إريك وينشتاين: "الاشتراكية قد تكون الشيء الوحيد لإنقاذ الرأسمالية"

إريك وينشتاين: "الاشتراكية قد تكون الشيء الوحيد لإنقاذ الرأسمالية"

05 سبتمبر 2017
+ الخط -

مُقابلة مع كبير مستشاري بيتر ثيل حول أزمة الرأسمالية المتأخّرة
"لطالما اعتقدنا أن الرأسمالية تخوض معركة أيديولوجية ضروسٍ مع الاشتراكية، ولكننا لم نرَ ولم نلاحظ أن من سيقضي على الرأسمالية هو طفلتها المحبّبة... التكنولوجيا".

هكذا بدأ عالم الرياضيات وينشتاين والمدير الإداري لشركة بيتر ثيل للاستثمار، حديثه في فيديو جديد لصالح موقع Bigthink.com. وفيه يقول إن التكنولوجيا قد حوّلت عالمنا جدًا لدرجة أننا "قد نحتاج إلى نظامٍ هجين في المستقبل والذي سيكون على سبيل المفارقة أكثر رأسمالية من رأسماليتنا اليوم ولربما أكثر اشتراكية من شيوعية الأمس. وهي طريقة أخرى للقول إن المبادئ الاشتراكية قد تكون الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الرأسمالية".

يعكس تفكير وينشتاين وعيًا متزايدًا في وادي السيليكون حيال التحدّيات التي يواجهها المجتمع الرأسمالي. وستستمرّ التكنولوجيا في الارتقاء بالمهن الوظيفية، كما سيزداد عدد العاملين الذين ستجري إعادة توزيعهم بين الحقول، ومن المحتمل ألا يتمّ استبدال العديد من الوظائف حيث ستكون ضمن الوظائف المُستغنى عنها. ولهذا، فإن العديد من علماء التكنولوجيا ورياديي الأعمال في وادي السيليكون يتجمّعون حول أفكار مثل فكرة الدخل الأساسي الشامل كوسيلة للتخفيف من الآثار السلبية للابتكار التكنولوجي.

تمكّنت من الوصول إلى وينشتاين للحديث عن أزمة الرأسمالية، وكيف وصلنا إلى هنا؟ وحول ما يمكن عمله، ولماذا يعتقد بأن فشلنا في اتخاذ تدابير حيال هذا الأمر قد يؤدّي إلى انهيار اجتماعي. قلقه الأساسي هو أن طبقة مليارديرين، والتي هو ليس جزءًا منها، ولكن لديه إمكانية الوصول إليها من خلال وظيفته، تسير بوتيرة بطيئة جدًا للاعتراف بالحاجة إلى تغيير جذري.

يقول وينشتاين: "الأمر الخطير، هو أن الأغنياء حقًا ينفصلون بشكل كبير عن حياة بقية الناس للدرجة التي لم تعد تعنيهم مشاكل ومخاوف أولئك الذين يعملون بالساعة. وعندما نصل إلى مرحلة حرجة، فإن هؤلاء الأغنياء لن يكونوا قادرين على توقّع التغييرات القادمة، وسنرى اشتعال فتيل الثورة ككلفة لهذا الانفصال بين الطبقتين".


شون إلينغ: تبدو عبارة "الرأسمالية المتأخّرة" رائجة هذه الأيام. هل تجد أنها مفيدة تحليليًا؟
إريك وينشتاين: أرى أنها دقيقة لغويًا ومستفزّة سياسيًا. ولا أعتقد أن ما سوف يتبعها هو غياب الأسواق. لا أعتقد أن الآثار المترتّبة على ذلك، أن الرأسمالية ستخفق وستحلّ محلّها الفوضى أو الاشتراكية. بل أرى أنه من الممكن أن تكون هذا مجرّد نهاية بداية الرأسمالية، وأن مرحلتها التالية سوف تستمرّ بمبادئها الأساسية نفسها، ولكن في شكل لا يمكن التعرّف عليهِ تقريبًا.


