التعليم في الجزائر: أطفال في شاحنات البضائع

التعليم في الجزائر: أطفال في شاحنات البضائع

18 سبتمبر 2017
(من مدينة جيجل الجزائرية/ فيسبوك)
+ الخط -
تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر خلال اليومين الماضيين، صورة تُظهر عشرات الأطفال يرتدون المآزر ويحملون الحقائب المدرسية داخل شاحنة لنقل البضائع ومواد البناء عبر الطريق السريع، تم التقاطها مدينة جيجل (شرق البلاد).

وأثارت الصورة التي تظهر الأطفال العائدين إلى بيوتهم من المدرسة على متن الشاحنة وتحت الأمطار الغريزة سخط كثير من الجزائريين على فيسبوك، إذ استنكروا الواقع المرير الذي يعاني منه أطفال المداشر والقرى المعزولة من أجل الالتحاق بمدارسهم البعيدة عن مقار إقاماتهم في ظلّ غياب النقل المدرسي.

التلاميذ مسؤولية الجميع
وجاءت التعليقات والمنشورات مندّدة بصمت الأولياء عن حقوق أبنائهم، كما استنكرت أيضًا تهرّب السلطات المحلية من مسؤولية ضمان وتوفير النقل المدرسي للأطفال الذين يقطنون في قرى ومدن بعيدة عن المدارس، في حين هاجمت منشورات أخرى وزارة التربية والتعليم واتّهمتها بعدم التركيز على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها تلاميذ القطاع الذي تشرف عليه.

وذهب المتفاعلون مع الصورة، التي حققت نسبة عالية من المشاركة، وصلت إلى أكثر من 12 ألف مشاركة، إلى استهجان الطريقة التي تعامل بها السلطة التلاميذ من خلال تلقينهم دروس الوطنية والحقوق والواجبات، في حين لا توفّر لهم أبسط حقوقهم والمتمثلّة في النقل المدرسي.


ويقول الشاب خالد مهري في منشور له على الصورة التي تعتبر عينة حيّة لحجم المأساة التي يعيشها أطفال العائلات البسيطة والفقيرة: "هل تصدّقون أن هؤلاء الأطفال غادروا المدرسة في الشاحنة تحت المطر بعد تأدية النشيد الوطني أو أنهم يذهبون هكذا صباحًا لأداء تحية العلم الوطني؟".

ويعبر صاحب المنشور عن حجم الخيبة التي يعيشها التلاميذ الذين يقفون كل يوم صباحًا ومساءً لأداء تحية العلم في المدرسة، كما يفرضه القانون الجزائري، وهم يلتحقون ويغادرون صفوفهم في شاحنات تحت المطر.

قضايا هامشية
وفي الوقت الذي أعادت فيه الصورة الحيّة للأطفال قضية الظروف الصعبة التي يعاني منها التلاميذ، وعلى رأسها غياب حافلات النقل المدرسي إلى الواجهة، انحصر اهتمام مهنيي قطاع التربية والنقابات والناشطين الحقوقيين والأحزاب السياسية أيضًا بموضوع "حذف البسملة" من الكتب المدرسية الذي ما زال يصنع الحدث منذ الدخول المدرسي قبل أكثر من أسبوع.

ووجّه معلّمون ومفتشون ومنخرطون في نقابات التربية وجمعية أولياء التلاميذ وغيرهم من الفاعلين في القطاع الانتقادات الشديدة إلى وزيرة التربية بسبب حذف البسملة من الكتب المدرسية، التي تحوّلت إلى قضية وطنية تداولها الإعلام بشكل واسع، في حين تم تغييب المشاكل الحقيقية التي يعاني منها التلاميذ في القرى النائية والأماكن المعزولة والذين يجدون في أحسن الأحوال شاحنات لنقلهم بينما يضطر آخرون للوقوف ساعات طويلة في الطرقات يحاولون إيقاف السائقين الذين يستخدمون الطريق من أجل نقلهم تطوّعًا أو السير على الأقدام لمسافات طويلة جدًا.

وكان التفاعل مع قضية "حذف البسملة" من الكتب المدرسية إعلاميًا، وعلى المستوى المهني قياسيًا، على خلاف القضايا الأخرى المتعلقّة بالظروف الصعبة للتعليم التي تمّ تناولها بشكل هامشي، حيث أطلق العديد من الأساتذة والنقابيين حملات للتنديد بقرار "حذف البسملة"، الذي صنع النقاش في الدخول المدرسي للسنة الدراسية الجديدة، فنشرت فيديوهات لأساتذة يكتبون "بسم الله الرحمن الرحيم" على السبورة، وآخرين قاموا بطباعتها على شكل قصاصات صغيرة وإلصاقها في الكتب، كما ظهرت صور لأولياء كتبوا البسملة بأقلامهم على كتب أبنائهم، لتصبح القضية الرئيسية في القطاع الذي لا يجد فيه أطفال المناطق المنعزلة وسيلة للنقل من أجل الالتحاق بصفوفهم الدراسية.

معاناة تتوارثها الأجيال
تبدو مسيرة التعليم في الجزائر متوقّفة ترواح مكانها، ولا تتقدّم خطوة واحدة رغم مرور سنوات عديدة، فقبل 10 سنوات من الآن نقل الصحافي الجزائري علاوة حاجي قصّة الطفلة إلهام، (7 سنوات)، تسير على قدمَيها ساعة كاملة لتصل إلى مدرسة حلوان ميسوم في مدينة المدية (وسط البلاد).

اليوم أيضًا ما زال العشرات من أمثال الطفلة إلهام التي أصبحت اليوم شابة يقطعون مسافات طويلة، ويتكبّدون معاناة كبيرة للوصول إلى مدارسهم في القرى والمداشر، وكأنه محكوم عليهم بمعاناة أبدية يتوارثونها جيلًا بعد جيل.

يحدث هذا في الوقت الذي ينشغل فيه الفاعلون في القطاع من مهنيين، نقابات، وجمعيات أولياء التلاميذ بقضية "حذف البسملة" دون غيرها. واقع يعكس حجم التفاوت في الدفاع عن حقوق الأطفال والاهتمام بتوفير ظروف تعليم جيّدة لهم، بين من يكتفون بالتفرّج على معاناتهم ومن يؤمنون بضرورة العمل لتغيير واقعهم، أمثال المعلم الصيني لي كونجتشو الذي ظل ينقل تلاميذه بالقارب من قريتهم المعزولة إلى المدرسة وإعادتهم إلى منازلهم مساء لمدّة 20 سنة كاملة، ولهم في ذلك عبرة.

المساهمون