محمد رمضان.. "الأسطورة" في الجيش المصري

محمد رمضان.. "الأسطورة" في الجيش المصري

12 سبتمبر 2017
رمضان أداة بيد الجيش؟ (فيسبوك)
+ الخط -
تبدو أركان الواقع السياسي والمجتمعي المصري، تسير في خطوط طويلة وممرات منعرجة، تهبط في مستوياتها من أدنى إلى أدنى، داخل إطار ضيق شديد القتامة؛ فإن سيولة المشهد وتناقضاته، تسفر عن أفوله وانسدادته، في صورة هزلية ومأساوية، تفضح العناصر المؤسسة له، في تداعيها وسطحيتها، من جانب، وضعف مؤثراتها الهشة، من جانب آخر.

فالنظام بقمعه الوحشي وخطابه السلطوي الشعبوي، يرتكز على عوامل استهلاكية، بلا تماسك أو قوام ينتصب عليه معنى محدد ومباشر ومفهوم.


أصبح الفنان المصري محمد رمضان أو "الأسطورة"، كما بات يُعرف نفسه، أحد وجوه هذا النظام ومصدر دعايته السياسية، من خلال أدواره الفنية ونشاطه عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ولقاءاته التلفزيونية من خلال المنصات الإعلامية التي احتكرتها الاجهزة الأمنية منذ مطلع العام الماضي، ومؤخراً، أدائه للخدمة العسكرية في الجيش المصري.

فقد تربع فيلمه "شد أجزاء"، على عرش الإيرادات عام 2015، مما جعل أجر الممثل العشريني يصل إلى 22 مليون جنيه، تقاضاها عن أخر عمل له، وهو مسلسل "الأسطورة" الذي قدمه في شهر رمضان عام 2016، وساهم في تعاطف ملايين من المصريين، خاصة، الشريحة التي مثلها، والتي تشكل قاعدة جمهوره، التي يتوجه دائما بأدواره إليها ويخاطبها، مع شخصية رفاعي الدسوقي بشكل كبير.

"الأسطورة" حالة شعبوية ونجومية أحدثت حالة من الصخب، وردود فعل متناقضة حولها، ساهمت في تعزيز مركزية الممثل المصري الشاب ووجوده الدائم، وتدعيم تأثيراته التي يتعمد حدوثها، وبناء مساحات نفوذ له وسط المشاهدين، وفئات مختلفة من المجتمع، وهي لا تخفي في الوقت ذاته، جوانبها الانتهازية وتكرارها وابتذال صناعتها، التي لا تحظى بأية جماليات فنية تقوم من خلالها بتقديم رؤية جديدة ومغايرة للواقع، لكن يعمل على تثبيته بمرآة، تعكس صورة ضعيفة وباهتة، ليس فيها أدنى موهبة.

فتقوم أدواره على استعارة جانب من الواقع الذي يعيشه المصريون في الأوساط الشعبية والعشوائيات، التي تتراكم فيها معاناتهم الطبقية وقهرهم الاجتماعي، والأمراض التي تفتك بأجسادهم؛ فيعمد إلى صناعة صورة بصرية صاخبة تقوم عناصرها على الجنس والبلطجة ومواجهة الأمن، وإن كان ثمة عنصر جديد بات يرافق هذه النوعية من الأفلام، حتى تأخذ طابعا سياسيا، يتناسب مع الحالة الراهنة عندما يظهر بعض "الإرهابيين" بصورتهم التقليدية كما يصفهم النظام داخل هذه الأوساط وتبدأ في ملاحقاتهم!

ظهر رمضان إلى جوار عبد الفتاح السيسي والفريق صدقي صبحي، في أحد المؤتمرات في الصفوف الأولى، بدون أي سبب منطقي أو تقاليد بروتوكولية، لكنه أضحى عنوان السلطة الفاشية، التي تعتمد على عناصر بغير موهبة، وذات أداء متواضع وضئيل، بهدف بناء شرعيتها السياسية والشعبية، والتقرب من المواطنين والانتقال إليهم عبر هذه الوسائط الرديئة.

