غزّة: شاطئ للنساء فقط

غزّة: شاطئ للنساء فقط

17 سبتمبر 2017
على شوطئ غزّة (تصوير: عبد الرحيم خطيب)
+ الخط -
على الرغم من أن بحر غزّة ملوّث ولا يصلح للاستجمام، كما حذّرت بلدية غزّة ومصلحة بلديات الساحل في القطاع خلال العامين الأخيرين، ومع اشتداد تلوّثه وضخّ أكثر من 120 مليون لتر من مياه الصرف الصحّي غير المعالجة يومياً فيه، إلا أنه لا بديل عنه كمتنفس وحيد أمام الغزيّين المحاصرين من كل المعابر الحدودية مع مصر والكيان الإسرائيلي، خاصّة أمام النساء اللواتي لا يجدن أماكن مناسبة لهن للترفيه، ما دفع ببعض المستثمرين إلى تأسيس مقاهٍ خاصّة بالنساء فقط، وتخصيص شاطئ خاصّ بهن.

بدأت الاستراحات النسائية تأخذ استقلاليتها على بعض مناطق شواطئ غزة؛ وهي تحمل ترخيصًا حكوميًا يمنع دخول الشباب والرجال والمرور إليها، وهو الأمر الذي تجد فيه النساء بعض الراحة، لكن في المقابل فإن بعض الحقوقيات ينظرن إلى أن مثل هذه الاستراحات تزيد من العزلة الاجتماعية والفصل بين الرجل والمرأة.


"استراحة الزاهرة للنساء"، هي أوّل استراحة على شاطئ بحر غزة، وهي للنساء فقط والعاملات فيها من النساء أيضًا، وهو ما منحها ترخيصاً من بلدية غزة لمنع الذكور من دخول منطقة الشاطئ المحيطة بها، وتخصيص هذه المنطقة للنساء والأطفال في أعمار محدّدة، وهو ما شجّع ظهور عدد من الاستراحات على شاطئ بحر غزة خاصة بالنساء والتنافس فيما بينها.

عدد من النساء يجدن راحتهن في الاستراحات النسائية، لأنهن لا يحبّذن الاختلاط بالرجال، والالتزام بأزياء معيّنة على الشاطئ "شرعية"، لتجنّب المضايقات والتحرّشات اللفظية التي تحصل معهن في شواطئ أخرى.

أمينة صيدا (54 سنة)، تجد متعتها في تلك الكافيتريا، إذ بدأت ترتادها هي وبناتها، وتقول في حديث إلى "جيل": "نحن منقّبات ويجب علينا أن نجد مكانًا مريحًا لنا لا يسبّب لنا أي مضايقات، وهذه الأماكن لبّت خصوصيةَ المرأة، ويمكن داخلها خلع النقاب وحتى السباحة في المسابح".

بعض الشابات يجدن الكافتيريات النسائية تحميهن من نظرات الشباب، هنا، تعلّق آية (27 عامًا) على هذا الموضوع، بأن الأماكن الترفيهية في غزّة العامة مفتوحة أمام شباب ورجال يوجّهون إلينا نظرات لا ترحم، وقلّة منهم يعاكسون الفتيات والنساء، وهو ما يدفعهن إلى عزل أنفسهن عند التنزّه بمكان خاص بهنّ.

تقول آية في حديث إلى "جيل": "غزة ليست كمدن أخرى؛ التحرّش فيها نراه على مواقع التواصل الاجتماعي ويكون بشكل علني في الشارع، لكن لتفادي التحرش أو النظرات وتجنّباً لإثارة أي خلافات بين أهالينا نلجأ إلى هذا المكان".

رشا العدلوني، مؤسّسة أوّل كافيتريا للنساء "الزاهرة النسائية"، تصف مشروعها بأنه ترفيهي وتجد المرأة الأمن داخله، وفكرة الاستراحة كانت عائدة عليها من معلّمها مؤسّس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وبالفعل نفّذت الفكرة، وقامت بتشغيل عدد من النساء اللواتي أصبح لديهن دخل شهري، ومنهن أرامل.

تفكّر العدلوني، حينما يصبح بحر غزة نظيفاً، في أنها ستقوم بمنح الحرية للمرأة بالسباحة أمام شاطئ الاستراحة بعيدًا عن الاختلاط، وتقديم طلب يسهّل عليها تخصيص حدود للسباحة للنساء فقط.

دفع تلوث البحر إحدى الكافيتريات النسائية الأخرى إلى تخصيص مسابح للنساء بداخلها، وهو ما تلاحظه نفين إسماعيل، مديرة "كافيتريا النور"، ذلك أن عدداً من النساء بدأن باصطحاب أطفالهن لحمام السباحة بدلًا من التوجّه إلى البحر الملوّث.

تشير نفين إلى أن كثيراً من الرجال في غزة يرفضون نزول زوجاتهم وقريباتهم للبحر والجلوس عليه لوحدهن، وأمام التلوّث لقيت المسابح إقبالًا من السيدات أكثر من الأطفال، وتضيف: "صورة جميلة أن تتمتّع المرأة بحريتها داخل الكافيتريا، لكن الشيء المؤسف أنهن يعانين من حرمان كبير خارجها".

بعض النساء يرفضن فكرة أن تتمتّع المرأة بشاطئ مستقل ومكان خاص بها، لأن منهن من وجدن أن مثل هذه المشاريع تزيد الانقسام بين المرأة والرجل وانعزالها عن الرجل واعتبارها الحلقة الأضعف وهي لا تشاركه الأماكن العامة التي يتمتّع بها. هنا تتساءل المحامية رجاء عياد: هل مشكلة النساء الكبرى هو وجود الرجل أم أنها تسلّم نفسها للحكم الذكوري في غزة؟.

تقول عياد في حديث إلى "جيل": "للأسف، فإن الأحزاب الإسلامية في غزّة دفعت المرأة إلى فكرة أنها يجب أن تعزل نفسها في مكان لوحدها، حتى إن قانون الانتخابات المركزي الفلسطيني يتحدّث عن وجود "كوتة" نسائية، بمعنى أن تبقى المرأة ضعيفة وخاضعة لذكورية الرجل دون الاشتراك معه في جميع المناصب والمرافق العامّة".

من جهتها عبرت الاختصاصية الاجتماعية آية الطنة، عن انزعاجها من فكرة إنشاء أماكن نسائية خاصّة، لأنها لن تؤدّي غرضها، وتعتبر أن المرأة ستبدأ بالشعور بأن المجتمع هو غاية كبيرة على عكس تلك الأماكن التي تعتبرها متنفسًا لها، وتضيف: "مؤسفة تلك المشاريع وإن كانت لها إيجابيات تشغيلية، لكن للأسف ستشعر المرأة بأنها مثل العبيد لها حرّية مؤقتة وباقي المدّة هي ملك للرجل وتصرّفاته في ردائها وتحرّكاتها".

المساهمون