الصداقة: بديلنا الآمن للوحدة

الصداقة: بديلنا الآمن للوحدة

18 أكتوبر 2017
+ الخط -

خلق الله حواء لسيدنا آدم؛ لتكون زوجة له في الجنة، وعلى الأرض في ما بعد.. والأهم من دور الزوجة هو توفير الونس للمخلوق البديع آدم؛ فقد خلق الله آدم وهو يعلم أن لا بد له من أنيس، رفيق، صاحب يجعل حياته ذات معنى وأبعاد ووجهة محددة.. لعبت أمنا حواء دور الصديق والرفيق والزوجة المُؤنسة.. خلقنا الله من العدم، وهو يعلم أننا فُطرنا، كأبينا آدم، لا نستعذب حلاوة الحياة، حتى لو كانت في الجنة، إلا إذا اكتملنا بالأُنس والصُحبة.


* * *


تتعدد أوجه عطاءات الله، ورزقه، ورحماته، لكن تظل منحة الصديق الصدوق في مرتبة مختلفة عما سواها؛ فالصداقة لا تشتريها الأموال وإن كثرت، ولا النجاح أو المكانة الاجتماعية، ولا حتى الأخلاق الطيبة؛ فكم من ذي أخلاق طيبة وقع في شراك أسوأ الناس واتخذه صاحبًا.. الصداقة في المرتبة الأولى رزق، وباقيها اجتهاد ومحاولة للحفاظ على هذه المنحة الربّانية.


* * *


في مصر، يُقال في المثل الشعبي: "الصاحب ساحب"؛ فاعلم أن جزءًا لا بأس به من تكوين شخصيتك في المستقبل، وربما نجاحاتك أو إخفاقاتك الحياتية، يتوقف على دائرتك المُقربة من الأصدقاء.. وهذه النقطة بالذات لا ينتبه لها الناس، مع أنهم يدققون في اختيار الزوجة أو الزوج، مع أن تأثير الصداقة في حياتك أهميته لا تقل كثيرًا عن تأثير شريك الحياة.


* * *


يتعكز المرء على صديقه، وإن كان بصديقه أضعاف ألمه؛ فالألم بين الأصدقاء يُقتسم كرغيف الخبز؛ عندها يصير أهون كثيرًا؛ فالألم عكس السعادة، كلما اقتسمته مع مَن تألفه روحك، قلّت وطأته الضاغطة على الروح.


* * *


دروس الصداقة فادحة التكلفة والجُرح؛ لذا لا تُنسى.. فالانكسار ليس الحب والارتباط العاطفي مصدرًا وحيدًا له، فكم من الناس كسرتهم علاقات صداقة مُهلكة؛ اُستنزفوا معنويًا حتى الثمالة؛ حتى قاربوا على الامتلاء بشعور أنهم مُفرغون من أي شيء، مجرد جسد محشو بالهواء.. تتعلم أن الصديق الطيب الذي لا يتوانى عن نجدتك أهم ممن يجيد الكلام المعسول، ويختفي عندما تصرخ روحك تطلب العون.. وأن صديقك المُفضل ليس المطابق لك في الطباع، بل يأتي التكامل من الاختلاف الكُلي أحيانًا في بعض الطباع، لكن تظل البوصلة الرئيسية للروحين منطبقتين.. وأن أغلى ما ينتظره المرء من صديقه هو التقبُّل؛ أن يحبك ويرضى بك كما أنت، وليس ليعيد تشكيلك على مزاجه، هذا الحب غير المشروط كفيلٌ بدعم روحك، وأحيانًا يكون هو كل ما تحتاجه لتظل صامدًا على الدرب.


* * *


لا تصادق أنانيًا ولا كذوبًا ولا مَن لا قلب له؛ فالصداقة فعل مُحبٌ معطاء، ومن لا يعرف العطاء أو الصدق أو الحب، لن تجني من صداقته إلا المزيد من الألم.


* * *


يومًا ما، أخبرني صديق متزوج أنه يعتقد أن من شروط الزواج الناجح أن تجد مساحة من الصداقة بينك وبين زوجتك؛ فالصداقة الحقيقية هي ما تجعل تشارك الملل، وهو المسيطر على حياة معظمنا، شيئًا متقبلًا للإنسان من دون ضجر؛ فأنت في رفقة صديقك تجد دومًا طريقة ما لكسر الملل والروتين اليومي، حتى لو عن طريق تبادل المزاح في وقت الكدر؛ فزوجين تجمعهما الصداقة بجانب الحب يستطيعان تقبُّل زلاتهما وتقصيرهما تجاه بعضهما بعضًا، من دون عناء كثير.

المساهمون