ثمة مهمة غير مباشرة أسديت إلى "الأسطورة"، وقد شرع في تنفيذها ومواصلة خيوطها بدقة وإخلاص، وهي بناء صورة جديدة عن الجيش، يستفيد فيها من رصيده الشعبي لدى الشباب كواحد من أشهر "البلطجية" في الشارع والسينما المصرية، بعد انتقاله من دور السينما واستعارة أدواره خارجها وتقليدها من المراهقين والشباب، في معاركهم اليومية والتي تكررت بالفعل في حوادث سجلتها الصحافة، عندما قام أحد المواطنين بتقليد أحد مشاهده وإهانة مواطن بخلع ملابسه وإرتدائه ملابس نسائية خاصة.

أمسى رمضان "موضة" ونموذجا مؤثرا لا يمكن تفادي حجم تأثيره ونفوذه الشعبي، وهو ما يجري استدعاؤه لأداء دور بطولة مزدوج في السينما وخارجها، والاستفادة من تلك المكانة الجاهزة، بل ودعمها وتضخيمها، بهدف تخليص المؤسسة العسكرية، من كل الرواسب التي علقت بها في ذاكرة المصريين، خاصة، بعد الست سنوات الماضية، عقب الربيع العربي، وانخراطها في السياسة وتورطها في عمليات قمع وقتل للمصريين، وتعذيب وكشوف عذرية وانتهاك لحقوق الإنسان، داخل معسكراتها ومعتقلاتها، ناهيك، عن استمرارها والمحاكمات العسكرية الاستثنائية، التي تستهدف المدنيين من النشطاء والمعارضين السياسيين بهدف التنكيل بهم.

لعبت الصدفة دورها في مضاعفة تأثير محمد رمضان لأداء مهمته الدعائية، والتي جاءت مع انضمامه للتجنيد، وهي أداء الخدمة العسكرية في الجيش المصري، فهو لا يكف من وقتها عن ممارسة دعايته منذ ارتدى البزة العسكرية والتصوير بها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المشارك فيها، وتفاعل آلاف المتابعين معه، وكتاباته التي لا تخلو من عبارات "الوطنية" و"الرجولة"، لمن يلتحق بالخدمة العسكرية، وتأكيده على عدم تمييز يحصل عليه بسبب نجوميته.

فإن نشر الصور من داخل معسكر تدريب القوات المسلحة الذي يقضي فيه الممثل المصري خدمته، يشير إلى مكانة متميزة واستثنائية عن باقي أقرانه، حيث إن قواعد العسكرية المصرية وقوانينها، تمنع دخول الهواتف المحمولة، أو أي أدوات مدنية إلى معسكراتها.

كما أن الخدمة العسكرية تعني لدى كثيرين فترة مؤلمة، يحاولون التهرب منها بحيل مختلفة، لما يعانون فيها من تمييز فئوي وطبقي بين المجندين، خصوصا لمن لا يجد طريقا إلى الواسطة والمحسوبية التي تساهم في تحديد مكانتك داخل الجيش وطريقة المعاملة، التي ستحظى بها، فضلا عن المنطقة التي ستخدم فيها، والتي تتفاوت ليس فقط من ناحية البعد الجغرافي عن المكان الذي تعيش فيه، لكن من ناحية صعوبة ومشقة المهام أيضا، بين كل وحدة عسكرية وأخرى وضروراتها، والتي في بعضها تفرض عدم حصولك على إجازة إلا خلال شهر أو اثنين، وأخرى تستطيع فيها العودة إلى منزلك يومياً.

ويبدو أن محمد رمضان، الجندي المصري الوحيد، الذي حظي بكل هذا القرب الاستثنائي وغير الطبيعي، أثناء تأدية خدمته العسكرية، من رئيس الجمهورية، الذي يعد القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالإضافة إلى نشر صور خاصة والتعليق عليها، مع الفريق محمود حجازي وزير الدفاع.

المساهمون