسوة ببداية الحركة في الغرب- وترافقت مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798؛ فدعت النخب العربية التي درست في الجامعات الأوروبية إلى تقليد الثقافة الغربية محاولة للخروج من حالة التخلف والأمية والفقر؛ فبرز رفاعة الطهطاوي بعد عودته من فرنسا عام 1831. ثم بعده نهاية القرن التاسع عشر قدم مرقص فهمي كتابه "المرأة في الشرق" وأحدث هزة عنيفة لأنه نقل موضوع المرأة وحقوقها إلى حلبة الصراع مع المعتقدات الإسلامية ثم جاء دور قاسم أمين في كتابه "المرأة الجديدة". ثم تابعت تمثلها بالحركات الغربية كالأفكار الرأسمالية عن العائلة والأفكار الاشتراكية عن المساواة، ومتابعة الأدبيات الشيوعية التي تعاظم تأثيرها أثناء حركات استقلال الدول العربية.

ووقفت الحركة هنا ولم تتطور، بل بدلًا من التأثر بالحركة الغربية أضحى الغرب بحركته الأنثوية سيدًا مرة أخرى على هذا الجزء التعيس من الشرق. والأنكى أنه تم ترسيخها لغويًا وتاريخيًا واجتماعيًا، كحركة "نسوان" (womanism) من قبل القوى التي اعتلت السلطة في البلدان المستقلة. وبعد قرنين ونيف لا تزال في مكانها ولا تزال كما جلبها قاسم أمين ورفاعة الطهطاوي ومرقص فهمي: تدافع عن الدور الاجتماعي كما لو أنه حقيقة طبيعية كونية.

من جهة أخرى، تتلذذ وتتفنن سلطات العالم الثالث بقمع الرجل الذي تنعته بجندي القضية "بغض النظر عن القضية" وتتهمه الحركة النسوانية بأنه محور الشر!


سياسيًا
تناسب حركة النسوان العربية -التي ركدت فأسنت- أنظمة العالم الأخير فأنشأت كل الدول العربية من دون أي استثناء روابط ومنظمات "نسوانية" اجتماعية وثقافية تزين عباءتها "العلمانية" وتحصرها في مكاتب صغيرة تحت سيطرتها فتعطلها.

مثلًا، تدعي أن المرأة قد نالت حق الانتخاب؛ أي القدرة على هز رأسها كما ترغب السلطات، وهز الرأس يجب أن يكون بالتناسق مع شريكها الرجل الذي سبق ونالت منه السلطة ذاتها كما أسلفنا.

أيضًا، تدّعي أن المرأة قد شاركت الرجل سوق العمل، لكن الحقيقة أنها فقط انتقلت من جناح حرملك جنسي صرف، لجناح حرملك وظيفي لا يسمح لها بتجاوز حدوده.. وطبعًا تم وضع بعض النسوان هنا وهناك وزيرات للثقافة أو السياحة أو مستشارة. لست واثقة من عمل الأخيرة تمامًا أو توصيفها الوظيفي، لكن مهما يكن.

العمل الأنثوي - الإنساني الحقيقي تم قمعه بحدة وعنف، وأما وجود الحركة على الأرض فلا يزال سطحيًا بمعية الضغط والقمع الممنهج للنسوان والرجال في بلداننا السحرية التي وصلت القاع، وبعد حركات الربيع العربي أفرزت القوى المعارضة ما كانت تفرزه الأنظمة ذاتها وعادت بعض النسوان هنا وهناك يزينّ هذا الائتلاف وذاك الاجتماع وبعض البيانات.. قليل من المنظمات ترعاها بعض القرارات الأممية تستلمها نسوان يحققن تمامًا ما هو مطلوب منهن ببلادة فلا نرى نتائج على الأرض، لا هنا ولا هناك، يسلموهن جوائز حسن سير وسلوك!


أخيرًا
من منظار العصاب الذي أعاني منه كامرأة في مجتمع إنساني يعتنق الأعراف البطريركية في الحرب والعمل والحياة: هذه الحركة -بدليل اسمها- يعود للمؤامرة الكونية العظمى على الجنس البشري لبقاء الذكورة وانتفاء الأنوثة. فيبقى الرجل -من دون الاعتراف بأنثاه- مشوهًا، والمرأة -غير معترف بدورها التكاملي- قاصرة، والجنس الثالث لا وجود لكل تنوعاته والأدوار الإنسانية التي يلعبها الفرد الإنساني في المجتمع - أو في السرير.

تاريخيًا، علينا احترامًا للدعاوى الأولى لتحرر المرأة العربية، واحترامًا لحركة النضال الأنثوي العالمي التي استطاعت خلق تأثير حقيقي وفاعل على سن قوانين وتشريعات عالمية من أجل صحة الكوكب، وللحد من حرية الشركات العابرة للقارات والتي تستطيع فرض قوانين مناسبة لتجارتها من دون حساب أو قلق على بلدان عالمنا الأخير -فقط على عالمنا الأخير- وتمرر صفقاتها مع ذكورنا الأشاوس في قمم أهرام السلطة لدينا؛ أقول علينا أن نقف ضد حركة النسوان العربية وقد فشلت بإرساء مسرب لأي من أفكارها النظرية في المجتمع، أو تطبيق أي منها على أرض الواقع العملي أو السياسي أو التشريعي -باستثناء ما ترغبه حكوماتنا ومما يزيد من أبهة ادعاءاتها العلمانية- أو حتى بكسب ثقة النسوان اللواتي تدعي تمثيلهن.. وفشلت بالوصول لأي من الرجال.

ذهنيًا، أن نقف ضد النسوية كإشارة -لغوية على الأقل- مغلوطة أخرى ليضيّع هذا الشعب الفقير دربه مرة بعد مرة.

والآن: تبرز حاجتنا لحركة أنثوية يقف فيها الرجال والنساء ضد الحرب التي تحتاجها حركة رأس المال. ضد القمع الاجتماعي الذي يرزح تحت ثقله المرأة والرجل الذي يضطر منذ الطفولة لإقصاء أنثويته ليبقى ذكرًا مشوهًا مناسبًا للعمالة التي تطلبها سلطات العالم الأخير.

المساهمون