شون إلينغ: أودّ سؤالك عن شكل هذه المرحلة التالية من الرأسمالية وكيف ستبدو، ولكن أولًا، أود أن أسألك ما إذا كنت ترى أن اقتصاد السوق (الاقتصاد الرأسمالي) قد تجاوزَ فائدته أو لا.
إريك وينشتاين: أؤمن بأن اقتصاد السوق كما نفهمه اليوم كان مرتبطًا بفترة زمنية معينة توافر فيها عدد من المطابقات. فهناك مطابقة بين المنتج الهامشي لعامل واحد ما وبين الاحتياجات الاستهلاكية الهامشية لعاملٍ آخر على مستوى مناسب اجتماعيًا. وهناك أيضًا تطابق بين اقتصاد يتألّف في معظمه من سلع وخدمات خاصة يمكن فرض ضرائب عليها مقابل أقلية من السلع والخدمات العامة، حيث يكون سعر السوق لتلك السلع العامة أقلّ بكثير من القيمة الجماعية لتلك السلع.

وعلاوة على ذلك، هناك أيضًا تطابقٌ بين القدرة على تدريب الشخص في شبابهِ ليكتسب مهارةً يمكن الاعتماد عليها وإعادتها بشكل مستمرّ مع اختلافات بسيطة على مرّ الزمن، ليخلق ما نسميه نحن الآن بالوظيفة أو المهنة. وأنا أعتقد بأن الكثير من هذه التطابقات تتحطّم الآن، لأنه لم يتمّ الربط في ما بينها بأي قانونٍ أساسي.


شون إلينغ: المسبب الأكبر لهذا الانهيار، هو التكنولوجيا، وهي كما وصفتها أنت، ابنة الرأسمالية. هل من الممكن أن تتحوّل ابنة الرأسمالية إلى مدمرتها؟
إريك وينشتاين: هذا سؤال مهم قطعًا. فمنذ عصر الثورة الصناعية، كانت التكنولوجيا كملاحقٍ مفيد، ملاحقةً العمّال ذوي النشاطات متدنية القيمة ووصولًا إلى السلوكيات المتكرّرة للنشاطات ذات القيمة العالية جدًا. المشكلة مع تكنولوجيا الكمبيوتر هي أنها تستهدف جميع السلوكيات المتكرّرة. فلو قمت بتفكيك وتحويل كل نشاطات الإنسان إلى سلوكيات تحصل مرّة واحدة ولا تعيد نفسها مع تلك النشاطات التي تحصل بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري أو حتى سنويّ، فسترى أن التكنولوجيا تشكّل خطرًا وتهديدًا بإزالة السلوكيات الدورية بدلًا من أن تقوم بدورها بتتبعنا من السلوكيات الدورية قليلة الأهمية إلى تلك ذات الأهمية العالية.


شون إلينغ: يبدو هذا الاتجاه في التكنولوجيا سيئًا بشكل كبير بالنسبة لمعظم الناس الذين يعتمد عملهم إلى حدّ كبير على الإجراءات الروتينية.
إريك وينشتاين: أعتقد أن هذا يعطينا كبشر أفضلية على أجهزة الكمبيوتر، وتحديدًا في المجال الاقتصادي والذي يقوم بشكل أساسي على اقتناص الفرص التي لا تتكرّر. عادة تكون هذه منطقة عمل مديري صناديق التحوّط والمبدعين والمهندسين وأي شخص يحاول أن يفعل شيئًا لم يفعله من قبل. ما لم ننظر فيه أبدًا هو كيفية نقل مجتمع بأكمله ويهيمن عليه الروتين إلى اقتصاد تنافسي يقوم على اقتناص الفرص التي لا تتكرّر، وهو ما يجعلنا نملك أفضلية محدّدة على الآلات، وأيضًا لدينا القدرة على القيام بما لم يتمّ القيام به.


