المنظمات الإغاثية.. قوالب جاهزة

المنظمات الإغاثية.. قوالب جاهزة

18 ديسمبر 2016
(مدرسة اليونيسيف بسورية، صورة: أمير المحباني/ فرانس برس)
+ الخط -

بدأت دفعات من المدنيين المحاصرين بالخروج من حلب الشرقية، بعد معاناة مريرة مع أشدّ حالات الخوف للإنسان وأكبرها أثرًا وعمقًا. وفي حالات الحروب عادة أو الكوارث، يكون خروج المدنيين بعد معاناة طويلة مع الخوف وأخبار الموت والفقدان والصدمات النفسية، وهذا يتطلّب تدخلًا نفسيًا مباشرًا من المنظمات التي تعنى بالدعم والتعامل مع حالات كهذه.

أينما سيذهب هؤلاء المدنيون، سيجدون حتمًا من ينتظرهم من هذه المنظمات. ولكن من هي تلك المنظمات؟ هل أصبحت تؤدّي ما هو المطلوب منها بشكل فعّال بعد خمسة أعوام من الثورة، وبالتالي خمسة أعوام من المعاناة. هل أظهرت أي جاهزية لحالات كهذه، بعد أن غدت المجازر والإبادات والتهجير والنزوح حالات متكرّرة.

خلال السنوات الخمس الماضية، كان مستوى تلبية هذه الحاجة وتقديم الدعم المناسب للمتضرّرين دون المستوى المطلوب، إذ اقتصر هذا الدعم على تقديم أنشطة ترفيهية للأطفال، وتعليم المراهقين مهارات الحياة حول كيف يمكن بناء فريق واحد وغيره من الأهداف والمحاور غير مناسبة للحالة النفسية للطفل، بعد صدمات حرب متكرّرة، وغير مناسبة للحالة العامة في الحرب، فالطفل إن كان حقًا بحاجة لتعليم مهارات الحياة، ربّما يمكن أن يتعلّمها حين يستطيع أن يتقبّل أزمته النفسية أولًا، ثم مساعدته على الإقبال على مزيد من التجارب التي يحتاجها، وليس بتلقينه كيف يمكن تكوين فريق واحد بطريقة المؤسّسات التربوية الرسمية.

أمّا الفئات الأكبر فلم يتم الالتفات إليها إلا مؤخرًا، ورغم أنّه يمكن تقديم الكثير من المساعدة من خلال هذا الدعم إلا أنّ ما يتم التركيز عليه غالبًا، لا يتعدى موضوع "كيف تتعاملين مع زوجك"، و"ما هي حقوق المرأة"، و"كيف تربين طفلك" بشكل بعيد جدًا عن الثقافة المجتمعية للأشخاص الذين يتعاملون معهم، فهم يقدمون لهم هذه الدروس، كما لو أنّهم يتحدّثون من عالم آخر تمامًا، أمّا الرجال فلهم تقريباً مكان فقط في التدريب المهني بورشات العمل.

وغالبًا يكون منفذو أنشطة الدعم هذه سواءً كانت للأطفال أو للكبار، مجموعة شباب غير متخصّص في هذا المجال، ولكن حضر ورشات تدريبية مختلفة، ومن المعروف أن أطول ورشة تدريبية تم تقديمها لا تتجاوز عشرة أيّام، وغالبًا تمنح شهادات حضور وليس اجتيازا، وأغلب هذه الورشات مكرّرة بلا أي اختلاف عن بقيتها، ورغم وجود العديد من المتمكّنين في هذا المجال إلا أن عدد غير المختصين يكاد يكون أكبر.

أما ما يتناول الجانب النفسي، فالأمر لا يتجاوز وجود طبيب نفسي في أحسن الأحوال، مع مجموعة من المختصين النفسيين يقدّمون جلسات علاجية فردية لا تتجاوز الثلاثين دقيقة في كل مرة.

لا يمكن لأحد أن ينكر أهميّة المواضيع آنفة الذكر، بغض النظر عن الطريقة التي تقدّم بها، ولكن هل حقًا تناسب أن تقدم كبرامج داعمة نفسيًا واجتماعيًا لمتضرّرين من أهوال حرب مريرة، هل هذه هي المحاور الأساسية التي يحتاجها أي إنسان بعد خروجه من كابوس عاش فيه أقصى ضغط نفسي يمكن أن يتعرّض له الإنسان؟.

ولو كان الحال هذا يقتصر على المنظمات في الداخل السوري فقط، لكان الأمر أقل مما هو الآن، لكنه ينطبق تمامًا على المنظمات في كل من تركيا ولبنان أيضًا. معظم المنظمات التي تعنى بشؤون النازحين أو اللاجئين السوريين في هذا الجانب لا تخرج عن هذا القالب الجاهز.

هذه المشاكل التي تعتري المنظمات لا تتيح أي مجال لتقديم بيئة داعمة لمن يحتاجها، بل تزيد الآمر تعقيدًا في بعض الأحوال. إذ نتيجة لنقص التأهيل المناسب يتم ارتكاب الكثير من الأخطاء غير المقصودة من قبل منفذي الأنشطة، أو الذين على احتكاك مباشر مع هذه الفئة، وربّما أحيانا قد يصل الأمر إلى ارتكاب أخطاء من قبل الأطباء النفسيين في وصف الأدوية، مما يؤدي إلى حالات أكثر تعقيدًا طبيًا أو وفاة المريض، كما حدث في إحدى المنظمات النفسية في حلب الغربية.

لعل آخر ما ينتظره الخارجون من براثن الموت، هو مواجهة المزيد من التعقيد والضغط، فأين هي المنظمات في تحقيقيها الدعم اللازم الذي تدّعي تقديمه، أم أنها غير غير مهتمة أساسًا بهذا الجانب، وما يهمّها فعلاً هو كسب المال لا غير.

المساهمون