"سيت كوم" أصحاب الـ 6 آلاف دولار

"سيت كوم" أصحاب الـ 6 آلاف دولار

09 نوفمبر 2016
(أمام ملصقات الانتخابات البرلمانية، تصوير: سترينجر)
+ الخط -


لطالما كانت لدي قناعة راسخة - ناتجة عن انطباع أوّلي- بأنّ البرلمان الجزائري لا يعدو أن يكون سوى قاعة تجمّع فقط، وأقول عن انطباع أوّلي؛ لأنّي لم أكن قد تابعتُ ولا جلسة من جلساته التي تبثّ عبر التلفاز، ولكن خلال الأيّام السابقة، ولظروف انقطاع النت وقلّة الكتب، اضطررت لمتابعة بعض المشاهد، كانت كافية لتغيير رأيي في الموضوع، فهذا البرلمان ليس مكانا للتنكيت فحسب على شاكلة ما يقوم به النائب المعروف بـ "سبيسيفيك"، بل هو يستحقّ لقب "المصحّة العقلية"، حيث يجلس النواب فاغري الأفواه أمام الكاميرات.

ما يدور تحت قبّة البرلمان، يُشعرك أن الانخراط في العمل السّياسي، ليس إيمانًا من السياسيين بمشروع ما، أو نقل انشغالات المواطنين، بقدر ما يعني ذلك الاستفادة من الرواتب والسّفريات والمزايا، وربط علاقات داخل أروقة الملتقيات والنّدوات تحت يافطة النضال.

الرّغبة في النفوذ وتنمية الثروة، هي السبب الرئيسي للترشّح للبرلمان؛ وهذه العيّنات السياسية، تجدها متشابهة في كل شيء؛ في اللباس والخطاب والرائحة والتملّق للحكومة والنظام، يصرخون في الاجتماعات دفاعًا عن مشروع لا يعرفون عنه شيئًا، وربّما هو غير موجود أصلًا، ويتقرّبون من النافذين في السلطة، فالحكومة تشعر بالاطمئنان تجاه ما يدور حولها، والنائب يشعر بالراحة في مقعده بالبرلمان، والشعب يكتفي بالتفرّج.

يُكلف نائب بالغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، الخزينة العمومية حوالي 65 مليون سنتيم (قرابة ستة آلاف دولار) شهريًا بين الراتب والتعويضات، ويحقّ للنائب النائم والسارح في "ملكوت الشعب"، الاستفادة من قرض بدون فائدة لشراء سيارة، رغم أن نوابًا أنفسهم صوّتوا ذات مرة لصالح إلغاء القُروض الاستهلاكية بالنسبة للمواطنين، لكنهم سمحوا بها وأبقوها لأنفسهم.

منذ أشهر، قرّرت إدارة هذا البرلمان ترشيد النّفقات، في سياق حملة تقشّف لتخفيض ميزانية المجلس بنسبة 15 بالمائة، واستغرب الجميع حينها من قرار المجلس، في ظل وجود نوّاب دخلوا المجلس للاستفادة من الامتيازات والرّواتب ولم يحرّكوا ساكنًا، لكن بعد مرور فترة اكتشفوا أن الضغوط لم تتوقّف لحظة واحدة لدفع الإدارة للعدول على قرار التقشف، لأنه سيضرب مشاريع القوانين التي ستمرّرها الحكومة في الصميم، من طرف المستفيدين من "الاستنواب"، والذين استثمروا كل ما يملكون للوصول إلى البرلمان.

قد يُفهم أن منحة نهاية العهدة لنواب البرلمان، المقدّرة بالملايين في عزّ التقشّف هي رشوة سياسية، يُراد منها شراء صمت ممثلي الشعب، "ياريتهم كانوا باعوا صمتهم"، ولكن نواب البرلمان لم يتكلّموا يومًا وهناك من مات أثناء عهدته دون أن يقول كلمة واحدة، باستثناء طلب الطعام والبدلات والتوسّل للاستفادة من رحلة إلى الخارج في إطار مهام البرلمان.

السلطة تعرف جيدًا مكوّنات نفسية هؤلاء البرلمانيين، ورضوخها لمطالبهم ليس خوفًا من مساءلاتهم للوزراء أو تدخّلاتهم أمام الكاميرات، أو مطالبتهم بلجان تحقيق تختفي تقاريرها في كل مرّة، بل لأن غالبية هؤلاء النوّاب من ذوات "الدم البارد"، ووجبت مكافأتهم على جهلهم بما هم فيه، ولكي يستمرّوا في حالة فقدان الوعي التي سيستفيقون منها على كارثة أكيدة.

المساهمون