شون إلينغ: هذا يثير سؤالًا شائكًا؛ فأنواع المهارات التي يحتاجها هذا الاقتصاد التكنولوجي ليست مهارات تملكها غالبية السكان. وربّما عدد كبير من الناس ببساطة لا يمكنهم أن يتفوّقوا فيهِ بغض النظر عن جودة ونوع التدريب أو التعليم التي يمكن أن نقدّمها لهم.
إريك وينشتاين: أعتقد أن هذا سؤال مثير للاهتمام، والأمر يعتمد بشكل كبير على وجهة نظرك للتعليم. فقد قال باكمينستر فولر (وهو مؤلف ومعماري أميركي بارز توفي في عام 1983) شيئًا ما له علاقة: "جميعنا نولد عَباقرة، ولكن شيئًا في عملية العيش يعمل على أخذ هذه العبقرية منّا وكبحها". سنكون قادرين خلال السنوات القادمة أن نعي أن الشيء الذي يأخذ عبقرتينا الفطرية منا ويكبحها، هو في الواقع نظامنا التعليميّ.

المشكلة هي أن لدينا نظامًا تعليميًا قائمًا على سرقة ميلنا الطبيعي للاستكشاف وإعادة ترويض العقل لجعلهِ مرتاحًا لتقبّل الروتين، العقل المُخدّر. ويرجع ذلك إلى أن نظامنا التعليمي مصمّم لإيجاد مخرجات قابلة للتوظيف وتناسب الوظائف، ولكنها في الوقت نفسه وظائف تمهّد بدقة لإفساح المجال لاقتصاد يستند على نحو متزايد إلى اقتناص الفرص التي لا تتكرّر.


شون إلينغ: هذه المشكلة لها حلّ معروف ولكنه معقد للغاية.
إريك وينشتاين: جزء من السؤال هو، كيف يمكننا تعطيل نظام تعليمي يعمل على توحيد الناس عبر الطيف الاجتماعي والاقتصادي لنكون قادرين على تذكير أنفسنا بأن خادمة الفندق التي ترتّب لنا سريرنا قد تكون في الواقع رسامة هاوية؟ وأن المحاسب الذي يتولّى ضرائبنا قد يكون بعد منتصف الليل يعمل سيناريو لفيلم؟ وأعتقد أن ما هو أقلّ وضوحًا لكثير من بيروقراطيينا في واشنطن هو مقدار المواهب والإبداع الموجود في جميع مناحي الحياة.

ما لا نعرفه حتى الآن هو كيف ندفع للناس مقابل هذه السلوكيات، لأن العديد من تلك السيناريوهات والكتب والاختراعات لن تكون قادرة على حجز حصة كبيرة بما فيه الكفاية من السوق، وهو ما يدفعنا لندخل في نقاش حول إيجاد نوعٍ هجينٍ من الرأسمالية المفرطة والاشتراكية المُفرطة.


شون إلينغ: لنتحدث حول هذا الموضوع. كيف سيكون الناتج من خلط الرأسمالية والاشتراكية معًا وكيف سيبدو؟
إريك وينشتاين: لا أعتقد أننا نعرف كيف ستبدو. أعتقد أن الرأسمالية ستحتاج إلى أن تكون أكثر تقييدًا. وهناك مجالات معينة تحتاج إلى الخضوع لعملية إزالة جذرية من أجل إعطاء الأقليّات الضعيفة القادرة على إحداث المعجزات الفرصة للتجربة واللعب، لأنها ستقدم لنا العجائب التي سوف يستند اقتصادنا إليها في المستقبل.

وعلى المنوال نفسه، علينا أن نفهم أن سكاننا ليسوا مجموعة من العمال الذين خلقوا ليكونوا مدخلات في آلة الرأسمالية، بل هم مجموعة من الأرواح التي يجب أن تؤخذ كرامتها ورفاهها وصحّتها في الاعتبار، على أساس إنساني مستقل. وهذا لا يعني أننا قادرون على الانخراط في رفاهية وطنية من النوع الذي من شأنه أن يسلب أضعفنا من الكرامة التي سبق أن تم توفيرها له من قبل مكان العمل.

