عام دراسي جديد في مصر: أعباء جديدة في الانتظار

عام دراسي جديد في مصر: أعباء جديدة في الانتظار

15 سبتمبر 2017
العام الدراسي في مصر يكدر صفوالأسر في ظل تدهورالاقتصاد(Getty)
+ الخط -
يشعر كثير من الناس بالارتياح عندما يحل شهر أيلول/ سبتمبر، فهذا يعني بالنسبة لهم أن فصل الصيف الصعب أوشك على الرحيل، وأن درجات الحرارة والرطوبة ستبدأ في الانخفاض، لكن شعور الارتياح هذا سرعان ما سيتبدد إذا كنت ربًا لأسرة في مصر، فقدوم شهر أيلول/ سبتمبر يعني أن العام الدراسي الجديد أوشك على الانطلاق.

مصروفات مدارس، ملابس وأحذية وحقائب جديدة، أدوات مدرسية وكتب خارجية ودروس خصوصية؛ هذا ما يعنيه عام دراسي جديد لرب أسرة مصرية، وهي كلها أمور تتطلب الكثير من الأموال، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية.


عما فعلته الحكومة بنا
قررت الحكومة المصرية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعويم العملة، وهو ما ترتب عليه انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة 100%، وهذا يعني في دولة تعتمد على الاستيراد بشكل أساسي لتوفير احتياجاتها أن أسعار السلع والخدمات ستتضاعف، وهذا ما حدث بالفعل؛ ارتفعت الأسعار بشكل غير طبيعي، وتجاوز معدل التضخم 30%.

لم تكتف الحكومة بما فعلت، فخفضت دعم الوقود والكهرباء والمياه بدعوى أن "هذا يصب في مصلحة المواطن"، لكن الحقيقة أن هذه الإجراءات فاقمت من معاناة ملايين الأشخاص الذين بقيت رواتبهم على حالها دون زيادة توازي حجم التضخم.

يقول وزراء الحكومة أن التعليم العام مجاني –رغم أنه يمول من الضرائب التي يدفعها المواطنون وليس منة من أحد- وبالتالي التضخم لن يؤثر عليه، لكن هؤلاء الوزراء يتناسون أن هناك عشرات السلع والخدمات غير المجانية، مرتبطة بهذا "التعليم المجاني"؛ فزي المدارس الذي تضاعفت أسعاره ليس مجانيا، ومستلزمات الدراسة من أقلام وحقائب ودفاتر وكتب خارجية –وأغلبها مستوردة من الخارج-  ليست مجانية، والدروس الخصوصية ليست مجانية بالطبع.

المدارس الخاصة لمن استطاع إليها سبيلًا
تقبع مصر خارج التصنيف العالمي في مجال التعليم الأساسي؛ ليست في مرتبة متأخرة، بل خارج التصنيف أصلًا. سيتفهم أسباب هذا الوضع من قادهم فقرهم للتعلم في المدارس الحكومية، حيث عدد التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد يصل إلى 100 تلميذ، وحيث تغطي القاذورات أرضية الحمامات، وحيث تصبح المدرسة بيئة حاضنة للأمراض.

لأجل هذا الوضع المزري، تسعى العديد من الأسر لإدخال أولادها إلى مدارس خاصة، حتى وإن اضطرت إلى ضغط نفقاتها في باقي جوانب الحياة، لكن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مصروفات المدارس، تجد هذه الأسر مجبرة على الاختيار بين أمرين أحلاهما مر، فإما أن تضغط نفقاتها أكثر وأكثر، وإما أن تخرج أولادها من التعليم الخاص وتدخلهم في التعليم الحكومي.

يقول محمد زيدان: "لدي طفلتان في المرحلة الابتدائية. أدخلتهما مدرسة خاصة لأني أردت لهما الأفضل. لا أتحدث هنا عن التعليم، بل أتحدث عن البيئة نفسها؛ أردت فصولا دراسية غير مكدسة بالطلاب، وأردت حمامًا نظيفًا تستطيع طفلتي استعماله. كنت أدفع لهما سنويًا حوالي 6 آلاف جنيه. أعلم أن هذا ليس بالمبلغ الكبير، لكن هذا كل ما كنت أستطيع توفيره".

ويضيف: "بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية ارتفعت مصروفات المدرسة للطفلتين إلى 8 آلاف جنيه، لكن المشكلة ليست في ارتفاع مصروفات المدرسة فقط، بل كل المصروفات المرتبطة بالعملية الدراسية تضاعفت تقريبًا، والآن أنا مخير بين أمرين، إما أن أدفع أو أنقل طفلتيّ إلى مدرسة حكومية".

الشكوى لا تقتصر على المنتمين إلى الطبقة الوسطى ممن يدخلون أولادهم للمدارس الخاصة، ذات المصروفات المنخفضة فقط، بل حتى المنتمون إلى الطبقة العليا الذين يعلمون أولادهم في مدارس دولية يشتكون، ووصل الأمر إلى أن ناشدت الفنانة إيمي سالم الرئيس عبد الفتاح السيسى بالتدخل لوقف زيادة مصروفات المدرسة الدولية التي يتعلم بها أبناؤها.

حيل الفقراء
تحاول الأسر الفقيرة تكييف نفسها مع الأوضاع الجديدة، فتحتال لهذا الأمر عبر عدة طرق. أم محمد مثلًا قررت أن قميصا جديد واحدا فقط، بجانب قميص سليم آخر من العام الماضي، يكفيان ابنها الطالب بالمرحلة الإعدادية، وأنها لن تشتري حقيبة بـ200 جنيه، بل ستخيط القطع الموجود في حقيبة العام الماضي حتى تعود كالجديدة.

أما أبو فاطمة، رب أسرة بها 3 أفراد في مراحل تعليمية مختلفة، فسمح لابنته الكبيرة بالعمل في إحدى العيادات مقابل 500 جنيه، رغم أنه كان يعارض ذلك سابقًا، ويبرر قراره الجديد بقوله: ماذا أفعل؟ الأعباء ثقلت، ولم أعد أستطيع أن ألبي رغبات أولادي، فسمحت لها أن تعمل وتتحمل جزءا من مسؤولية نفسها.

امتلكت أم محمد وأبو فاطمة من الحيل ما سمح لهما بالتكيف –ولو ظاهريًا- مع الأوضاع الجديدة، لكن من المؤكد أن غيرهما من أرباب الأسر لن يستطيعوا التكيف، وربما يضطرون إلى وقف تعليم بعض أولادهم.