وسيتعيّن على الناس الانخراط في أنشطة إيجابية اجتماعيًا، ولكن قد لا تكون كل هذه الأنشطة الإيجابية الاجتماعية قادرة على الحصول على حصة كافية من السوق للاستهلاك على مستوى مناسب، ولذا أعتقد بأننا سوف نضطر إلى تعزيز الرأسمالية المفرطة والتي ستعمل على الاشتراكية المفرطة على أساس كل من الكرامة والحاجة.


شون إلينغ: أتفق مع معظم ما قلته، ولكني لست متأكدًا من أننا مستعدون للتكيف مع هذه الظروف الجديدة بسرعة كافية. ما تصفه هو تحوّل شبه ثوري في السياسة والثقافة، وهذا ليس شيئًا يمكننا القيام به بضغطة زر.
إريك وينشتاين: أعتقد أنه بمجرد أن تفك أكثر طبقاتنا إبداعًا ارتباطها مع تلك العوائق السلبية اجتماعيًا، فسوف تكون قادرة على اختيار ما إذا كانت الرأسمالية ستستمرّ عن طريق التطوّر أو الثورة، ويحدوني الأمل في أن المصلحة الذاتية للطبقة المليارديرية المستنيرة ستقودهم لاتخاذ مسار مستنير نحو إعادة التفكير لإيجاد عمل يمكنه أن يكرّم الغالبية العظمى من المواطنين والبشر الذين تعتمد بلدهم عليهم.


شون إلينغ: هل أنت واثق من أن طبقة المليارديرية مستنيرة لهذه الدرجة؟ لأنني لا أعتقد بأنهم كذلك. فكل هذه التغيرات كانت ملحوظة منذ سنوات، ومع ذلك فشلت الطبقة المليارديرية في أخذ أي من هذه الأمور على محمل الجد. والدافع إلى الابتكار والربح يغطي كل الشواغل الأخرى بقدر كبير.
إريك وينشتاين: هذا غريب. كان هناك تحوّل هادئ منذ عدة سنوات حيث توقفت غرف المفاوضات السريّة العازلة للصوت عن الضحك حول مخاوف عدم المساواة وبدأت في تبني هذه التغييرات على أنها خاصّة بهم. أتمنى أن أقول إن التغيير يمكن أن يكون عن طريق خيرة قلوب الأكثر نجاحًا، ولكن أعتقد أنه كان في الواقع اعترافٌ بأننا قد خرجنا من عالم يشكو فيه الناس من عدم المساواة التي ينبغي أن تكون موجودة على أساس التفاضلية في النجاح في اقتصاد لا يمكنه أن يدافع عن مستوى عدم المساواة بناءً على النفوس البشرية واحتياجاتها.

أعتقد أن هناك مزيجًا من الحرج والمصلحة الذاتية المستنيرة عند هذه الطبقة - وهي أعلى من طبقتي بقليل - والتي تحاول التأكّد من أنها لا تزرع بذور انهيار اجتماعي مدمّر للغاية، وأعتقد أنني قد رأيت تحولًا شخصيًا فعليًا لدى العديد من المفكرين البارزين من التكنولوجيين، حيث جاؤوا لأنهم يهتمون بشكل كبير بآثار عملهم. عدد قليل منهم كانوا يريدون أن نذكّرهم بأنهم قتلوا العديد من الوظائف وأنهم دمّروا المكاسب التي تراكمت منذ الثورة الصناعية.

لذلك أعتقد أنه من حيث الرغبة في ترك إرث إيجابي اجتماعيًا، فإن العديد منهم متحفّزون للابتكار من خلال مفاهيم مثل الدخل الأساسي العالمي ليجدوا أن واشنطن وبلا شكٍ، خالية من أي أفكار جديدة من الناحية الاجتماعية كما هي من الأفكار التكنولوجية الجديدة الآن.


شون إلينغ: ولكن كيف سمحنا للأشياء أن تصل لهذا السوء؟ لقد عرفنا منذ وقت طويل أن النظم السياسية تميل إلى الانهيار بدون طبقة وسطية قويّة تعمل كمخزن مؤقت بين الفقراء والأغنياء، ومع ذلك فقد اندفعنا بشكل كبير في هذا الجو غير المستقر.
إريك وينشتاين: وصلت إلى مرحلة غريبة من حياتي والتي من المرجح أن أركب في الطائرة إما في الدرجة الاقتصادية أو الخاصّة على حدٍ سواء. وعليهِ، فلدي عدسة فريدة من نوعها للنظر إلى هذا السؤال. حيث قال لي صديق ذات مرّة: "المطار الحديث هو الاستعارة المثالية للحرب الطبقية القادمة". فسألته: "كيف ذلك؟"، فقال: "يجلس الأغنياء في الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال أولًا حتى يتمكّن الفقراء من المرور من جانبهم إلى الدرجة الاقتصادية ليلاحظوا امتيازاتهم". فرددت: "أعتقد أن الاستعارة أفضل مما تحدثت بهِ، لأن هؤلاء الناس في الدرجة الأولى وفي درجة رجال الأعمال هم في الواقع أغنياء مزيّفون، والأغنياء الحقيقيون موجودون في محطة أخرى أو في مطار آخر تمامًا".

يبدو لي أن الخطر الأكبر هو أن الأغنياء حقًا، وأنا أتكلم عن الأغنياء بحسابات بنكية بتسع أو عشر خانات، ينفصلون بشكل متزايد عن حياة بقيتنا بحيث وصلوا للدرجة التي لم تعد تعنيهم مشاكل ومخاوف أولئك الذين يعملون ويكسبون قوت يومهم بالساعة. وعليهِ، فنحن لا نتوقّع العديد من التغييرات، وسوف نرى بداية الثورة ككلفة لهذا الانفصال.

ومع ذلك، فإنني آمل في أن تنمو الاضطرابات الاجتماعية وأن ينتهي النظام السياسي الحالي الذي يعمل على انحدار الطبقة الوسطى العليا والدرجات الدنيا من الأغنياء إلى الطبقة الوسطى وطبقة الفقراء المستاءين، وهذه ليست إلا رغبة من أجل تجنب التهديد الحقيقي للاستقرار والاستقرار الاجتماعي الذي يعتمدون عليه.


شون إلينغ: أفترض أن هذه هي وجهة نظري. ولكن إذا كان الناس الذين لديهم القدرة على تغيير الأشياء متقوقعين للدرجة التي تجعلهم غير قادرين على إدراك هذه الحالة الطارئة في حين لا يزال هناك وقت لعمل شيءٍ ما بخصوصها، فأين يتركنا هذا؟
إريك وينشتاين: حسنًا، هذا يرمي إلى ادعاءٍ يقول إنه لن تكون هناك طلقات تحذيرية قبل الانهيار. وأنا أضمن لكم أنه عندما غادر متظاهرو "احتلوا وول ستريت" حدود حديقة زوكوتي وتوجهوا لناحية منازل مانهاتن العليا في الجانب الشرقي، فقد ركزوا فورًا على ذهن أولئك الذين يمكن أن ينشروا قدرًا كبيرًا من رأس المال. ولحسن الحظ، كان هؤلاء المتظاهرون أذكياء بما فيه الكفاية لإدراك أن المظاهرة السلمية هي أفضل وسيلة للإعلان عن احتمال عدم الاستقرار بالنسبة لأولئك الذين لم يفكروا بعد.


 شون إلينغ: ولنفترض أنك واحد من متظاهري "احتلوا وول ستريت" الذين أطلقوا ذلك التحذير السلمي قبل ست سنوات، وكنت تفكّر في ما حدث منذ ذلك الحين، هل لديك ما يدعوك للاعتقاد بأن رسالتهم قد وصلت؟ ألا تنظر حولك وتقول: "لم يتغير الكثير؟"، فاقتصاد الكازينوهات في وول ستريت لا يزال موجودًا. ما هو الدرس الذي يجب استخلاصه من هذه الحالة؟
إريك وينشتاين: حسنًا، هذا يضع الكثير من اللوم على أصحاب البنوك. ما أعنيه، هو أن هناك مشكلة وهي أن متظاهري "احتلوا وول ستريت" وأصحاب البنوك يتشاركون وهمًا، فكلاهما يعتقد بأن أصحاب البنوك أكثر قوّة في القصّة مما هم عليه في الواقع. والمشكلة الحقيقية التي لم يواجهها مجتمعنا حتى الآن هي أنه وفي وقت ما من عام 1970، أنهينا عدة فترات من النمو الهائل الشرعي في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد. ومنذ ذلك الوقت، كافحنا حقيقة أن جميع مؤسساتنا التي ازدهرت خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تقريبًا قد ضمّنت فرضيات النمو في أساسها.


شون إلينغ: ماذا يعني ذلك بالضبط؟
إريك وينشتاين: هذا يعني أنه على كل تلك المؤسّسات، سواء كانت شركات قانونية أو جامعات أو مؤسسات عسكرية، أن تقدّر الحالة ثابتة [بمعنى اقتصاد مع تقلبات خفيفة في النمو والإنتاجية] من خلال الاعتراف بأن النمو لا يمكن أن يستمرّ من خلال إدارة هرمية بونزي أو عن طريق محاولة تفكيك الآخرين وطحنهم لتحقيق نوع من النمو المزيف يُبقي على تلك المؤسّسات الخاصّة على قيد الحياة. هذه هي القصة الكبيرة التي لا أحد يهتم بها أو يكتب عنها. لدينا مشكلة على مستوى المنظومة مع فرضيات نمو مضمنة تحوّلنا جميعًا إلى أوغاد وكاذبين.


شون إلينغ: هل يمكننا أن نخوض في ذلك أكثر؟ لأن هذه مشكلة أساسية وأريد التأكد من أن القارئ يعرف بالضبط ما تعنيه عندما تقول "فرضيات نمو مضمنة" تحوّلنا إلى "أوغاد وكاذبين".
إريك وينشتاين: بالتأكيد. لنفترض، على سبيل المثال، أن لدي شركة محاماة صاعدة ويوجد فيها خمسة زملاء يدعمون بعضهم البعض في كل وقت، ويأمل هؤلاء الأصدقاء في أن يصبحوا شركاء حتى يتمكن كل واحدٍ منهم من توظيف خمسة زملاء آخرين بدورهم. هذه الصيغة من العمل الهرمي تعمل بشكل جيد في وقت صعود مكتب محاماة، ولكن وبمجرد وصول المكتب إلى حالة مستقرة، سيكون كل شريك قادرًا على توظيف زميل واحد فقط، والذي سيتوجب عليه أن ينتظر سنوات عديدة قبل أن يصبح شريكًا لهذا الشريك الذي سيكون على وشك التقاعد. هذا النموذج الاقتصادي غير ناجح، لأن ساعات العمل الطويلة وانخفاض الأجر التي تجعل الناس مستعدين للقبول بوظائف المبتدئين هو طموحهم وتوقعهم بأنهم سيصلون إلى منصب أعلى في وقت قصير. وهذا يتكرّر مع الأساتذة وطلاب الدراسات العليا. وكثيرًا ما يتكرر في التسلسل الهرمي العسكري.

ويحدث ذلك في كل مكان تقريبًا، وعندما ينفد النمو الهائل، يتعيّن على كل مؤسّسة من هذه المؤسسات أن تجد طريقًا إما إلى امتلاك نموذج أعمال جديد أو الاستمرار في النموذج القديم عن طريق الاحتيال وتدمير مصدر دخل شخص آخر.


شون إلينغ: أفهم من كلامك أن اقتصادنا بأكمله في بيت واهن وهشّ ومبني على افتراضات عفا عليها الزمن ويستمرُّ في النمو بسبب استخدام بعض الحيل مثل التيسير الكمي. يبدو أننا قد صرنا جيّدين في تجنب مواجهة تناقضات حضارتنا.

المساهمون